رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي قال في أول quot;طلةquot; له بعد توغل فواته في أراضي اقليم كردستان الجنوبية ( كردستان العراق) بان quot;الجيش التركي سيغادر الأراضي العراقية حال تحقيقه لأهدافه المعلنة والقضاء على مواقع حزب العمال الكردستانيquot;، موضحاً بان quot;التوغل العسكري لايهدف أبداً المواطنين في شمال العراق، لكنه يستهدف فقط اعضاء المنظمة الإرهابيةquot;.

ورغم ان quot;الوعدquot; التركي المزمن بالقضاء على العمال الكردستاني، ذهب أدراج الرياح 24 مرة حتى الآن في حملات عسكرية هائلة، حدثت احداها في 1998 بينما كان أردوغان يقضي عقوبة بالسجن لquot;تهديده النظام العلمانيquot;، الا ان quot;التطورات السياسية في المنطقةquot; وquot;فيدرالية كردستان العراقquot;، وquot;مشروع حزب العدالة والتنميةquot; الرامي للقضاء على الهوية القومية الكردية في تركيا جعل من أردوغان يصرعلى إستصدار قرار الحرب من برلمانه( 17/10/2007) ليشرّعن التوغل البري الحاصل حالياً.

ولايحتاج المرء إلى الكثير من الدهاء والحصافة ليعلم بان هدف تركيا الأول من شن مثيل هذه العملية هو ضرب قواعد العمال الكردستاني ومحاولة إلحاق أكبر الخسائر والاضرار به بغية قمع المطاليب القومية الكردية في كردستان تركيا وتشتيت دعاتها( حزب المجتمع الديمقراطي ونوابه وقاعدته الجماهيرية) وتصدير quot;أكراد أردوغانquot; من الرهيط العميل: رؤساء عشائر واغوات وشيوخ الطرق الدينية الكردية، المرتبطين مصالحياً بحزب العدالة والتنمية واجندته في مناطق كردستان الشمالية( كردستان تركيا).

أما الهدف الثاني فهو التمركز في اقليم كردستان العراق وإقامة قواعد دائمة هناك( على شاكلة قاعدة {بامرني} التي أنشئها الجيش التركي عام 1997) والإقتراب من آبار كركوك لتكون quot;العصا الغليظةquot; مرفوعة في وجه حكومة كردستان ورئيسها مسعود البارزاني، تحديداً.

وتحاول أنقرة حالياً بقيادة أردوغان، الذي سيقول التاريح إنه رجل تركيا الأخطر على الكرد، حشد الدعم الدولي في حملتها العدوانية هذه، وإستحصال نوع من quot;الشرعية الدوليةquot; للتمركز التركي الدائم في كردستان، وذلك كله على ضوء الموقف المتخاذل للحكومة العراقية الرسمية، والتردد وquot;ضبط النفسquot; غير المبرر من جانب حكومة اقليم كردستان، لتبقى القوات التركية في الاقليم إلى حين quot;تنفيذ المهمةquot;. وهذه quot;المهمةquot; قد تشبه تلك التي جاء الجيش التركي ذات يوم لينفذها في قبرص ومازال حتى الآن منشغلاً بأمر تنفيذها!.

والمواقف الدولية كلها الآن في صالح الأتراك. فالعالم لن يتحرك مادام العراقيون راضون بالإحتلال التركي. لن يكلف أحد نفسه بالكلام مادام أردوغان يتصل برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عشية الغزو ويفاوضه على مساحة التوغل ومدة البقاء. لن يكلف أحد نفسه دعوة مجلس الأمن الدولي للإنعقاد الفوري والرئيس العراقي جلال الطالباني يستعد لحزم حقائبه للتوجه إلى أنقرة، بعد أول اتصال هاتفي من نظيره عبدالله غل. وهي الزيارة التي طال أمدها، وتحرّق لها فخامة الرئيس الطالباني كثيراً..

الولايات المتحدة الأميركية تخبر حقيقة الجماعة في المنطقة الخضراء وأربيل ونقاط ضعفهم، لذلك فهي مطمأنة بأنهم لن يشربوا quot;حليب السباعquot; ويهددوا بطرد قواتها من البلاد أو مطالبتها بتحديد جدول للإنسحاب في حال إستمرار الصمت على توغل الجندرمة التركية في الأراضي العراقية. العراق هو آخر شيء يفكر فيه رجاله الآن.

العراق الجديد، الذي طبلنا له كثيراً، أوصاله مقطعة وسيادته منتهكة. نفطه مسروق وquot;فلوسهquot; تٌنهب بالمليارات، وquot;العدد في الليمونquot; كما يقال..

واشنطن لاترى سوى مصالحها. والسياسة الحالية تقول ان تركيا قادرة على الإضطلاع بدور ما بعد رجحان كفة المصالح معها على كفة المصالح مع الأكراد بشكل خاص وكل العراقيين بشكل عام.

وكنا في كتابات سابقة قد حذرنا المسؤولين في كردستان من مغبة الإرتهان للولايات المتحدة وقلنا إنه من الخطأ العظيم وضع كل البيض الكردي في سلة بوش وتشيني والآنسة كوندي، سيما وان الإندحار يلوح في أفق هؤلاء بعد أن أفل نجمهم واندحر مشروع (الشرق الأوسط الكبير) الذي كانوا يهددون به ساعات السكرة. وعلى ذلك، طالبنا بموقف مستقل وقوي وواضح لايفرط بالحق الكردي في ملفات quot;الفيدراليةquot; وquot;كركوكquot; وquot;السيادة الكردستانيةquot; مهما حصل. وذكرّنا قادة كردستان بحادثة هرولة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى الأنبار للقاء الزعيم القبلي المرحوم عبدالستار ابو ريشة لكي quot;ينتخيهquot; ويستنجد برجاله على محاربة تنظيم (القاعدة) بعد ان أصبحت الهزيمة الأميركية قاب قوسين أو ادنى.

وكان أبو ريشة لايملك 10% مما يمكله القادة الكرد من رجال مسلحين مدربين. قلنا ان التنازل يقود للتنازل وأن تركيا لن تسكت على quot;التمدد الكرديquot; في العراق والحديث عن كركوك ومزيد من الصلاحيات الفيدرالية/الإستقلالية. لكن ما حدث ان رجالات الكرد في أربيل والسليمانية إعتقدوا بان مزيداً من العقود التجارية مع أنقرة وجلب بضع مئات من الشركات التركية سيئة السمعة والعمل للإقليم وبعض الكلام المنمق عن quot;الإخوةquot; وquot;الصداقةquot; وإستدعاء الزمن القديم وتذكير الأتراك بquot;التعاون القديمquot; ضد العمال الكردستاني سيحل الوضع. وهو ما لم يحصل. الآن يتحدثون في أنقرة عن رأس البارزاني قبل رأس مراد قره يلان...

الوهن والضعف والتردد وتفضيل نعيم السلطة الناقصة كان وراء النكوص الأميركي وإنتهاء quot;شهر العسل الأميركي ـ الكرديquot; والجرءة التركية الوقحة هذه. والأكثر من ذلك، إن واشنطن بدأت توعز لرجالها في وكالة المخابرات المركزية الأميركية بنشر التقارير عن مواضيع حساسة مثل quot;الفساد في كردستانquot; وquot;ثروات الزعماء الأكرادquot; لمزيد من لوي الذراع والإبتزاز وبث الرعب والخوف في النفس الكردية الحاكمة المطمئنة..

المعارك دائرة على أشدها ساعة كتابة هذه السطور. ومقاتلو الكردستاني قتلوا في اليومين الماضيين 47 جندياً تركياً، جثة 15 منهم مازالت في حوزة المقاتلين الكرد. كما اسقطت صواريخ الكردستاني حوامة تركية من نوعية (كوبرا) اميركية الصنع. والجيش التركي وما ان سمع عن بيان الكردستاني حول مقتل جنوده حتى اعلن رسمياً عن مقتل 5 وجرح عدد آخر وتحدث عن مقتل العشرات من أعضاء الكردستاني. وهو الموقف الذي يذكرنا بحادثة أسر القوات الكردية ل8 جنود اتراك في مواجهات quot;أورمارquot; في 21/10/2007، اصر الجيش التركي على إنكار ذلك، لكنه أضطر للإعتراف بالأمر والقول بquot;أن 8 من جنوده تاهوا في الجبال وانقطعت بهم السبلquot;..!.

العمال الكردستاني لن يٌهزم بعملية برية من شاكلة تلك الحاصلة الآن. كما لم يٌهزم ب 24 عملية برية سابقة. وهو قطعاً سيتقوّى كثيراً وستتضاعف شعبيته بين ملايين الأكراد وفي عموم الشرق الأوسط والعالم. ولعل الإستفتاء الأخير الذي نظمه العدالة والتنمية في بعض اقاليم كردستان تركيا قد بين مدى تراجع شعبية الحزب الحاكم وتقدم حزب المجتمع الديمقراطي، القريب من العمال الكردستاني. هذا فضلاً عن شعبية الكردستاني الصاعدة بين صفوف الأكراد في العراق.

ليلى زانا، البرلمانية الكردبة السابقة والتي سجنت 10 اعوام في السجون التركية هي و3 من زملائها لمجرد نطقهم باللغة الكردية ودعوتهم لquot;إخوة الشعبين الكردي والتركيquot;، قالت اليوم في دياربكر بان الكرد quot;لن يتنازلوا أبداً عن حقوقهم مهما إشتدت الحرب التركية ضدهمquot;. زانا دعت كذلك الرئيس العراقي جلال الطالباني لquot;رفض زيارة أنقرة والجيش التركي يقتل الكرد يومياًquot;.

زانا تطالب بالنضال والمقاومة وهي المرأة والأم التي سٌجنت 10 اعوام بينما البعض يطالبون بالسلامة والنجاة ويشيحون بوجوههم عند مشاهدة جحافل الإحتلال التركي، مع انهم يملكون عشرات الألوف من quot;قوات البيشمركةquot; وquot;الأسايشquot; وquot;الباراستنquot; وquot;الزانياريquot;، وغيرها...

نحن نعلم بان اقليم كردستان يعاني من مشاكل كبيرة وهو مطوق بالأعداء من كل صوب. ونعلم ايضاً بانه، كما هو الآن، ليس نداً لتركيا وجيشها، الجيش الثاني في حلف الناتو. ونحن لانطالب الحكومة في أربيل بامداد مقاتلي الكردستاني بالمال والرجال كما فعل بقية الكرد مع ثورة القائد الكردي الكبير المرحوم الملا مصطفى البارزاني لعشرات السنين، لكننا نطالب حكومة كردستان، وهذا من حقنا، بالدفاع عن سيادة الاقليم والرد على القوات التركية الغازية مهما كان الثمن. نطالبها بالإنسحاب من حكومة المالكي وطرد القنصل الأميركي ـ اذا كان ثمة قنصل في الأساس ـ مالم تضغط واشنطن لإخراج تركيا وإظهار موقف واضح في قضايا quot;كركوكquot; وquot;السيادةquot; وquot;العلاقة مع المركزquot;.

ثمة من يقول من أبناء جلدتنا الكرد بان على العمال الكردستاني مغادرة المناطق الجبلية العليا من كردستان العراق والعودة إلى جبال كردستان الشمالية وكأن العمال الكردستاني غير موجود هناك وفي كل مدن تركيا. أوليس من الأفضل ـ والأوجب ـ أن يطالب هؤلاء حكومتي يغداد وأربيل بطرد جنود الجيش التركي المتمركزين في كل هذه السنوات في قاعدة (بامرني) الكردستانية ـ العراقية؟.

أهالي مناطق quot;آميديةquot; وquot;خاكوركquot; وquot;بامرنيquot; وquot;قاديشهquot; وquot;شلادزهquot; وquot;بيكوفهquot; وquot;كاني ماسهquot;حملوا بنادقهم وخرجوا في وجه القوات التركية الغازية ما أن لمحوا الدبابات التركية تتوغل في مناطقهم وهي تحطم الجسور التي بنوها لربط قراهم وحقولهم ببعضها البعض. أولا تكون قوات البيشمركة بشجاعة هؤلاء وهي المناط بها الدفاع عن كردستان في وجه كل غاصب معتد؟.

طارق حمو
[email protected]