قام الجيش التركي 24 مرة بالتوغل عسكرياً داخل أراضي كُردستان العراق إلى أنه و لحد الآن لم يتمكن من صياغة الوضع العام كما يريد ويشتهي.
وهذه الحملة العسكرية تختلف عن سابقاتها بالكثير فهي لن تلقى المساندة والدعم من قبل الدول الحلفاء. وأهدافها العسكرية غير واضحة المعالم، ونظراً لهذا فقد يتعرض الأتراك لخسائر جمّة وعلى مختلف الصعد. مما سيجعل الأمر أشبه بالمصيدة إلى حد كبير، فإذا تعرض الجيش التركي لأضرار كبيرة سوف تنهار الروح المعنوية لدى الجندي التركي وعندها ستشن القوات المسلحة الكُردية هجمات مؤثرة وخطيرة ضد الأتراك.
طرحت قيادة الجيش التركي أثناء الحوارات التي كانت تجري استعداداً للحملة العسكرية فكرة إنشاء حزام أمني على طول الحدود التركية ndash; العراقية داخل أراضي كُردستان العراق بعمق يتراوح بين (10 - 20) كيلومتربدءً من نهر الخابور ووصولاً إلى الحدود الإيرانية وبمعنى أصح فإنها ndash; أي تركيا ndash; تريد أن تحتل هذه المساحة من أراضي كُردستان العراق. ولكن سيكون من الصعب إعاقة ومنع مقاتلي حزب العمال الكُردستاني من القيام بنشاطاتهم العسكرية داخل تركيا من خلال إقامة مثل هذا الحزام الأمني. ومن جهة أخرى فإن هذا العمل الذي سيستغرق العديد من السنوات سوف يضع تركيا في خانة الدول المحتلة للعراق، الأمر الذي سيؤدي بتركيا إلى مواجهة الكثير من الأزمات الحادة مع العديد من الدول.
كذلك سيؤدي هذا الحزام الأمني الذي سيكون جزءً محتلاً من أراضي كُردستان العراق إلى توحيد كل من كُردستان تركيا وكُردستان العراق جغرافياً، مما سيؤمن عمقاً استراتيجياً وساحة أوسع لحزب العمال الكُردستاني لتنفيذ هجماته.
ومن جهة أخرى فإن الجيش والحكومة وبما يتعلق بالرأي العام وبخصوص الحملة العسكرية قد بالغوا أكثر من اللازم. فإذا لم تحقق هذه الحملة العسكرية النتائج المرجوّة منها وتعرضت بالتالي لأضرار وخسائر كبيرة فسوف يكون من الصعب في تركيا بأن يتحدث أحد ما عن حملة عسكرية أخرى وبهذا الشكل.
وإذا لم يتمكن النظام التركي من تحقيق النجاح عن طريق حملته العسكرية هذه فإنه لن يستطيع مرة أخرى بأن يطرح على الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية مسألة استئصال مقرات حزب العمال الكُردستاني (ب.ك.ك)، لا بل سيصبح الأمر على العكس من ذلك تماماً حيث سيكون لمقرات (الكريلا) وجودها الواضح والمتميز بشكل راسخ وقوي.
ستكون الحملة في إطار محدود وستستهدف الشعب الكُردي في كُردستان العراق، مما سيؤدي إلى إغلاق المعابر الحدودية بين تركيا والعراق وإنهاء التجارة التركية مع العراق. حيث أن تركيا بعملها هذا لن تستطيع ولأمد بعيد بأن ترجع إلى الأسواق العراقية وهذا سيسبب لتركيا أضراراً كبيرة.
كما وسيعاني قطاع السياحة والتصدير الكثير من العجز بعد كل تلك الأضرار، وبالطرف المقابل سيقوم حزب العمال الكُردستاني من جهته باستهداف المناطق السياحية والمنشآت الإقتصادية من خلال القيام بأعمال عسكرية متفرقة.
وكذلك فإن تأثير الحملة العسكرية المنتظرة على الإقتصاد التركي لم يُحسب بعد، حيث أن أقل تحرك عسكري سوف يوجه ضربة كبيرة إلى البورصة والرأسمال الأجنبي. أما إذا استغرقت هذه الحملة وقتاً طويلاً أو أن استمرت إلى أمد غير معروف فإنها ستتسبب في تفاقم مشاكل أغلبية طبقات المجتمع، وستدفع الناس الفقراء والبائسون الذين تعج بهم الشوارع والإزقات في تركيا والذين يرفعون شعار :(خذوا الجيش إلى داخل العراق) إلى الإصابة باليأس والانهيار. وبذلك لن تلقى مواقف الحكومة والجيش مرة أخرى الدعم من الرأي الشعبي في داخل تركيا.
- موقف حكومة إقليم كُردستان
إذا كانت الحملة العسكرية المقرر القيام بها من قبل الجيش التركي قصيرة الأمد، ومحدودة، واستعراضية، فإنه يُحتمل بأن لاتُبدي القوات المُسلحة التابعة لحكومة إقليم كُردستان العراق أي مقاومة عسكرية، وكذلك يُعقل بأن يعملوا على إخلاء شريط حدودي ضيِق داخل أراضيهم.
أما إذا كانت الحملة عبارة عن قصف جوي ولاتلحق الأضرار بالسكان المدنيين، فإن الأمور ستعود إلى مجراها السياسي. حيث ستهدئ العملية السياسية الأوضاع في المنطقة. ولكن إذا كان الهدف من وراء هذه الحملة هو احتلال كركوك فإن الجيش التركي سيواجه من قبل مائتين ألف من قوات البيشمركة الكُردية المدربة والمسلحة بشكل جيد. حتى و إن تمكنت القوات التركية من الوصول إلى كركوك فإنها لن تستطيع الصمود طويلاً هناك، وكذلك لن يكون بإمكانها من أن تنسحب بسهولة.
والجيش التركي لم يختبر ولحد الآن قتال قوات البيشمركة الكُردية، وإن احتلال وإدارة طريق بمسافة ( 450 ) كيلومتراً والسيطرة عليه وتأمين المساعدات اللوجستية من خلاله، ووجود حوالي ( 200 ndash; 300) ألف فوهة بندقية موجهة إلى صدور الجنود الأتراك ليس بالأمر السهل. وقد يكون سهلاً فقط من الناحية النظرية وعلى الأوراق الموجودة فوق طاولة جنرالات الجيش التركي. وأفضل الأمثلة الموجودة حالياً والماثلة أمام الأعين هي تجربة الجيش الأمريكي في العراق.
سيكون من نتائج هذه التحركات العسكرية بأن تتوحد أراضي كُردستان العراق مع كُردستان تركيا وكذلك ستتوحد القوى والحركات القومية في المجتمع الكُردي، وإذا تحولت هذه الحملة العسكرية إلى احتلال عسكري عندئذ ستنشب حرب أهلية في تركيا بين الكُرد والأتراك،وسيعود حزب العمال الكُردستاني إلى تبني شعار :(إقامة دولة كُردستان المستقلة). كما وسيكون للإشتباكات الحاصلة بين قوات البيشمركة والكريلا الكُردية من جهة والقوات التركية من جهة ثانية تأثيرها الفعال على جميع أجزاء كُردستان.
وستنمو بسرعة فائقة وقوة هائلة الروح القتالية لدى الشعب الكُردي في سبيل الدفاع عن الوطن، حيث سيخلق المحتلون الأتراك حسّاً قومياً لدى الكُرد في جميع أنحاء العالم من أجل تأسيس دولتهم المستقلة وسيساعد على ذلك نمو قوة رئاسة البارزاني.
وإذا تحركت قوات حكومة إقليم كُردستان العراق ضد الجنود الأتراك فإن الوضع في المنطقة سيتجه نحو حرب واسعة وغير محدودة، وسيصبح التدخل العسكري التركي بهذا الشكل أساساً لإقامة دولة كُردية مستقلة.
من جهة أخرى فإن وضع التركمان سيزداد سوءً في العراق بشكل عام وفي إقليم كُردستان العراق بشكل خاص. وسيفقدون اعتبارهم القائم حالياً في العراق نتيجة للحملة العسكرية التي سيقوم بها الجيش التركي.
- تأثيرات الحملة العسكرية بالنسبة لحزب العمال الكُردستاني (ب.ك.ك)
نفذ الجيش التركي أكثر من 24 حملة عسكرية ضد قوات حزب العمال الكُردستاني على الحدود الكُردستانية ولكن كما هو واضح فإن نتائج تلك الحملات لم تكن مجدية دائماً. ولذلك فإن موضوع الحملة العسكرية قد عاد الآن ليحتل موقعه على طاولة النقاشات الساخنة الدائرة الآن في عامنا هذا 2007 وذلك بعد الحملة العسكرية الأولى من هذا النوع عام 1983.
وفي الوقت الراهن لم تبق أية مقرات وقواعد ثابتة لحزب العمال الكُردستاني في كُردستان العراق (جنوب كُردستان) بل أن قوات الحزب المذكور هي عبارة عن قوات متنقلة من مكان لآخر.
واستناداً إلى ما تقدم فإن المراقبين العسكريين لايتوقعون نتائج إيجابية في المجال العسكري.
وستكون هذه الحملة بالنسبة لقوات حزب العمال الكُردستاني عاملاً مساعداً في تطوير التدريب العسكري، وإذا تحقق النجاح لحزب العمال الكُردستاني في مواجهته للجيش التركي في هذه الحملة بالذات فإن قوته ستزداد، وسوف ينضم نتيجة لذلك العديد من الشباب إلى صفوف قوات (الكريلا) التابعة للحزب المذكور.
وكذلك ستشكل هذه الحملة بالنسبة لحزب العمال الكُردستاني مخرجاً مناسباً لإجتياز العديد من أزماته ومشاكله الداخلية. وعندما تبدأ الحملة سوف تهاجم قوات حزب العمال الكُردستاني من كُردستان تركيا، ولن يكون في مستطاع النظام التركي بأن يؤمن الدعم الدبلوماسي المناسب من أوروبا، وفي النتيجة ستبقى تركيا وحيدة في حملتها هذه بدون دعم ومساندة دولية.
بالإضافة إلى ذلك فإن العلاقات بين الشعبين الكُردي والتركي سوف تتأزم وسيلحق بها أضرار كبيرة. ومن جهته سيقوم حزب العمال الكُردستاني بالرد على هذه الحملة من خلال تشجيع الشعب للقيام بانتفاضة عارمة في كُردستان تركيا، وتكثيف تحركاته العسكرية، وزيادة نشاطاته المسلحة في المناطق الجبلية، والبدء بتفجير القنابل والألغام في داخل المدن التركية.
وكذلك ستتحرك الجالية الكُردية في المهجر وبشكل خاص في المراكز والمدن الأوروبية رداً على ما ستؤول إليه الأوضاع نتيجة للحملة العسكرية التي سيقوم بها الجيش التركي.
- الموقف الأمريكي
إن الحكومة الأمريكية لن تعطي الضوء الأخضر للجيش التركي للقيام بحملته العسكرية، وإن حصل ووافقت الولايات المتحدة الأمريكية على الطلب التركي فإن تلك الموافقة ستكون مشروطة وذلك بأن يكون التدخل العسكري التركي محدوداً وقصير الأمد.
فإذا تجاوز الجيش التركي هذا الإطار المحدود فإنه سيخلق مشاكل كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية. وإذا حصل هذا فإن أمريكا لن ترد على الخروقات العسكرية التركية بمواجهة عسكرية مباشرة، بل ستعمل على تقديم الأسلحة والتكنولوجيا والمعلومات الإستخباراتية للحكومة الكُردية.
ومن جهة أخرى فإن الدبلوماسية الأمريكية ستكثف من تحركاتها الدولية ضد النظام التركي، وهكذا سوف تظهر تركيا على المسرح السياسي الدولي كقوة إحتلال.
ولإنهاء الإحتلال التركي فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بتضييق الخناق إقتصادياً على تركيا، وستقوم كذلك بتفعيل الأزمات السياسية العالقة في داخل تركيا. وهذا الأمر سيؤدي إلى إنهاء التعاون الإستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك إعتقاد سائد في الأوساط الكُردية بأن أمريكا حتى وإن أرادت فإنها لن تستطيع أن تخون الشعب الكُردي في كُردستان العراق. لأنه حتى وإن كان لدى الأمريكيين نية من هذا القبيل فإن هذا الأمر سيتسبب في إنهاء السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وأمريكا لم تأت إلى المنطقة من أجل تسليم العراق المليء بالثروات إلى تركيا المليتارية.
- الموقف الأوروبي
إن مبادئ السياسة المركزية للإتحاد الأوروبي وجميع الدول المنضوية تحت لواء الإتحاد تقتضي بمعاداة اي حملة عسكرية مهما كان أسبابها وذلك بشكل معلن وصريح. واستناداً إلى الواقع السياسي الأوروبي فإنه هناك سياسيون أوروبيون من أمثال (ساركوزي) الرئيس الفرنسي، و (ميركل) المستشارة الألمانية ينتظرون ارتكاب مثل هذه الأخطاء من أجل إغلاق أبواب أوروبا في وجه الدولة التركية.
وإذا استمرت تركيا في حملتها العسكرية وطال بها الأمد فإنها ndash; أي تركيا ndash; ستبتعد كل البعد عن كل أهداف ومبادئ الإتحاد الأوروبي.
وكما ذكرنا فإنه هناك قيادات في القارة الأوروبية من أمثال (ساركوزي) و (ميركل) يبحثون عن الحجج والذرائع المقنعة لسد الطريق أمام عضوية تركيا في الأوروبي.
وفي حال ابتعاد تركيا عن القارة الأوروبية فإنها ستضطر للرجوع مرة أخرى إلى داخل منطقة الشرق الأوسط، وبذلك سيتغير المظهر السياسي لتركيا حيث ستلجأ إلى عرض نفسها كديكتاتورية عسكرية قائمة بحد ذاتها في المنطقة.
كما وسيتحرك اللوبي الكُردي والأرمني معاً في الساحة السياسية الأوروبية، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق عوائق وصعوبات للعديد من المصالح التركية ومن جميع النواحي السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والدبلوماسية.
مما سيؤدي لإظهار صورة النظام العسكرتاري التركي بشكل أكثر قبحاً وبشاعةً، خاصةً بما يتعلق بمجازر الأرمن وكذلك بما يخص مسألة احتلال قبرص.
إن أوروبا بشكل عام هي قلقة وغير مرتاحة إزاء التصريحات التركية الأخيرة والتي اتهم المسؤولون الأتراك من خلالها الدول الأوروبية بمساعدة ودعم حزب العمال الكُردستاني.
وحملة عسكرية من هذا النوع ستوسع دائرة تضامن الرأي العام الأوروبي مع قضية الشعب الكُردي. وإذا فقدت أوروبا علاقاتها الحالية القائمة مع القارة الأوروبية، فإنه يمكن للموقف الأوروبي بأن يتغير وكذلك يمكن له أن يتجه نحو المرونة فيما يخص نشاطات حزب العمال الكُردستاني، وإذا حدث هذا الأمر فإنه سيقتضي إخراج اسم حزب العمال الكُردستاني من لائحة المنظمات الإرهابية.
- مواقف الأطراف العربية
كلما أراد الجيش التركي بأن يتوغل أكثر فأكثر في أراضي كُردستان العراق فإنه يسعى بالمقابل لتأمين المساعدة والدعم من قبل الأوساط العراقية. ولكن كما يظهر حالياً على الساحة السياسية العراقية فإن العرب الشيعة وأغلبية الأطراف العربية الأخرى تقف ضد التدخل التركي، وسوف يتعرض الجيش التركي ونتيجة لهذه المواقف لأضرار وخسائر كبيرة في الحرب الأهلية العراقية.
إن النظام في بغداد هو أيضاً يقف ضد التدخل العسكري التركي، فإذا قام الجيش التركي بالتدخل عسكرياً، وطالت فترة بقائه في العراق، وإن حاول احتلال مدن مثل كركوك فإن الحكومة العراقية واستناداً إلى الموقف الكُردي والأمريكي ستعلن الحرب ضد تركيا.
اما إذا لم تتخذ الحكومة العراقية موقفاً ضد التدخل التركي، وإن لم تقم بمساعدة الكُرد فإنها ستفقد كل ما هو قائم من علاقات بينها وبين الشعب الكُردي.
وهناك أطراف شيعية مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وآخرون سيعملون ضد تركيا إن حدث الأمر وتدخل الجيش التركي، وحتى أن تيار الصدر سيتدخل ليقف في وجه الجنود الأتراك إن توغل الجيش التركي في أراضي العراق. كما ويحتمل أن تقوم منظمات القاعدة الإرهابية بأعمال ونشاطات انتحارية ضد الجنود الأتراك.
يقول مارك بارس في هذا الصدد :( إن أي قوة عسكرية عندما تريد أن تتدخل عسكرياً في أراضي دولة أخرى فإنها ستصطدم بنتائج غير متوقعة...).
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو كالتالي:- هل الجنرالات الأتراك متعقلون إلى تلك الدرجة التي تخولهم لتحليل ومعرفة كل هذه الأمور؟.
فيصل داغلي
* طالب في قسم اللغة العربية ndash; جامعة السليمانية ndash; إقليم كُردستان العراق
الترجمة عن الكُردية: محمد محمود بشار
التعليقات