هي الحرب إذن بقضها وقضيضها، بويلها وعويلها وسعيرها، بخرابها وسرابها، بوصاياها وضحاياها، بأكباش فدائها وأمرائها.
هي الحرب الحقيقية الناشبة بين شمسَين: quot;شمسquot; تركيا الهجومية، الإحتلالية، الحاملة للواء quot;حملة الشمسquot;، وشمس quot;قنديلquot; الكردية، الممثلة لquot;الشمس الشعبquot;، بملايينها الكردية الكثيرة، quot;اللاشرعيةquot; تركياً، والخارجة عن quot;تركيا الدستورquot; وتركيا الحقوقquot;، وquot;تركيا الواحدة الموحدة، لشعبٍ واحدٍ، وعلمٍ واحدٍ، ولسانٍ واحدٍ، وزمانٍ واحدٍ، وأتاتورك واحدquot;.
هي الحرب المفتوحة على كل الإحتمالات، منذ إعلان العمال الكردستاني لكفاحه المسلح في 15 أغسطس آب 1984، حين أصرّت تركيا على ما قالته في معاهدة لوزان(1923)، لquot;لاأتراكهاquot;، وأكرادها(أكثر من 15 مليون) على وجه أخص: quot;التركي يساوي العالمquot;، وquot;لا وطن في تركيا، فوق أو خارج أتراكهاquot;، وquot;لا أب لتركيا يعلو على الأب الروحي الأكبر أتاتورك/ أي المعبود التركي الأوحدquot;، وسوى ذلك من المطلقات التركيات، على عواهنها.
هي الحرب الصعبة، بين جبلين صعبَين، عنيدين، متخاصمين: جبل quot;الشمسquot; التركي المتغطرس، المختوم، والمدعوم، هذه المرة، أمريكياً(وربما إسرائيلياً، بحسب المصادر الكردية)، والمسكوت عليه عراقياً، وquot;المتخوف منهquot;، وquot;المتحفظ عليهquot;، والمشكك فيه كردياً عراقياً(قالها رئيس quot;العراق الكرديquot;، مسعود البارزاني حرفياً: نحن نشكك في نوايا الأتراك من وراء هذه الحملة)، وجبل الشمس quot;القنديليquot;، المدشّن والمرفوع، هناك، كردياً، حيث تقيم قواعد quot;كريلاquot; العمال الكردستاني، منذ ما يقارب أكثر من عقدين ونيف من الزمن؛ الجبل الذي قال كلمته وبقى؛ الجبل الذي يقول على الملأ وعلى مسامع كل العالم ومرآه، كلمته: quot;إما حقوق أكرادي أو الموت واقفاًquot;، ويبقى.
عملياً، يحتل هذا العبور المعنوَن بquot;الشمسquot; تركياً، الرقم الخامس بعد العشرين، إلى quot;دولة قنديل الشمسquot;، الكردية.
الهجوم البرّي quot;الشمسيquot; التركي هذا، والمرخّص، والمدجج أمريكياً(استخباراتياً، سياسياً، ومعنوياً، وتكنولوجياً)، وُصف بquot;الهجوم الأوسع نطاقاً، والأكبر، والأخطر، منذ ما يقارب عقدٍ من الزمنquot;، حيث يشارك فيه قرابة عشرة آلاف جندي تركي، مدرّب تدريباً خاصّاً، وفق ما تفيد به المصادر العسكرية التركية.
العراق محتلاً ومسكوتاً عليه
بعض الصحف الغربية الأكبر والأوسع إنتشاراً، وصفت الهجوم التركي بquot;الإحتلال الثانيquot; وتصدرت صفحاتها الأولى عناوين من قبيل: quot;العراق تحت الإحتلال مرةً أخرىquot;.
عربياً، هناك أكثر من سكوت، وعلى أكثر من مستوى، على quot;الشمس التركيةquot; المحتلة للعراق راهناً، وكأنه quot;الإحتلال النزهةquot;، أو quot;الإحتلال الحريرquot;، أوquot;الإحتلال التحريرquot;، أوquot;الإحتلال الجميلquot; الذي ربما سيحمل quot;نور الشمس التركيةquot;، ودفئها إلى شعب العراق، الذي لكأنه خلق كي يموت في جيوب الآخرين، وفتاوى الآخرين، وحروب الآخرين، وعلى حدود الآخرين.
العراق يُحتل، وكأن لا quot;جامعة عربيةquot;، وquot;لا دول تجتمع تحت خيمتهاquot;، ولا quot;بيانات أو مواقف عاجلةquot;، وquot;مؤتمرات طارئةquot;، ولا هم يحزنون.
أما أمينها العام السيد عمر موسى، فهو بات(على ما يبدو) مختصاً، في شئون quot;الكلام الترانزيتquot;، في الإجتماعات quot;الترانزيتية، التي تؤخر ولا تقدم من شأن قضايا ومشاكل الدول العربية العالقة والشائكة، وقبائلها السياسية المتخاصمة(فلسطين+لبنان مثالاً).
لبنان احتُل في حرب ال33 يوماً الإسرائيلية الأخيرة، حينها أقامت الدول العربية وجامعتها، وملحقاتها الدنيا ولم تقعدها، وهذا حق من الحقوق المقدسة، لأية دولة ذات سيادة معترفة بها، في الصكوك والمواثيق الدولية، ولكن السؤال، هو: لماذا يكون(عربياً) ذاك quot;احتلالاًquot; فيما هذا الأخير quot;التركي المقامquot;، والتركي القيام والقعود، quot;دفاعاً تركياً مشروعاًquot;، حسبما جاء على لسان الرئيس السوري quot;الأسد العنترة في أنقرةquot;، بشار الأسد.
في الحرب السادسة الأخيرة(حرب الصيف الساخن 12 يوليو/تموز ـ 14أغسطس/ آب 2006)، quot;المفتوحةquot; دائماً على إسرائيل(كما قالها السيد مؤخراً)، كان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أول quot;المعظّمينquot;، المباركين لquot;حزب اللهquot; وquot;سيدهquot; حسن نصرالله آنذاك، وبدا في تصريحاته quot;الأخويةquot;، quot;التضامنيةquot;، المفصّلة، تفصيلاً quot;عفلقياًquot; مبيناً، quot;نصراوياًquot; أكثر من quot;نصراللهquot;، وquot;عروبياً، قومجياً، وحدوياً، ناصرياًquot; أكثر من جمال عبدالناصر، وquot;خمينياً، مدافعاً، أميناًquot; عن quot;دولة لبنان الشيعيةquot;(ولاية الفقيه)، أكثر من آية الله الخميني(1902ـ1989).
هو تحدث عن quot;لبنان الشقيقquot;، وquot;حزب الله الشقيقquot;، وquot;الشيعة الأشقاءquot;، وquot;ولاية الفقيه الشقيقةquot;(مبطناً)، وquot;المقاومة الشقيقةquot;، وquot;السلاح الشقيقquot;، quot;والدفاع الشقيقquot;، وquot;الشرعية النصراوية الشقيقةquot;، واصفاً إسرائيل بquot;العدو المتغطرسquot;، وquot;الخارج على الشرعية الدوليةquot;، وquot;المنتهك لعرض الدولة اللبنانيةquot;، وسوى ذلك من الكليشيهات quot;العروبويةquot; المعروفة، التي تصدر على مدار الكلام، من الزعامات العربية، التي تركب ليل نهار، قضايا الآخرين(الفلسطينيين واللبنانيين الغلابة بشكلٍ خاص)، تاركين قضاياهم، تُلَعَب بها على موائد الآخرين، في الحانات السياسية، وما أكثرها هذه الأيام، الممتدة من تل أبيب إلى واشنطن، مروراً بطهران ودمشق، وسواها من العواصم المزدوجة.
أما اليوم، حيث الجيش التركي يحتل quot;عراقهquot; ويستبيح أراضيه من خاصرته الشمالية(الكردية)، نرى المالكي المناصر للقضايا العربية الشقيقة، من المحيط إلى الخليج، هناك، ينسى أو يتناسى حاله هنا، في quot;كردستان عراقهquot;، فينقلب الإحتلال في ميزانه السياسي، إلى quot;دخول مشروعquot; لملاحقة quot;أكراد غير شرعيينquot;، أو quot;أكرادٍ إرهابيينquot;، لا محل لهم من الإعراب في المنطق المالكي quot;الشقيقquot;.
فالرجل quot;يتفهمquot;، كما يقول، لهذا quot;العبور التركيquot;، الذي يعلم بتفاصيل قصفه لأكراده في الشمال العراقي، وquot;تدميره للبنى التحتيهquot; لكردستانه.
أما مواقف أكراد كردستان العراقية، فهي على الرغم من التصريحات الكردية المنددة والمستنكرة لهذا quot;الإحتلال التركيquot;(برلمان كردستان+حكومتها+رئيسها الكاك مسعود بارزاني)، إلا أنها تبقى على مستوى الأرض، تصريحات quot;خجولةquot;، لا ترتقِ إلى مستوى الفعل الذي يمكن أن يغيّر من وجه الأحداث، لا سيما وأن الحرب بين الجانبين الكردي(العراقي) والتركي، لم تطال العلاقات الإقتصادية بين الجهتين بعد، حيث حركة المرور على جانبي بوابة الخابور، والتي تعتبر العصب الأساس، في الأخذ والرد الإقتصاديين، بين الطرفين، لا تزال هادئةً وعلى أحسن حالها، كما تشير التقارير.
كردستان الحرجة
الموقف الكردي، على مستوى quot;عراق هوليرquot;، هو موقف يواجه أكثر من حرج، ويقع بين فكي أكثر من كماشة، ويكاد يضيع بين أكثر من سيناريو، وموقف، أو مخطط محسوبٌ له. الموقف الكردي الرسمي، هو موقفٌ حرجٌ ومحرجٌ في آن، حيث:
1.الموقف الشعبي لجماهير كردستان، سواء في العراق أو في أنحاء الأكراد الأخرى. هذه الجماهير العريضة، سواء داخل كردستان العراق أو خارجها، هي تعارض الإحتلال بشدة، جملةً وتفصيلاً. وهي تكون في الغالب، جماهير جاهزة تحت طلب أدنى إشارة من قياداتها، للقيام بالإنتفاضة الشعبية ضد التدخل التركي، في quot;شئونهم الداخليةquot;. شعبياً، فضلاً عن مواقف النخبة الكردية، بات معروفاً، وبديهياً، أنّ quot;حزب العمالquot; ليس أكثر من quot;حجة تركيةquot; جاهزة، يلجأ إليها أمراء الحرب الأتراك القائمين على شئون quot;تركيا العسكريةquot;، ويستخدمونها كquot;قميص عثمان تركيquot;، لquot;تأديبquot; كردستان القائمة، والناشئة في خاصرتهم، كلما اقتضت الحاجة التركية إليه.
2.الموقف الرسمي لquot;عراق بغدادquot; الذي لا يختلف في محتواه عن موقف quot;عراق صدامquot;، واتفاقاته مع الأتراك، التي كانت تقضي بالسماح للجانب التركي بquot;ملاحقة المتمردين الأكرادquot;، في عمق الأراضي العراقية. وهو الموقف الذي يشكل لدى الجانب الكردي العراقي سؤالاً مفصلياً، يكمن في: لماذا يسمح العراق لنفسه بتسجيل مواقف quot;تضامنيةquot; مع عمقه العربي، وهي حلالٌ عليه، فيما ذات التضامن وذات المواقف، حرامٌ أو محرّمةٌ على أكراده تجاه عمقه الكردي، إن شمالاً، أو غرباً، أو شرقاً؟
فكيف لهذا العراق أن يتضامن مع لبنان(ه) ضد إسرائيل، فيما هو ذاته يتحالف أو يسكت على الأتراك ضد أكراده، أو على استباحة الأولين لسيادة الأخيرين، التي هي من سيادته؟
3.الموقف الأمريكي، الداعم بقوة للأتراك، الذي جاء بعكس تصورات القيادات الكردية وتكهناتهم، التي كانت ولا تزال تعتبر تحالفها مع أمريكا quot;المحرّرةquot;، quot;تحالفاً استراتيجياًquot;. الظاهر، هو أن اللاعب الأمريكي انقلب بعكس التصورات الكردية، التي سلّمت كل أوراقها، إلى أمريكا، من quot;المحرّرquot; في بغداد، إلى quot;المحتلquot;(مع تركيا)، في هولير. وهو الأمر الذي يشكل quot;خوفاً إضافياًquot; لدى الفوق الكردي الحاكم في كردستان العراق، والذي يؤدي تالياً، إلى quot;التشكيكquot; بالموقف الأمريكي الراهن حياله. فتشكيك الكاك مسعود بارزاني في quot;النوايا التركيةquot;، هو quot;تشكيك مبطّنquot; في ذات الوقت، لquot;الختم الأمريكيquot;، الذي تمّ بموجبه، الحرب على quot;البنى التحتيةquot; لكردستان، كما قال، رغم التصريحات الأمريكية، ليل نهار، التي تطَمئن الأكراد وكردستانهم، بأن الهدف هو quot;القضاء على العمال الكردستاني، وليس زعزعة استقرار كردستان، وضرب مدنييهاquot;.
في مؤتمره الصحفي(24.02.08)، قال رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، بدوره، مؤكداً على هذا التشكيك بالموقف الأمريكي quot;المتماهيquot; مع الموقف التركي، قائلاً: quot;تركيا تهاجم، أمريكا توافق، والعراق ساكتquot;.
عليه، فإنّ صورة جورج بوش، قد تزحزحت الآن، لدى الأكراد العراقيين، وانقلبت من quot;بوش المحرّر الأكيد/ أبو آزاد، كما كان يُسمى كردياً)، إلى quot;بوش المحتل والمشكك فيهquot;.
4.العامل الإقتصادي، حيث حجم الشراكة الإقتصادية الكبيرة بين كردستان وتركيا(70ـ80% من الإسثمارات الأجنبية في كردستان العراق، هي تركية)، إذ تعتبر هذه الأخيرة بوابتها الوحيدة، والأقرب والأسهل، على العالم، والتي تعتبرquot;عصب الحياةquot; الأساس، بالنسبة لكردستان.
إذن، الموقف الرسمي الكردي، رغم شبه تهديده الواضح اليوم(25.02.08)، وتلويحه بquot;مقاومة شاملةquot; ضد قواتها المتوغلة في شمال العراق إذا وقع quot;اعتداء على أي مواطن في إقليم كردستان أو المناطق المأهولةquot;، إلا أنه يبقى، برأيي، موقفاً ينوس ويتحرك بين أكثر من موقف، وأكثر من تردد، وأكثر من عاصمة قرار، ليبدو موقفاً quot;بلاحول ولاقوةquot;.
هو يبقى في المنتهى، كموقفٍ quot;محتارٍquot;، بين quot;الحليف الأمريكي في واشنطنquot;، وquot;الحليف الحكومي في بغدادquot;، والحليف الإقتصادي في أنقرةquot;، وquot;الحليف الكردي الأساس وشارعه في هوليرquot;.
...للمكتوب صلة
[email protected]
التعليقات