تناقلت وسائل الاعلام في الايام الاخيرة تصريحات واخبار لمحاولة انقلاب عربي في العراق تعيد الامور الى quot; نصابها البائس quot; الذي كان قبل نيسان 2003. وحقيقة الامر هذه الاخبار لم تكن مفاجأة لغالبية العراقيين الذين يسجلون الكثير من الملاحظات السلبية quot; والدموية quot; على الموقف العربي في عراق اليوم. لكن الابرز كان تناول هذه الامور من خلال المسؤولين العراقيين وبشكل صريح وتحذيرات قوية وواضحة لالبس فيها ابتدآ من رئيس الجمهورية الرئيس الطلباني وحتى رئيس الوزراء المالكي، اضافة الى أخرين. مايميز هذا الموقف الجديد هو نقل المواجهة من تحت الطاولة الى سطحها وبشكل علني، خاصة بعد أن توضحت الكثير من الحقائق حول هذه الالتفافات العربية السلبية في العراق. وهنا يضيف العرب مواقف سلبية صارخة الى مواقفهم السابقة اتجاه العراقيين وهم يدفعون الامور باتجاه الخراب والدمار لهذا البلد الذي كتب عليه الموت والقتل وقلة الراحة والامان ومنذ عقود طويلة وكانت بعض الاطراف العربية شريك اساسي وفعال في صنع الموت والدمار العراقي في السابق من خلال دعم عبث ومجازفات صدام. وايضآ من خلال الدعم المادي وحتى اللوجستي بل والسياسي لكثير من الاطراف الارهابية في عراق اليوم. تظن واهمة َ هذه الاطراف العربية أن بامكانها اعادة الامور في العراق الى الوراء. وهذه في حقيقة الامر قراءة متواضعة جدا وفقيرة لواقع الشارع العراقي القديم الجديد على حد سواء. وهي ايضآ حافز عربي اضافي لابتعاد العراقيين حتى المعتدلين منهم عن محيطهم العربي الي تتسم مواقفه بالطائفية المقيته ضد غالبية الشعب العراقي، ومن جانب اخر بعض هذه الاطراف العربية تقف بالضد من التجربة العراقية الجديدة فقط لان سمتها الاساسية هي صناديق الانتخابات والديمقراطية quot; وعدم توريث الحكم quot; او النوم على مقعد الحكم حتى يكون الموت هو الفاصل الحكم !! على الطريقة العربية المفضوحة.
أن للعرب في العراق تجربة دموية سابقة. عندما وقفت بكل قوة معظم هذه الدول العربية ضد تجربة الزعيم الوطني الراحل عبد الكريم قاسم quot; مؤسس الجمهورية العراقية quot; منذ عام 1958 وحتى تاريخ سقوط هذه التجربة الوطنية الرائعة عام 1963. فكانت الاسلحة quot; القومجية quot; تهرب من عبد الناصر الى الموصل عن طريق شمال العراق بل وصل الامر الى تهريب اذاعات محلية الى الموصل لغرض محاربة هذا النظام الوطني العراقي. اضافة الى حملة أعلامية كبرى كانت تشارك فيها الدول العظمى و معظم الدول العربية. حيث كانت ساعات طويلة من البث الاذاعي والتلفزيوني أضافة الى الصحف والمجلات والمنشورات تحرض على أسقاط هذا النظام الوطني. وفعلا تم قتل هذا البطل الوطني بطريقة بشعه وبدون محاكمة او ادنى فرصة للدفاع عن نفسه. وعلى أيدي من دعمهم الغرب والعرب على حد سواء معلنيين بذلك وصول القاطرة quot; البعثية quot; الاولى على سكة الولايات المتحدة الامريكية والغرب، وايضآ من جانب اخر كان موقف مكمل للطائفية العربية التاريخية في العراق. مع معلومة بسيطة أن الزعيم الوطني قاسم كان من الطائفة السنية. لكنه لم يكن طائفيآ وكان يحب العراق والعراقيين دون تميز طائفي او مذهبي او عرقي. وهذه ميزته الكبرى التي تفرد فيها على كل حكام العراق الاخرين من الطائفة السنية والذين حكموا العراق طيلة قرون طويلة وايضآ خلال تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل حوالي ثمانية عقود quot; وبدون اي وجه حق او استحقاق قانوني او ديمقراطي quot; !! حيث ينتمي جميع هولاء الحكام الى الأقلية العربية السنية في العراق والتي تمثل حوالي 18% من تعداد سكان العراق. ومع ذلك وقفت كل الجماهير في الجنوب والوسط العراقي والعاصمة بغداد الى جانب هذا الزعيم الوطني.
ويكفي للمراقب المنصف نظرة بسيطة ومحايدة للوضع العراقي ليرى حجم الكارثة التي ساهم العرب بجدارة وحيوية بصنعها في العراق منذ تاريخ اغتيال تلك التجربة الوطنية عام 1963 وحتى يوم سقوط نظام الصنم 2003. لكن يبدو ان هذه التجربة المريرة على العراقيين لم تكن تكفي لبعض الاطراف العربية، فعادوت هذه المرة نشاطها تحت مسميات عدة ووجوه مختلفة لاسقاط وفشل التجربة العراقية الجديدة. فبدلا ان يصل المدد والدعم الاقتصادي والمادي العربي للعراقيين. وصل هذه المرة الارهابين والاحزمة الناسفة والسيارات والبهائم المفخخة العربية في شوارع بغداد وفي مراكزهم ومراقدهم المقدسة.
أن العرب لايفهمون ولايستوعبون بان عراقآ جديدآ ولد بعد نيسان عام 2003. وهو تحول تاريخي ايجابي بكل معنى للكلمة، بغض النظر عن السلبيات الكثيرة التي تحيط بهذه التجربة، لان التحديات الارهابية ايضآ كبيرة وأرث التاريخ العراقي وأرث نظام الصنم ايضآ سلبي و كبير، اضافة وبصراحة اكبر لوجود الاشخاص الغير مناسبين في بعض مفاصل القرار والواجهة السياسية في عراق اليوم وحتى في المعارضة السياسية. لكن كل ذلك لايبخس حق هذه التجربة الديمقراطية والمتفردة في التاريخ العراقي. وسياتي ذلك اليوم الذي تكون كل الامور في نصابها الحقيقي في عراق مزدهر وقوي وديمقراطي وفيدرالي.
واذا أصر العرب على موقفهم هذا السلبي الطائفي و الواهم فسيكونون هم الخاسر الاكبر في العراق الجديد. لان كل مليارات الدنيا لن تعيد عقارب الساعة الى الوراء في عراق صفته الرئيسية نتائج صناديق الانتخابات هي الحكم. والاحرى والاجدى للعرب ان يدفعوا هذه المليارات كتعويضات للعراقيين على موقفهم التاريخي السلبي والمشارك بكل كوارث العراق. وعلى العرب العمل بنفس المسافة مع كل العراقيين وبشكل واضح وهذا سيكون الضمان الكبير لبقاء العراق في محيطه وبيئته العربية. بعيدا عن الاطراف الاقليمة الاخرى المحيطة به والتي تستغل ضعف وتخبط الدور العربي. لأن الدور العربي الحالي هو مساهمة فعالة في دفع العراق الى الجهة الاخرى. وهذه هي الكارثة الحقيقية.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات