في البدء يجب ان نعترف بان هناك تفكك فعلي بين المسلمين يصل احيانا الى حد اراقة الدماء، فالحقيقة مرة للغاية وان الحالة التي نعيشها اطمعت القوى الشريرة بنا فعملت على النفاذ من ثغرة الخلافات المذهبية التي تعتبر اخطر عامل كونه محاطا بالقداسة الزائفة من كل جانب، ففككت عرى هذه الامة وابتلتها بصنوف من المشاكل. ومواجهة العدو لا يمكن ان يتم بدون توحيد الصف الاسلامي اولا، وهو امر يشكل تحديا كبيرا للمخلصين من ابناء الامة، لا سيما ان الخلافات ليست وليدة اللحظة ولكنها موروثات قديمة جدا، أصر البعض على اذكاء نيرانها على مدار السنة.


ان توحيد الامة واجب لا ينوء بحمله جهة دون جهة او دولة دون اخرى، فالمسئولية جماعية وعلى الجميع تحمل جزء منها، واذا كانت الوحدة الاسلامية الشاملة امرا مستحيلا فليكن التقريب والتعايش على الاقل لمواجهة المخططات العدوانية للاعداء الذين يستخدمون الماضي بغية السيطرة على المستقبل، فانا ادق ناقوس الخطر بشدة فالعدو يتربص والامة منشغلة بخلافاتها العبثية، وقد يغافلنا العدو ويطمس الاسلام الحقيقي ويأتي باسلام جديد مشوه يناسب مطامعه.


اقول نعم هناك خلافات ولكن هناك مشتركات ايضا أجمع العقلاء على انها اكثر وافضل وابقى من الخلافات، فلماذا يتم التغاضي عنها؟
اذن فالاخطار المحدقة بمستقبل الامة تستوجب التنسيق والتعاون ونبذ الخلافات، ولست هنا بصدد ذكر الايات والاحاديث الدالة على اهمية الوحدة ونبذ الفرقة غير اني أذّكر بقول الله تعالى ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ).


وان هناك مؤتمرا يزمع عقده في الشهر القادم بمدينة لندن فاقول انه جهد مبارك واتوقع له ان يحقق اغراضه لا سيما انه ينعقد في بلد محايد فيه قدر كبير من الانفتاح والحرية، ولا باس بايراد جملة من المقترحات التي تبدو صعبة التنفيذ في المستقبل القريب ولكنها عظيمة الفائدة لو تحققت على المدى البعيد منها:
1-تأسيس رابطة للشعوب الاسلامية على غرار منظمة المؤتمر الاسلامي يكون مقرها لندن لضمان حرية العمل بعيدا عن تاثير الحكومات الاسلامية يكون اعضائها من المفكرين ورجال العلم والدين والثقافة، تعمل على مدار السنة لتنبيه العوام بمضار الاختلاف والفرقة، وتصدر عنها مجلة بلغات مختلفة على ان يلحق بها فضائية متخصصة محايدة تعمل على ترسيخ مفاهيم الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب.


2-الزام المشاركين في المؤتمر عند العودة الى بلدانهم التغلغل في اوساط مواطنيهم والتحدث عن التقريب في اماكن تاثيرهم كالجامعات والمساجد، ونشر المقالات المتعلقة بالتقريب حتى تكتسب العملية التغييرية طابع الاستمرارية، لا تنتهي بمجرد انتهاء المؤتمر.


3-التركيز على الجاليات المسلمة في المهاجر باعتبار انها اكثر تفتحا واقل تزمتا، ويمكن لاعضاء الجاليات تقديم صورة واقعية لتعايش المسلمين فيما بينهم لاسيما وانهم مجبرون على التعايش مع ابناء الديانات السماوية والمذاهب الوضعية الاخرى، واقامة حوارات بناءة وعقد ندوات مستمرة تتسم بالصراحة التامة والاخلاص المطلوب.


4-تشكيل مجلس فقهي اسلامي يضم علماء من المذاهب الاسلامية المختلفة لتوحيد الفتاوى في القضايا المستحدثة ذات العلاقة بالاغتراب لا سيما في تحديد الهلال في رمضان والاعياد لما لهذا الامر من اهمية في لم الشمل وتوحيد الكلمة.


5-تبني الجرأة المطلقة في التعامل مع قضية ازالة مسببات الكراهية وتحديد هذه المسببات وحصرها ومن ثم القضاء عليها ولو كلف ذلك التضحية بامور قد يراها البعض انها مبادئ ولكن لا مبدأ أعلى وأسمى من التقريب بين المسلمين لانه خط النبي والائمة والمصلحين.

د. حسين ابو سعود
[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف