أصبحت القضية مكشوفة، ولا تحتاج إلى جهد لقراءتها. خالد مشعلndash; إذن - هو الذي أشعل فتيل الأحداث الدامية في غزة بهدف خلط أوراق الأزمة السورية التي تمر فيها سوريا مع أوراق القضية الفلسطينية. فلم تكن المفرقعات النارية التي استفزت إسرائيل وجعلتها ترد بكل هذه العنف أمراً مرتجلاً. فقد كانت مدبرة بليل ومدروسة بعناية فائقة، خطط لها السوريون ونفذتها حماس، أما الضحية فكانت غزة، واستقرارها، ودماء أهلها. كل التحليلات ترجّح أن خالد مشعل الموجود الآن في سوريا لم يكن لديه أيّ خيار إلا تنفيذ الأوامر السورية بإشعال الجبهة بين غزة وإسرائيل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ملف التورط السوري في لبنان، وخاصة ملف اغتيال الحريري. رفضه لهذه الأوامر يعني أن مصيره سيكون مصير (مغنية) الذي يقولون أنها اغتالته الأيادي الإسرائيلية (الآثمة)؛ وهذه الأيادي لن يعجزها الوصول إلى خالد مشعل أيضاً؛ فيبدو أن اختراق الحواجز الأمنية السورية من قبل الإسرائيليين أمرٌ في غاية السهولة، خاصة عندما (يتثاءب) عن قصد السوريون. وهذا ما يعيه مشعل جيداً.


لن آتي بجديد إن قلت أن التخبط الذي تشهده سوريا في عهد بشار أصبح على كل لسان. عزلة سوريا، وارتمائها في الأحضان الإيرانية، وظاهرة (التشييع) التي تمر بها دمشق الأمويين من قبل ملالي إيران، هي ظواهر لا يمكن عزلها عن بعضها. يقولون إن سوريا عربية وسنية في الجذور والأعماق، وستبقى كذلك. غير أن ما يشهده المسرح السوري في السنوات الأخيرة من نشاط للمبشرين الإيرانيين الشيعة يهز هذه المقولات. فالسلطة (العلوية) تغض الطرف بشكل واضح وجلي وخطير عن ممارسات العمائم السوداء التي تجول وتصول بكل حرية في أنحاء سوريا. والفقر والجوع الذي يعصف بالمواطن السوري الغلبان يُسهل من مهمة المبشرين الإيرانيين كثيراً فالجوع كافر. ورغم أن القضايا الطائفية، وهوية سوريا العربية، كانت من الثوابت التي لا تمس في عهد الأسد الأب، إلا أن سوريا في عهد الأسد الابن لا تمانع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه بمقايضة أي ثابت، وأي مبدأ، من أجل أن يستمر بشار وعائلته في سدّة السلطة التي يبدو أنه لا يملك المؤهلات الشخصية ولا فريق العمل أيضاً لإدارتها كما ينبغي.


الحشود التي تحركت تتظاهر في أغلب الشوارع العربية تناصر غزة، وتلعن سنسفيل إسرائيل ستكتشف حتماً أن القضية ليست بهذه البساطة، وأن حماس (الإسلامية) حولت غزة إلى كبش فداء من أجل أن يعبر بشار حقل الألغام الذي زرع ألغامه بيديه. قد تخدع الشعوب مرة، وربما مرتين، أما أن تخدعها كل الوقت فهذا ما سوف يكتشفه بشار يوماً ما بكل تأكيد.

صالح الراشد