تواتر التقارير الخبرية المتسربة من ترکيا حول تفاقم الوضع الصحي للزعيم الکوردي عبدالله أوجلان في معتقله بإيمرالي، ترسم في الآفاق أکثر من أشارة على أکثر من صعيد. وتفيد أحدث التقارير الواردة إن الوضع الصحي للسيد أوجلان يسير وفق سياق مقلق وإن أمله بالحياة قد لا يکون کثيرا. ترکيا التي رسمت في مخيلتها الکثير من الاحلام الوردية عندما إستطاعت أن تقتاد السيد أوجلان الى سجونها عبر خطة مخابراتية دولية محکمة إشترکت فيها مع الموساد و ال(CIA)، تيقنت الان وبکل جلاء إنها قد بالغت کثيرا في أحلامها تلک حتى إن العديد من المحللين السياسيين يرون أن أوجلان لو کان خارج القبضة الترکية لکانت الامور تسير وفق سياق أفضل من الذي يجري الان. وفيما يرى البعض من المراقبين السياسيين الاتراک أن إعتقال الزعيم الکوردي أوجلان قد کانت بمثابة نقطة تحول نوعية لصالح حزب العمال الکوردستاني من حيث حدوث إنعطافة غير مألوفة في نضال هذا الحزب، فإن البعض الاخر منهم يرى بإن الإبقاء على حياته في المعتقل لفترة أخرى هو أمر في غير صالح السياسة الترکية إطلاقا، إلا أن ثمة آخرون يرون أن ذلک سوف يزيد من شعبيته أکثر فأکثر داخل الاوساط الکوردية في کوردستان الشمالية و إن quot;إنهاءquot;حياته أو حتى مجرد وفاته في المعتقل قد لايکون أمرا مفيدا لحکومة العدالة و التنمية بل وقد تکون الشرارة التي تثير ألسنة اللهب في وجه جنرالات أنقرة. ولعل بروز حرکة جماهيرية واسعة في مختلف مدن کوردستان الشمالية على خلفية أنباء تتحدث عن تدهور صحة الزعيم الکوردي، تدفع جنرالات و ساسة ترکيا الى المزيد من القلق خصوصا وإن التوقعات و التحليلات کلها تصب في خانة واحدة وهي أن موت أوجلان سوف يجعل منه رمزا وطنيا و قوميا خالدا و فعالا على الساحة الکوردستانية وهذا أمر لاترغب في أنقرة و لا تحبذ حدوثه بالمرة. غير أن تلک الصفاقة الترکية الموغلة في التعجرف و الغطرسة في بداية إعتقالها لأوجلان وإستهانتها بشخصيته و إستخفافها بتداعيات إعتقاله على الاوساط الکوردية المختلفة، کل ذلک أدى الى تنامي حالة من الغليان الشعبي بين مختلف شرائح الشعب الکوردستاني وتمخض ذلک عن حالة من الإلتفاف غير العادي حول شخص الزعيم الکوردي وهو في معتقله. وعلى الرغم من أن أنقرة قد سعت وعبر قنوات مختلفة لکي تلعب بالورقة الکوردية في الداخل على أمل أن تسحب البساط من تحت أقدام حزب العمال الکوردستاني، بيد أن الرياح لم تجري کما کانت تشتهي ترکيا. ولامراء من أن الساسة الترک وعلى إختلاف إتجاهاتهم حاولوا وبکل ماأوتوا من جهد کي يجروا عملية إجهاضquot;قيصريةquot; لحزب العمال الکوردستاني بعد ظنهم أن هذا الحزب قد إنتهى أمره بإعتقال قائده، لکنهم وجدوا أنفسهم في دوامة أصابتهم و تصيبهم بالدوار المستمر، ذلک أن عملية الإجهاض تلک کانت بحد ذاتها قراءة ترکية غير ذکية لمدى فاعلية و تأثير أوجلان السحري في الشعب الکوردستاني وإن محاولة تحجيم طود شامخ کأوجلان بإصطناع بدائل هزيلة له هي في الواقع مجرد فقاعات في الساحة الکوردستانية، وهي مسألة سوف لاتقود في نهاية المطاف الى الإتجاه الذي ترغب فيه ترکيا وإنما سوف تنتهي الى مفترق طرق ليس فيها حتى طريق واحد في صالح الجنرالات. ترکيا التي راهنت على إعتقالها لأوجلان، هي الان في وضع يجعلها تشعر بالقلق حين تجد العديد من المحللين و المراقبين السياسيين يراهنون على التأثيرات السلبية لموت أوجلان على الساحة السياسية في ترکيا. والواقع أن ترکيا التي سعت عبر إعتقالها لأوجلان أن تخفت من سحر بريقه الوهاج في أعين مريديه، قد وسعت من دائرة التأثير السحري للزعيم الکوردي فهو يبدو الان في معتقله کأسد في عرينه مثلما يصوره العديد من أنصاره وهو أمر تعلمه الاجهزة الامنية الترکية قبل غيرها، بل وأن البعض من المحللين الغربيين يذهبون أبعد من ذلک حين يجزمون بأن موت الزعيم الکوردي في معتقله سوف يجعل منه أسطورة خالدة في مخيلة الشعب الکوردستاني، أسطورة من السهولة أن تغدو مثلا أعلى للجيل الکوردستاني الصاعد فتخلق ترکيا بذلک آتونا غير مأمون العواقب لمستقبل ترکيا السياسي. کما إن فشل ترکيا الذريع في إحتواء حزب العمال الکوردستاني أو التقليل من فاعليته، هو الاخر بمثابة کابوس مفزع آخر للحکومة الترکية ولاسيما وأن هذا الحزب يمتلک باع طويل في تعبئة الجماهير وليس بإمکان أي حزب کوردستاني آخر أن يضاهيه في هذا المجال، وإن القدر لو لم يمهل السيد أوجلان کي يعيش فترة أطول، فسوف يکون بإمکان هذا الحزب أن يوظف هذا الامر التراجيدي لصالح الشعب الکوردستاني، وبإمکانه إدافة قضية موت أوجلان بسهولة في أوراقه المبدأية فيغدو هذا الحزب نموذجا حيا لأفکار و مبادئ هذا الرجل الذي أقض مضجع ترکيا في حريته کما أصبح کابوسا و صداعا مزمنا لها وهو في معتقلاتها. وتتجلى جدية هذه المسألة حين نجد الارضية مهيأة أساسا لحزب العمال الکوردستاني کي يلعب واحدة من أقوى لعبه المصيرية مع جنرالات أنقرة. مشکلة أنقرة هذه المرة، إن تلک الاسباب التي توفرت و تزامنت في آن واحد لحث أطراف دولية محددة لدفع أوجلان الى معتقلاتها، هي غير تلک الاسباب و المبررات الحالية التي أفرزتها الساحة الدولية بعد تسارع الاحداث و حدوث تداعيات إستثنائية تستدعي من الغرب وأمريکا على وجه الخصوص، أن تنظر بمزيد من التأني للورقة الکوردية وأن تفکر ألف مرة قبل أن تلقي بکراتها في السلة الترکية التي يبدو أن ثقوبها باتت أوسع من أن تحتفظ بکرات عديدة في داخلها!

نزار جاف
[email protected]