لم يكن اعلان رئيس جهازالمخابرات العراقية الذي يقع تحت السيطرة الاميركية المباشرة و الكاملة اللواء محمد عبد الله الشهواني، وقبل 72 ساعة من وصول الرئيس الايراني محمد احمدي نجاد الى العراق بان المحابرات الايرانية تتدخل في الشأن العراقي و تخطط لضرب المقاتلين السنة و رجال الصحوة، محض صدفة، او دعابة استخباريه من تللك التي تطلقها اجهزة التجسس الدولية بل هي تعبيرعن موقف معين او لتوجيه رسالة محددة لتحقيق اهداف محددة ايضا، لاسيما وان الشهواني قلما يتحدث للصحافة، واذا ما قام بذ لك فهو لمرة واحدة في السنة، يبدو ان وقتها قد حان مع استقبال العراق رسميا للرئيس الايراني المشاكس دوليا والمتهم بنشر الفوضى و العنف في العراق.
وكان الشهواني اصدر بيانا تضمن الاشارة الى ان لدى جهازه معلومات تؤكد ان الاستخبارات الايرانية قد دفعت عناصرها في العراق لاجهاض تجربة الصحوات quot; وهو ما لم ينفه الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف، مشيرا الى ان quot; الشهواني لا يتحدث عن فراغquot;.
وتعتبر مجالس الصحوات التي تعرف ايضا بquot; اللجان الشعبيةquot; تنظيمات ولدت من رحم مجموعات التمرد المسلح السنية و ضباط الجيش العراقي السابق و اجهزة النظام الامنية المنحلة التي كانت تقاتل الى جنب مسلحي quot; القاعدةquot; ضد القوات الاميركية و العراقية، وانقلبت عليها بعد ان ادركت ان مشروعها يصطدم مع مشروع دولة العراق الاسلامية التي اعلنته جماعة بن لادن، وارادت من خلاله اقامة نظام الخلافة الاسلامية على الطريقة الطالبانية.
ولقد استطاع الجنرال الاميركي المحنك ديفيد بتريوس التقاط هذه الفرصة التأريخية ونجح في استجذاب هؤلاء الاعداء الذين كانوا حتى الامس يقتلون الجنود الاميركيين، مقدما لهم الدعم المالي و المساعدة العسكرية لقتال القاعدة و طردها من البلاد، وسرعان ما تنامت هذه الصحوات بدعم العشائر في الانبار اولا، لتتسع و تمتد لتصبح ظاهرة تشمل جميع مناطق السنة، وارتفع عددها الى اكثر من 130 مجلس، تقيم افضل العلاقات مع الاميركيين وتنسق معهم تحركاتها و عملياتها، وهو ما نتج عنه انحسار كبير لتأثير القاعدة و العنف وكذلك اثارته مخاوف وهواجس قوى الاسلام السياسي الشيعي في الحكومة المدعومة من ايران.
ولقد صدرت تعليقات متناقضة من الطرف الاميركي حول بيان اللواء الشهواني، اذ في الوقت الذي اكد فيه مسؤول عسكري اميركي في تصريح لجريدة quot; الشرق الاوسط quot; اللندنية quot; ان قواتا خاصة مرتبطة بفليق القدس الايراني قد استهدفت ابناء العراق quot;، قلل مسؤول اميركي اخر لراديو quot; سواquot; من اهمية هذه المعلومات.
وتشير التطورات الى ان الاسابيع الاخيرة شهدت نموا و ارتفاعا متصاعدا للهجمات التي تتعرض لها هذه الصحوات و التي كانت اولها و اكبرها الهجوم الذي ادى الى قتل رئيس صحوة الانبار الشيخ عبد الستار ابوريشة العام الماضي، وما تبعه من عمليات استهدفت العديد من القيادات في مختلف المناطق وفي العاصمة بغداد.
وتخشى واشنطن من ان تؤدي موجة الاغتيالات و الهجمات التي تتعرض لها الصحوات الى تهديد ستراتيجية احتواء العنف الطائفي في العراق.
ويلقي المسؤولون العراقيون و الاميركيون على تنظيم القاعدة مسؤولية معظم الهجمات وحالات القتل التي يتعرض لها مقاتلي الصحوة التي وصل عددهم الى 100 الف تقريبا، ويشيرون الى ان لدى القاعدة ستراتيجية ذات حدين تتمثل في توجيه ضربات ضد مقاتلي الصحوات لتخويفهم و معاقبتهم لتعاونهم مع الاميركيين، واختراق مجموعاتهم لجمع المعلومات عن تأريخهم و سجلاتهم الاجرامية بهدف التحريض عليهم ودفع ميليشات الشيعة لقتلهم بهدف الانتقام.
الا ان مراقبين و مطلعين يؤكدون ان هذه الصحوات اصبحت ايضا في مرمى و هدف مجموعات شيعية منشقة عن quot; جيش المهدي quot; و فيلق بدرquot; التابع للمجلس الاعلى الاسلامي الحليف الاقوى لايران في العراق. واعلن مقاتلون في الصحوات عن اعتقالهم لايرانيين و في حوزتهم لوائح تتضمن اسماء اشخاص يراد تصفيتهم وتعليمات بمهاجمة اعضاء و مقاتلين من الصحوات.ونقلت quot; نيويورك تايمزquot; عن الجنرال مارك مكدونالد الذي يعمل مع المتطوعين السنة قوله انهم الصحواتquot;اضحوا هدفا لمجموعات شيعية متطرفةquot;.
وابلغ العضو في صحوة الاعظمية عمر عباس الجريدة quot; ان بدر هي اسوأ تهديد quot; ولكن جيش المهدي يمثل quot; التهديد الاكبرquot; معبرا في الوقت نفسه عن نفوره من رئيس الحكومة نوري المالكيquot;
وتواجه الصحوات تحديات داخلية ناجمة عن طبيعة التيارات المتعددة التي تتشكل منها، والتي تمثل مجموعات متناقضة الايديولوجيات و الاهداف ووسبل التعامل مع الدولة ومؤسساتها وبينها و بين المجموعات و الجماعات الاخرى التي شاءت ان تبقى في مواقعها الرافضة للعملية السياسية و المصرة على مقاتلة quot; الاحتلالquot; حتى اندحاره، اضافة الى اختراقها من اطراف عديدة و ليست القاعدة وحدها.
ولعل احد ابعاد الخلافات كشف عنه ظهور قائد صحوة quot; ابو غريب quot; ثامر التميمي، القيادي السابق في الجيش الاسلامي على فضائية العربية، وتناوله بصراحه علاقة صحوته بالاميركيين، وما يحظى به الجيش الاسلامي من دعمهم، وهو ما اثار امير الجيش المقيم في دمشق امين الجنابي ودفعه الى اصدار بيان يتبرأ فيه من التميمي الذي اتهمه بوضع نفسه تحت تصرف السوريين الذين يريدون ادامة الفوضى في العراق، وما يعكسه ذلك من وجود تيارين متضادين لابد ان يتصادما في وقت ما على الارض بالسلاح.
وتعيش الصحوات فيما يبدو تطورا في وعي قياداتها سياسيا و ستراتيجيا اذ تتجه الى تشكيل تنظيمات سياسية quot; صحوة الانبار مثلاquot; تتأهب للمشاركة في العملية السياسية بشكل شرعي عبر الانتخابات المحلية و من ثم لاحقا النيابية، فلقد اعلن التميمي عن تأسيسه مع قيادات في الجيش الاسلامي كيانا سياسيا جديدا يحمل اسم quot; الحركة الوطنية للاصلاح و التنميةquot;
لقد ادت التطورات السياسية في العراق و تفاعلاتها و المتغيرات التي شهدتها العملية السياسية و التغييرات الجذرية في التشكيلة والتركيبة السياسية بعد حركة الانقسامات و الانشقاقات وما رافقها من تصدعات في البنية التنظمية للمجموعات المسلحة، ابعدت تيارات وجمعت اخرى و قربت بينها وفقا للرؤى و التصورات الفكرية و السياسية لاسيما بين تلك التي بدأت تعي و تدرك اولا انه لا عودة لما كان في الماضي وثانيا ان العنف و السلاح ضد السلطة ليس طريقا للوصول اليها مادامت هناك عملية سياسية سلمية، وثالثا ان الوجود الايراني هو اخطر على البلاد من الاميركي، وان مكافحته اولى بالمعيار السياسي و الوطني،لان الاميركيين يريدون المغادرة عند تحقق الاهداف، فيما الايرانيون البقاء و الهيمنة وفرض شكل النظام و الحكم.
ومن الواضح ان ارهاصات مرحلة سياسية جديدة بدأت تتشكل ليس فقط داخل الطائفة السنية على الرغم من انها الاقوى حتى الان، تنذر بانطلاق مرحلة ما بعد الصحوات، باتجاه مشاريع سياسية و تشكيل احزاب و تنظيمات استعدادا لخوض الانتخابات البلدية و المحلية في اوكتوبر المقبل، وهو ما سيؤدي الى قلب اللوحة السياسية للتمثيل السني مهددا احزاب جبهة التوافق وغيرها بانحسارنفوذها و تاثيرها و حجم تمثيلها في مؤسسات الحكم و في البرلمان لصالح التنظيمات الجديدة التي ستخرج من رحم الصحوات، وهو ما ينقل العراق الى مرحلة جديدة ستتضح معالمها السياسية في المستقبل القريب.
د. محمد خلف
التعليقات