لم يعد للاكراد وزعاماتهم السياسية ادنى شك في ان حلفاء الامس الشيعة تنكروا لهم الان بعد ان احكموا سيطرتهم على زمام السلطة التي حملوها لهم مع الاميركيين على طبق من ذهب اصبح الان مرصعا بالماس الايراني و المليشياوي و الاموال المسروقة من خزينة الدولة و وثروته النفطية.
قضيتان وضعتا الاكراد امام حقائق ومتغيرات الواقع السياسي واخرجتهم من بحيرة الرومانسية التي كانوا يسبحون فيها على الرغم من انهم كانوا اقسموا نتيجة تجاربهم السابقة المؤلمة بعدم تصديق من لا يجب تصديقهم في عالم السياسة الذي ينفي الصداقات و يؤمن فقط بالمصالح.


اولى القضيتين واهمهما هي كركوك التي بدأ تراجع الحلفاء عن استحقاقها الدستوري على يد اول رئيس حكومة منتخبة ابراهيم الجعفري الذي تملص من كل تعهداته و التزاماته،مستحقا بذلك غضبهم الذي ادى الى الاطاحة به والاتيان بالحليف المالكي الذي اقسم اغلظ الايمان هو الاخر بالعمل بالدستور و المضي قدما بتطبيق المادة 140 منه والتي تنص بتطبيع الاوضاع في المدينة، و اجراء تعداد سكاني ومن ثم الاستفتاء على مصيرها النهائي قبل نهاية 2007 وهو ما لم يفعله وتملص منه هو الاخر متعكزا على ذرائع و مبررات خاوية، وثانيهما: العقود النفطية التي وقعتها حكومة الاقليم برئاسة نيجرفان البارزاني مع الشركات النفطية العالمية لاكتشاف حقول النفط داخل حدوده واستخراجه من دون الرجوع الى الحكومة المركزية في بغداد التي يقف رئيسها الصامت المالكي بلا شك وراء الموقف المتعنت الذي يتخذه وزيره للنفط الشهرستاني الذي يعتبرها لاغية، حارما الشركات التي تنفذها من الدخول في عقود استثمارية نفطية في مناطق العراق الاخرى ما دامت لا تستجيب لطلبه وتوقف عملها في كردستان.
وترفض حكومة كردستان تفسير الشهرستاني للدستورالعراقي واصراره على ان استثمار الحقول النفطية الجديدة يجب ان يكون بمشاركة الحكومة المركزية وترى العكس، مدعية ان ذلك من اختصاص الحكومات المحلية وحدها.


رئيس الاقليم مسعود البارزاني وصف موقف الشهرستاني بانه quot; عدائي مع سبق الاصرارquot; وهدد برفع شكوى ضده في المحكمة الدستورية، لتجاوزه صلاحياته، فيما قال الناطق الرسمي باسم وزارة النفط عاصم جهاد quot; ان الاسراع في تشريع قانون النفط في مجلس النواب سينهي الخلاف بين الحكومتين، لانه سيحدد الصلاحيات و الاليات و المهام وينظم العلاقة بين المركز و الاقاليم و المحافظات فيما يرتبط بالنفطquot;.


يرى الخبيرفي شؤون الشرق الاوسط في معهد quot; بروكينغزquot; مايكل اوهانلون، وزميله عمر تسبينار الاستاذ بالكلية الحربية الوطنية بواشنطنquot; ان الاكراد ينبغي عليهم ان يفكرواثانية في طريقة تعاملهم من باب الانصاف للولايات المتحدة التي وفرت لهم فرصة للمساعدة في بناء عراق ما بعد صدام حسين، وايضا من باب الحرص على مصلحة الاكراد وجيرانهم، لان بغداد في حاجة الى لعب دور في تطوير حقول النفط و اقتسام العائدات، وكركوك في حاجة الى البقاء ضمن النظام السياسي العراقي، او ربما الحصول على وضع خاصquot;.


يلاحظ بعض المراقبين ان الدعم الاميركي للاكراد بدأ يقل لاسباب منها ماهو سياسي و ماهو امني، ومنها ما يرتبط بعلاقتها الستراتجية مع تركيا التي من الواضح انها مازالت المفصل الاساسي الذي تعتمد عليه واشنطن في المنطقة التي تشهد تطورات دراماتيكية متسارعة على خلفية التحدي النووي الايراني وسعي نظام الملالي في طهران لفرض هيمنته الاقليمية مستفيدا من الضعف الاميركي بعد اخفاق ادارة بوش عراقيا وتنامي دور الحركات الجهادية الاصولية في المجتمعات العربية.


هل تعيش العلاقات ndash; الاميركية حالة من البرود و الجمود نتيجة تغير مواقف واشنطن من قضية كركوك، و تعاونها الاستخباري مع تركيا لتصفية العمالي الكردستاني و سماحها باجتياح كردستان ووضع الامور على حافة هاوية التصادم بين البيشمركة و الجنود الاتراك؟.
ربما، اذا اخذنا بنظر الاعتبار انتقادات البارزاني للجانب الاميركي فيما يخص موقفه من الاجتياح البري التركي، ورفضه قبل ذلك باسابيع التوجه لبغداد للاجتماع بوزيرة الخارجية رايس محتجا على استخدام الامم المتحدة لوقف استحقاق دستوري.


مما لاشك فيه ان واشنطن تعتقد بان اجراء الاستفتاء على كركوك لا يخدم مصالحها في الوقت الراهن وهو ما جعلها تدفع الامم المتحدة للتدخل المباشرللضغط على الاكراد لقبول تأجيله لستة اشهر اخرى ليتم تهيئة الاجواء السياسية و الاجتماعية لحل هذه المعضلة الشائكة بدون اثارة الحساسيات العرقية والقومية والتسبب في تعبيد الطريق امام مظاهر عنفية لا يمكن كبح جماحها على خلفية مشاعر الكراهية و الهواجس السائدة بين الاطراف المختلفة.


وكان المبعوت السابق للامم المتحدة في بغداد اشرف قاضي ابلغ موظفي البعثة الخاصة بمساعدة العراق في عمان بمخاوفه من الوضع المعقد في كركوك،وطالبها بتوخي الحذرعند التعامل مع البند 140 من الدستور العراقي للحساسية الفائقة التي وصلتها العلاقات بين القوميات الثلاث المتنازعة.


ويضيف الخبير الاميركي مايكل روبن سببا آخرلحالة التوتر بين الاكراد و الاميركيين، مشيرا الى ان القوات الاميركية في العراق اكتشفت منذ وقت قصير ممرات سرية لميليشيات البيشمركة، تؤمن دخول عناصرمنظمة quot; انصار السنةquot; عبر ايران بشرط عدم تنفيذ اعمال ارهابية في محافظات كردستان الثلاث quot;.


ويشيرتقرير صادر عن معهد المشروع الاميركي الى ان التعامل المزدوج مع ايران مستمر حتى الان، ويؤكد روبن ان صناع القرار الاميركي ما عادوا يثقون بالاكراد منذ الغارة على مقر الاستخبارات الايرانية في اربيل في يناير من العام الماضي حيث تم اعتقال 6 ايرانيين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، ويعتقدون ان سلطات كردستان ربما تفشي المعلومات الحساسة التي تعطى لهم من القوات الاميركية.
ويعتبر روبن ان الرفض الكردي تزويد الاستخبارات الاميركية في العراق بمعلومات عن اعداد المتسللين من حراس الثورة الايرانيين ساهم في زعزعة الثقة بين الطرفين.


ومن الواضح ان القيادات الكردية تواجه تحديات لم تكن قد حسبت لها من قبل، على عدة جبهات داخلية و اقليمية و دولية، تستلزم منهم اعلى درجه اليقظة و الانتباه عند التعامل مع الظروف الجديدة والمعطيات المستجدة في الساحة السياسية الداخلية وافرازتها وامكانية ان يجدوا انفسهم امام تحالفات تستهدفهم في الصميم، وبالتالي اتخاذ القرارات الصائبة التي تحشر في الزاوية من يريد ان يدفعهم اليها لتحقيق مكاسب سياسية و دعائية على حساب قضيتهم و تجربتهم و ما قدموه من تضحيات لولاها لما كان هؤلاء اصلا في السلطة.


في مقالة نشرتها له quot; واشنطن بوست quot; في نوفمبر العام 2005 كتب البارزاني quot; خلافا لما يقوله منتقدونا، الاكراد براغماتيون و معتدلون، نعرف ان لنا حقوقا،لكننا نعي ايضا ان لدينا مسؤوليات. نحن وطنيون ولسنا قوميين انتحاريين، ولقد ترجمنا اعتدالنا بالتزامنا الحوار.لم نلزم باعادة ربط كردستان بالعراق، فبأي حال لا تطلب الولايات المتحدة من كوسوفو الانضمام من جديد الى صربيا quot;.

د. محمد خلف