تستبد ببعض الناس لحظات، يقف فيها أمام بعض الحروف،يخاطبها بعصبية وإزدراء،فقد لا يعجبك الفكر المطروح أو أسلوب الكاتب فى التناول قائلا ً رأيى بالتأكيد هو الصحيح، وماهذا الغثاء الذى يدور من تعليقات وموضوعات تنشر بلا وعى ولا فائدة...الخ؟؟؟
وقد تستبد بك اللحظة أكثر لتعلن رفضك المناقشة، أو إنك تستخف بعقل الكاتب أو المعلق وتقول فى سخرية ما هذه العقول الفارغة وما هذه اللغة الركيكة؟
أو أن ينطق لسانك وتسطر بيدك بما لذ وطاب من السباب فأنت على يقين أنه لا يراك أحد هنا (فى حالة إن كنت من رواد شبكة الإنترنت) ولكن نسيت أو تناسيت من يراك و يرانى ويرى كل الآنام عالم الغيب، القادر فى علاه، الله سبحانه وتعالى،quot;والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصيرquot;.
وقد تتفوه بعبارة جارحة، أو تسطر أصمت يا (..) ولا تكتب هنا مرة آخرى،لملم أقلامك وحروفك الرثة ومحبرتك السامة وإرحل من هنا.
أو قد لا يعجبك أسلوب الكاتب الجرىء فتسطر داخلك عبارة - الكاتب غير محترم وعديم الحياء -،وهنا قد يكون الموضوع لامس منطقة متورمة بداخلك ولا تود لأحد ما أن يتلمسها من بعيد أو قريب، ولو حتى بالكتابة عنها فأنت تخفيها داخلك وتخاف بل تخشى النبش فيها،فتقف لحظة لتقول فى إستياء ما هذا الكلام الغريب على عاداتنا وتقاليدنا؟؟
بينما ما سطره لك َ الكاتب ما هى فى الحقيقة إلا مساعدة منه لتصحيح مسار أو إعوجاج ما فى المجتمع من طفرة مشينة أو ظاهرة ما طفت على السطح وبدأت فى التفشى والكل صامت أمامها ولا يجرؤ أحدا أيا كان من الإقتراب منها والتصوير شأنها فى ذلك شأن المنشآت العسكرية والآسرار الحربية،
أعتقد عزيزى القارىء المعلق الواعى، ما كان يصح منك وأنت الواعى سلوكك هذا تجاه أى كاتب كان، فتلك ألفاظ رثة بالية شأنها شأن الثياب الرثة لا يصح إستخدامها ولا يجوز تداولها مع الآخرين، دع أفكارك ترتدى من الألفاظ أحسنها فى تحاورك مع الآخر ولتستبدلها بعبارات أكثر عذوبة وأدبا ً وتأدباً؟؟
مثلا ً،، لمَ لا تقل للكاتب فى مطلع حديثك أو تعليقك أنك تتفهم وجهة نظره، أو أنك مقدر لمجهوده المبذول فى الكتابة فى هذا الصدد وتشاركه الفكر مع بيانك لنقاط إختلافك معه فى يسر وسهولة ولغة راقية؟،
أنت بذلك تحترم نفسك كإنسان قبل أن تحترم الكاتب، بإستماعك له ولوجهة نظره ومحاورته بالتى هى أحسن،فقد قال الله تعالى فى محكم آياته quot; وجادلهم بالتى هى أحسنquot;
وكما يتقن الرسام لوحته والنحات تمثاله ليخرج عمله الفنى للناس فى أحسن وضع يجب أن يتقن الإنسان أيضا ًحديثه وحواره مع الآخر،وليكن جمالك فى لسانك،
والحوار لا يقتصر على التحاورالأدبى والثقافى وحده ولكنه يمتد أيضا ً ليشمل ما هو أعم وأشمل من ذلك والذى هو (البيت والأسرة) نواة المعلق المتعصب والمصيب الناس بشرر وشرور حروفه القاتلة الحارقة،
فإن أحسن الوالدان الحوار مع بعضهما البعض ومع الآخرين وأيضاً مع الطفل من الصغر وكانا القدوة الحسنة له، لنمت هذه البذرة وترعرعت على أدب الحوار مع الآخر وحسن الإستماع له وأدب الإختلاف معه دون تجريح أو آذى،
فكل ما يحتاجه الطفل الصغير - كمعرفة - أن يفهم بطريقة سلسة أن أدب الحوار يستلزم إمتلاك أذن صاغية تحسن الإستماع، ولسان عذب الكلام، والكلمة الطيبة صدقة، فالحوار ما هو إلا نوع من التفاعل السلوكى الناجح والتبادل المعرفى والتجاوب العاطفى المريح، ومن كل ذلك وأكثر ينشأ الحوار الصحى، على أن يكون النقاش بين الأطراف المعنية بالموضوع من تقديم البرهان لإثبات الحجة وتصحيح الموضوع المعروض دون إساءة أو إبداء الإستياء،ورد الشبهات من القول والفاسد من الرأى فى هدوء،
والإختلاف سنة الكون فلم يخلق الله الكون متماثلا ً إنما مختلفا ألوانه وصفاته..الخ،( ومن آياته خلق السموات والأرض وإختلاف ألسنتكم وآلوانكم )، فما وجد الخلاف والإختلاف إلا لإثراء الفكر ورسالته فى تجديد وتنبيه فكر المجتمع للصالح والطالح.
والإنسان بطبيعته مجادل quot; وكان الإنسان أكثر شىء جدلاً quot;
ميال للجدل فى كل شىء فى الدنيا،وحتى فى الآخرة فالنفس تأتى مجادلة فى حسابها بنفسها عن نفسها، ويكون الجدال بين الروح والجسدquot; يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها quot;
والجدال الهادىء يبرز قوة الشخصية المتحاورة فى طرح وجهات النظر وأيضا وسطية إستيعابها من المتلقى لها بالسلب أو بالإيجاب،
فهناك من ينجح فى طرح فكره بأسلوب يستوعبه القراء على إختلاف ثقافاتهم وهناك من لا يوفقه الله فى ذلك،
ونجاح الإنسان مرتبط بإحترامه للآخرين وإحترام الآخرين له وخلو خطابه معهم من الإزدراء والإستفزاز والسخرية.
وهنا أيضا،، أنوه أنه يجب على الكاتب الإنصات لكل تعقيب والآخذ بالنقد البناء الذى يضيف لخبراته ولا ينقصها والذى يدفعه قدما فى طريق النجاح ولا يؤخره، ولا يغضب لمجرد إختلاف الآخرين معه أو مع وجهة نظره المطروحة، فالأفكار ليست مادة تصب فى قوالب ونغلق عليها، إنما كل فكر مطروح هو قابل للنقاش والتحاور على أساس علمى ومعرفى وبعيدا عن الحوار السلبى والتعصب الأعمى والإثارة وإفتعال العواصف، وعليه ان يتعامل مع المجادل العقيم والذى يتحاور عن جهل ٍ متبعا ً قول الإمام الشافعى رضى الله عنه quot; ما جادلت عالما إلا وغلبته وما جادلنى جاهل إلا غلبنىquot;،.
وكما منحنا القارىء اليسير أو القليل من وقته ليقرأ حروفنا -له أيضاً على الكاتب حق الإستماع - وإن لم يناقش أو يعقب على القارىء - يتبقى عليه أن يستمع وينصت لرأى القارىء، دون ثورة أو إفتعال أو تعدى باللفظ الغير لائق،فهذه ليست بالمعركة ولابد فيها من منتصر ومهزوم بل هى فى المقام الأول محاولة للنهوض بالمجتمع بفكر راق سليم وحوار واع مهذب، ونقاش مثمر مفيد،فنحن لا نملك سوى بعض المعرفة نستكملها من الآخرين،والمرء يظل فى تعلم حتى يتوسد اللحد.
وحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن المكابرة والنقاش فيما ليس لك به علم، ولا تدعى العلم وأنت جعبتك خاوية من العلم ورحم إمرىء عرف قدر نفسه،وإعلم أن العلم منتشر فى الكتب وصفحات الجرائد والمجلات وأنت لن تستطيع تجرعها كاملة، والكمال لله وحده.
وأعتبر نفسك مجرد قطرة فى أرض المعرفة تزيدها وفرة وخصوبة ونماء، وأمض وفى داخلك إقتناع تام بأنك لابد وأن تكون مبددا لعتمة الدروب والعقول بقلمك المنير بالخير والدعوة إلى السلام والمعرفة الجادة، والبعيدة عن الإسفاف والإثارة بكافة أنواعها المبتذلة، ولا تتاجر بحرفك وقلمك فى الدنيا تجارة خاسرة، فلتكن تجارتك مع الله فهى طريقك إلى الخلود والجنة، وإجعل من مدادك واحة تروى ظمأ كل متعطش للمعرفة،وحاول السمو بحرفك وفكرك لتأخذ بيد بعض الحائرين والضالين من مفترق الطرق وترشدهم بنور فكرك إلى دروب الهداية والصلاح،لعلك بذلك تكن سببا فى غرس طيب يثمر الطيب فى أرض طيبة إن شاء الله،فجاهد نفسك فى ذلك وإن جهاد النفس لشىء عظيم.
وهمسة أخيرة أهمسها لكل كاتب أو قارىء على حد سواء، لا تجادل إلا فى الحق وبقول الحق وللحق فهو ضالة كل عاقل مؤمن، او كما قال الإمام على رضى الله عنه quot;إعرفوا الرجال بالحق ولا تعرفوا الحق بالرجال quot;
وفى النهاية كقارىء أو كاتب، أنا لا ألومكما، فما نحن فيه من ضحالة فى ثقافة الحوار والوعى بالآخر ما هو إلا نوع يضاف لقائمة تكتظ بعدد لا بأس به من أبجديات الأشياء التى نجهلها ونجهل كيفية التعامل معها ولا ندع لأنفسنا أو نمنحها فرصة التعلم.
فكروا فى قول الإمام الشافعى رضى الله عنه حين قال : quot; رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصوابquot;،
ويتبقى لى أن أقول إن لم نتفق وإختلفنا ستظل المودة بيننا،الإخوة قوامها.
ولكم تحيتى
نجوى عبد البر
التعليقات