سؤال يخالجني وأنا أرقب المشهد العربي بمجمله من على صهوة مكتبي النصف وثير في احد الجامعات العربية النصف بائسة في بيروقراطيتها. سؤال يقفز إلى سقف مخيلتي كلما اقتربت قمة عربية جديدة، يلح كي اجد له إجابة، فلم أجد. كثيرون هم العرب أمثالي من الأميون والمثقفون، من الجهلة وأشباه الأميون، من الساسة وأنصاف المتعلمون، كل هذا الخليط العجيب من العرب يخيل إلي أنهم يسالون نفس الأسئلة ويتلقون من أنفسهم وفيما بينهم ذات الأجوبة البلهاء، دون أي تقدم في الفهم او المعرفة.لقد كانت القمم العربية منذ أن خلق الله القمم في أدمغة الزعماء العرب والى يومنا هذا تدور في مربعين لا ثالث لهما (تحرير فلسطين والمصالحات العربية العربية) تحيط بهما هالة سودا شبه دائرية مفرغة، يعرف ألقاصي والداني أقصى تصريحاتهم وابعد طموحاتهم وأقوى عبارات شجبهم. فلوا ناديت مواطن صالح او غير صالح وطلبت منه أن يكتب لك مقررات أي قمة عربية قبل أنعقدها، وقارنته مع الإنشاء اللغوي الذي يتلوه عمر موسى في نهاية القمة لوجدت أن الخطاب واحد والشجب ذاته، والأماني ما تغيرت، لكن لا شيء يتغير على الأرض.باستثناء لاءات السودان الشهيرة التي ذهبت أدراج الرياح بعد أن مزقتها المعاهدات العربية الاسرائيلية الهزيلة، وقمة الجزائر التي فرخت لنا منظمة التحرير الفلسطينية، يجتمع العرب وينفضون دون أن بتابعهم احد، او أن يرجوا منهم احد من العرب العاربة والعرب البائسة أي شيئ. بل أني أكاد أن اجزم أن اغلب الزعماء العرب يذهبون إليها خجلا او جهد بلاء.

او للتواجد واثبات الذات للاخر. وللتدليل على ما ذهبنا إليه فإننا نستذكر احد الزعماء العرب الذين فاجئ الإعلام العربي بتسريب مسودة مقررات القمة العربية في القاهرة قبل سنوات قبل انعقادها.فلسطين محتلة منذ 1948 ولم يصنع العرب لها شيئا لهذه اللحظة سوى الشعارات والخطابات الرنانة، والعراق محتل ولا احد يهتم بشأنه وكان الاحتلال الامريكي للبرازيل وليس لبلد عربي في قلب الامة، والسودان فيه حرب صامته منذ اكثر من ثمان سنوات، ولبنان على ابواب حرب اهلية، ومصر تغرق في فقر مخيف وهي على وشك حرب خبز.

والاردن ينوء تحت خط الفقر العالمي وغزه يأكلون بعضهم من الحصار، والعرب لا يفعلون شيئا ذا بال نحو كل تلك الكوارث. فلا ادري لماذا يجتمعون ايها السادة. من حيث المبدأ هنالك بعض الدول العربية المؤثرة ما زال العرب يراهنون على ان تأخذ بروح المبادرة لقيادة الامة، ولكن الجهد العربي ما زال غير كاف في هذا الاتجاه، واضرب مثالا في العربية السعودية ذات السياسة المتزنة والهادئة والتي يمنحها موقعها الجغرافي والمالي والديني على ان تلعب دورا محوريا في كل مصائب الامة، خصوصا بعد تخلي مصر عن دورها العربي والاقليمي نتيجة لمؤثرات داخلية واقليمية ودولية.

لم يعد العرب اليوم بحاجة الى مزيد من الرغاء الإعلامي المزبد، ولا هم راغبون أيضا في التغطيات الفضائية في الاعلام، فالدول ألمنتجه والفاعلة عربيا تصل افعالها الى العامة قبل اقولها. نريد إن اجتمع العرب في دمشق أن يكون لنا نحن العرب البسطاء شروطا مسبقه. أولها انتخاب رئيس للبنان، ثانيها ارسال اموال الى غزة، ثالثا الطلب من الدول التي تحتضن سفارات اسرائيل تقليل التمثيل الدبلوماسي -على الأقل ولا نقول طرد لان ذلك ليس بأيديهم- ردا على ما يحصل في فلسطين، إنها الوجود العسكري الامريكي في العراق او التوقف عن تقديم التسهيلات اللوجستيه له، التدخل في دارفور وعدم ترك السودان نهبا للأعداء. الابتعاد عن الضجيج الإعلامي للقمة. وأخيرا تقديم تسهيلات للدول المنكوبة كالأردن واليمن والسودان وفلسطين ولبنان وسوريا والجزائر نفطية لتتغلب هذه الدول على نوائب الدهر وسوء الإدارات فيها.ما لم نكن نحن العرب هكذا، ألمنا واحد ومصابنا واحد وفرحنا واحد لن تقوم لنا قائمة وسنبقى نجتمع ونبتسم ضاحكين للكاميرات والعالم يضحك علينا، حمى الله الأمة العربية من كل مكروه مما يخطط لهاد.

منور غياض ال ربعات
محلل سياسي أردني