اقرار الرئيس بوش بأرسال 20 الف جنديا أضافيا الى بغداد وأستمرار الأدارة الامريكية في أعتماد منطق القوة في معالجة القضايا في العراق قد خلقت بالتأكيد هواجس متجددة لدى أنقرة ولاسيما مع أقتراب وقت التنفيذ لمادة 140 الدستورية حول مدينة كركوك المتنازعة عليها. ومما لاشك فيه أن تركيا من خلال أنشغال العالم ودول المنطقة بالحرب الدائرة بين جماعات فتح الأسلام والجيش اللبناني تحاول أن تستغل الحدث و تثير هي أيضا من جانبها ملف مقاتلي العمال الكردستاني على الحدود المتاخية مع أقليم كردستان في العراق مثل تهديداتها السابقة أثناء أندلاع الحرب الأخيرة بين أسرائيل وحزب الله. وفي ذات الوقت حذر رئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني في مؤتمر مشترك عقده مع الرئيس العراقي جلال الطلباني عنquot; أن أجتياز الحدود الدولية من قبل تركيا ستعد خرقا فاضحا لسيادة العراقquot;.


والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستقدم تركيا على تدخل عسكري في شمال العراق بموافقة أمريكية لكن بمعارضة الأكراد والشيعة وحركة المقاومة العراقية السنية المسلحة؟
مما لاشك فيه أن هناك الكثيرين داخل أروقة الدولة التركية ممن يشجعون على القيام بهذه المغامرة لكنهم يدركون في نفس الوقت بأن البدء بالمغامرة العسكرية في العراق سهل ولكن أنتهاءها غير مضمون العواقب. وتذكر بعض الأصوات التركية مشجعي هذه المغامرة بسابقتين الأولي في عهد الرئيس التركي الراحل كمال أتاتورك عندما لم يرضخ لضغوط الداخل لأحتلال ولاية الموصل حينذاك.والسابقة الأخرى عندما رفض رئيس هيئة الأركان التركية دعوات صديق الرئيس العراقي جلال الطلباني الحميم رئيس الجمهورية حينها اوزال لدخول شمال العراق واحتلال كركوك.

اليوم يحذر معظم المراقبين داخل تركيا من التورط في الفخ العراقي، لأن ذلك سينعكس سلبا على وضع تركيا في مفاوضاته حول العضوية مع الاتحاد الاوربي، بالرغم ان أوردغان صرح في نهاية عام 2006 quot;بأن الوضع في العراق يشكل في هذه المرحلة بالنسبة لتركيا أولوية على الأتحاد الاوربيquot;،اضافة الى أن عدوى الفدرالية من شمال العراق ستمتد الى جنوب شرق تركيا حيث الأغلبية الكردية في تركيا تتمركز هناك. ويتوقع المراقبون أيضا بأن يتلقى الأقتصاد التركي ضربة قاتلة،ولأن ذلك سيوجه ضربة قوية الى الاصلاحات السياسية والاقتصادية وبالتالي نهاية كل الرهانات لحزب العدالة التركي بقيادة أوردوغان والتنمية والازدهار في الداخل والخارج أي ان ذلك سيكون الانتحار بعينه وهوما لايمكن أن يفكر به او يستدرج اليه حزب مثل العدالة الذي قاد كل هذ النضالات والمعارك من اجل الاصلاح في تركيا.

وهذه ليست أول مرة عندما تصطدم سياسات الجديدة لتركيا بقيادة حزب العدالة في العراق أو الشرق الأوسط عموما بحواجز معينة لكل من الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل.

وتحاول تركيا جاهدا أن توظف علاقاتها مع القوى غير المتالفة في المنطقة مع سياسة الولايات المتحدة مثل أيران وسوريا وحركة حماس في السلطة الفلسطينية وحتى مع حزب الله في حركة المقاومة اللبنانية من أجل القيام بادوار معينة. وتسعى تركيا أيضا الى أقناع واشنطن بضرورة حل المشكلات في المنطقة. لكن تواصل تركيا مع هذه القوى لم يؤد الى نتائج ملموسة وعملية بسبب معارضة الصقور في الأدارة الامريكية وأسرائيل على تلك السياسة. لذا بدا على سبيل المثال الغضب الامريكي والاسرائيلي واضحا عندما أستقبلت أنقرة وفد من حركة حماس بقيادة خالد مشعل في شباط 2006 أضافة الى الرغبة الامريكية الملحة بعدم التواصل التركي مع دمشق.


فمثلما رأينا فأن التحرك التركي يتمتع بهامش واسع من المناورة الى الحد الذي لايتضارب جذريا مع السياسات الاميركية في الشرق الأوسط وعلى أساسه أن وجدت الولايات المتحدة أن لتركيا مصلحة للمشاركة في القيام بأي دور فل لايتردد تركيا في القبول بهذا الدور أذا اقتضت الضرورة. ولكن أية محاولات للتدخل العسكري في العراق من دون ضوء أخضر أمريكي يعني ذلك الصدام مع القوات الامريكية. فتركيا نجحت الى حد كبير في أستراتيجيته الجديدة في المنطقة فتحسنت العلاقات مع أيران وبصورة أكبر مع سوريا فالمطلوب أن يحسنوا علاقاتهم ايضا مع العراق وان يخلقوا مناخا من التفاؤل بأمكانية الخروج من الملف الحدودي الأمني بالرغم من أستياءهم من النتائج المرجوة من التنسيق الامريكي بشأن ملف مقاتلي الحزب العمال الكردستاني.


التلويح بالتأكيد بأستخدام القوة من جانب أنقرة ستجعل من العلاقات التركية العراقية أن تسير في طريق اللاعودة والأفضل أن تفاوض انقره البارزاني وخاصة بعدما كشف الرئيس العراقي في مؤتمره المشترك مع البارزاني عن فكرة تشكيل لجنة ثلاثية متكونة من تركيا والولايات المتحدة والعراق لحل هذا الملف وهذه الدعوة بلا شك سيوفر بطبيعته مناخا مؤاتيا لتفعيل الدور التركي في هذه القضية بالغة التعقيد، ولكن يبقى أن المبدأ سيظل قائما وهو أن البارزاني سوف لن يدخل بمفاوضات حول ملف حزب العمال الكردستاني أذا تمه ربطه بمشروطيات تعجيزية تنتقص من مبدأ سيادة العراق. لأن المطلوب هو مفاوضات سياسية غير مألوفة وغير مشروطة من أجل أيجاد حل سلمي للقضية، ومن أجل أيجاد أرضية في فترة مقبلة تكون بمثابة منعطف حاسم مثل أشار أيضا أوردغان لذلك في نهاية عام 2006 في تاريخ المنطقة. المطلوب أذن هو التحول بمقدار180 درجة عبر التخلي عن أتباع اسلوب الحل المسلح و وتلويح بالقوة التي لم تجلب لنا غير الدمار والحروب. وأخيرا على أنقره أن تدرك بأن البارزاني سيبقى دائما الشريك الحيوي والأهم لتركيا والولايات المتحدة في اي حوار تركي مستقبلي مع حزب العمال الكردستاني من اجل معالجة القضية الكردية في تركيا.

راوند رسول

[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف