منذ خيانة الحزب الشيوعي العراقي للثورة ودفعه لعشرات آلاف الشيوعيين العراقيين إلى المذبحة في شباط 63 وهي الخيانة التي ساعدت كثيراً على انهيار التجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي، منذ ذلك الحين أخذت على نفسي عهداً بألاّ ألتفت إلى كل ما يقوله quot; الشيوعيون العراقيون quot; قبل أن يعترفوا بخيانتهم المأساة تلك. الجديد في الموضوع وكما كتبت رداً على أحدهم هو أنهم اليوم يبدون جرأة لم تتجرأها الأحزاب الشيوعية العربية ويتمثل ذلك بالتنطع إلى البحث عن أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي. والجديد أيضاً هو أن المنحرف خروشتشوف كتب لهم متواضعاً أن الباب مفتوح لغيره من الشيوعيين، باعتباره أحدهم (؟)، لأن يشير إلى أسباب أخرى للإنهيار، علماً بأنه ليس غريباً أن يكتب خروشتشوف للحزب الشيوعي العراقي وهو الذي كتب لهم خيانة الثورة في العام 1959.
المرتد كاوتسكي وقد أصبح شريكاً فيما يكتب للحزب الشيوعي العراقي لا يبدي رضاه التام بما كشف عنه المنحرف خروشتشوف من أسباب للإنهيار وأشار إلى أن الحزب لم يؤكد علانية وبالفم الملآن أن المشروع اللينيني بقضة وقضيضه لا ينتمي لماركس وليس اشتراكياً لا بالفعل ولا بالقول كما كتبت السيدة رسميه محمد ورفيقها في الكاوتسكية كريم مروه من لبنان. تقول رسميه محمد بعد كريم مروه، وهما من أيتام المرتد كاوتسكي أن روسيا القيصرية كانت متخلفة لدرجة أن الإشتراكية لا تنمو فيها. من علّم السيدة رسميه الماركسية لم يعلمها المقدمة التي كتبها كارل ماركس نفسه في منتصف القرن التاسع عشر لترجمة البيان الشيوعي إلى الروسية، أي قبل ثورة أكتوبر بسبعين عاماً وقد أشار فيها إلى إمكانية قيام الثورة الإشتراكية بداية في روسيا. ما عسى أيتام المرتد كاوتسكي من أمثال رسميه محمد وكريم مروه وابراهيم نقد من السودان يقولون في رأي ماركس؟
ما يصدم المرء فعلاً في تقرير الأمانة العامة للحزب الشيوعي العراقي هو الفقر في النظرية وقد تجلّى بوضوح في كل الأفكار المعروضة في التقرير. قيادة الحزب تتجاوز أميّة المنحرف خروشتشوف وبورجوازية المرتد كاوتسكي وتبدي جهلاً فاضحاً في قراءة التاريخ حيث تبدأ تقريرها بالقول.. quot; منذ بداية التاريخ.. ظهر الحلم بمجتمع تسوده العدالة والمساواة بين البشر وشهدت القرون المتعاقبة محاولات وتجارب مختلفة لتحقيق هذا الحلم quot;. المفترض أن تكون قيادة الحزب الشيوعي العراقي قيادة ماركسية وماركس لا يؤمن بأن التاريخ يسير في سكة تبنيها طموحات الناس ورغباتهم ولا حتى عقائدهم. سكة التاريخ تبنيها أدوات الإنتاج وتطور هذه الأدوات في مقاربتها للطبيعة. الثورات لا تقوم بوقود الطموحات والمعتقدات، تقوم الثورات لتحل أزمة مستفحلة تحول دون تقدم الحياة في زمان ومكان معينين. القول بأن ثورة أكتوبر ولدت لتعبر عن رغبات قادة الثورة وناسها هو قول بورجوازي تافه لا يستحق التوقف عنده.
تقرير القيادة لا يتعارض مع ما أصرت رسميه محمد على تأكيده فلم تؤكد أن النظام السوفياتي هو نظام إشتراكي وقال التقرير.. quot; انهيار ما سميّ بأنظمة الإشتراكية الفعلية quot; وهو ما يشير إلى أن أيتام المرتد كاوتسكي في قيادة الحزب الشيوعي العراقي لا يقرّون بأن ما كان في الإتحاد السوفياتي هو فعلاً اشتراكية!! على رسمية محمد أن تثمّن مثل هذا القدر من الإرتداد وعليها أن تعذر القيادة التي لا تستطيع حتى اليوم أن ترتد بمقدار ارتداد رسميه محمد وكريم مروه وابراهيم نقد الأمين العام للحزب الشيوعي في السودان.
جميل أن تتنطع قيادة الحزب الشيوعي العراقي إلى البحث في أسباب انهيار المشروع اللينيني إلاّ أن تنطعها الجميل لم يقوى على الإرتباك الشديد والمعيب الذي استولى عليها وقد كان النتيجة المباشرة لفقرها الفاضح في النظرية. فأي معنى يبقى للقول ب.. quot; تجاوز التحليلات التبسيطية التي ترجع ما حدث إلى ردة داخلية أو أسباب خارجيةquot;؟؟ أنا أعلم تماماً أن ما دفع القيادة إلى نفي quot; الردّة الداخلية quot; كسبب للإنهيار إنما هو quot; تسحيج quot; الحزب الشيوعي العالي لانحراف خروشتشوف في العام 1956 وما بعده. وللتأكيد على هذا المنحى اعتبر تقرير القيادة انحراف خروشتشوف عام 56 محاولة إصلاحية فقال دون مواربة.. quot; أول محاولة للإصلاح على يد خروشتشوف في 1956 quot;.
وهنا تحديداً أسأل القيادة ما الذي أراد خروتشوف أن يصلحه في العام 56؟ أتحداهم بأن يجيبوا بغير ما قال به معلمهم الغبي الجاهل نيكيتا خروشتشوف!! قال خروشتشوف في الإصلاح المزعوم أن ستالين كان يمارس طقوس عبادة الذات!! وأن ستالين كان مستبداً برأيه بعيداً عن التقاليد الديموقراطية!! لا هذا ولا ذاك له أدنى علاقة بالبنية السياسية الإقتصادية القائمة في البلاد السوفياتية وليس من شأنه أن يصلح فيها شيئاً، هذا إذا افترضنا صحة مزاعم خروشتشوف وهي في الحقيقة والواقع ليست حتى من أواخر التهم التي يمكن توجيهها لستالين ـ وسأقول في هذا الشأن ما يتوجب قوله في مقالة سأنشرها في quot;إيلافquot; بعد يومين. وليس إلا من قبيل الإغواء في غيّها تدعي قيادة الحزب الشيوعي العراقي كذباً صراحاً.. quot; عمل الجمود العقائدي وعبادة الفرد على قتل روح الإبداع والبحث العلمي وكبح التطور الفكري quot;. لعل أحداً من القيادة الحالية للحزب الشيوعي العراقي لم يكن قد ولد بعد عند رحيل ستالين عام 1953. كان الإتحاد السوفياتي يسبق الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية في مختلف العلوم النظرية والتطبيقية وفي الآداب والفنون. ألم يكن الإتحاد السوفياتي هو السباق إلى غزو الفضاء في العام 1957؟ ولنا أن نذكر في هذا السياق الجائزة الكبرى التي وعدت بها المخابرات الأميركية عام 1953 لمن يأتي إليها بطائة ميج 14 لتكتشف أسرارها. الصحافة الأميركية نفسها (التايم والنيوزويك) نشرت التقارير المطولة حتى في نهاية السبعينيات، وبعد أن خربت عصابة خروشتشوف ـ بريجينيف ما خربت، نشرت تؤكد الفرق الشاسع بين المستوى العلمي المتقدم في الإتحاد السوفياتي ونظيره المتخلف في الولايات المتحدة وأن الأخيرة تحتاج إلى عشرين عاماً كي تلحق بالإتحاد السوفياتي. لماذا الكذب والافتئات على المشروع اللينيني وعلى شخص ستالين تحديداً، أسأل القيادة العراقية؟؟
تعود القيادة الخرشتشوفية للحزب الشيوعي العراقي لإحياء سياسة معلمها الأميّ خروشتشوف مدافعة عن خطه البوخاريني القائل عام 1925 في غمرة النيب الرجعي بوصف لينين نفسه.. quot; فليغتن ِالفلاحون! quot;. كان لينين يطمح لنقل الفلاحة الفردية إلى فلاحة تعاونية وهو ما حققه الحزب بصورة تدعو إلى الإعجاب خلال سنتين فقط 1929 ـ 1931. ما يثير القرف وليس السخط فقط هو أن الحزب quot; الشيوعي quot; العراقي يدين اعتداء الحزب الشيوعي السوفياتي على حقوق الملكية للفلاحين!! أي شيوعية تلك هي شيوعية هذا الحزب الذي تعرفنا على خيانة الثورة على يديه؟!! لعلهم تعلموا الإشتراكية على أيدي البعثيين وقد ورد في دستورهم quot; قدسية حق الملكية quot;!! كان خروشتشوف يعتقد بتقدم الإشتراكية من خلال تطوير طبقة الفلاحين ولذلك أسس لمشروعه الكارثي quot; إصلاح أراضي البكر والبور quot; عام 57 ـ قرأت عن مشروعه بالتفصيل في مذكراته وكانت زوجتي تنظر إلي بعين الريبة لكثرة ما ضحكت متسائلاً كيف يصل مثل هذا الغبي إلى قيادة حزب لينين!! أنصح كل المبتلين بالعبوس أن يقرأوا عن مشروعه في مذكراته كي يضحكوا ملء أشداقهم ـ ارتد هذا المشروع على الإتحاد السوفياتي بخسارة 30 ملياراً من الدولارات بأسعار الخمسينيات. كالببغاوات تردد القيادة العراقية أسوأ ما في الدعاية الإمبريالية المعادية وما تشيعه عن أزمة القمح في تلك الأثناء. كان الإتحاد السوفياتي في الثلاثينيات يطعم القارة الأوروبية قمحاً. وظل الإتحاد السوفياتي حتى أيامه الأخيرة ينتج من الحبوب ثلاثة أمثال ما تنتجه الولايات المتحدة. إلا أن الفلاحين لدى تحويل الفلاحة إلى تعاونيات ظلوا ينكرون على الحكومة حصتها من فائض إنتاجهم. وهو الأمر ذاته الذي وضع الكلمات في فم خروشتشوف ليخاطب البلاشفة في البريزيديوم قبل طردهم في حزيران 57 ليقول بكل وقاحة المرتد.. quot; شبعنا من لينينكم ولم نشبع الخبز!! quot;. كان آخر ما انتهى إلى أسماعنا هو أن الإشتراكية تقوم بأيدي الفلاحين!!
ليس إلا من قبيل الاستمرار في الإنتصار إلى معلمهم الغبي نيكيتا خروشتشوف تنكر القيادة للحزب الشيوعي العراقي أي quot; ردة داخلية quot; في الحزب الشيوعي السوفياتي، ينكرون ذلك من قبيل التعمق في البحث عن أسباب الإنهيار. وهنا أدعو هذه القيادة قبل أن تتعمق في البحث، وليتها لم تتعمق، أدعوها لأن تبرر أقوال معلمها الغريبة عن الأدب الماركسي في المؤتمر الحادي والعشرين الإستثنائي للحزب الشيوعي (غير البولشفي بعد طرد جميع البلاشفة من القيادة) في العام 1959. هزئ خروشتشوف من دولة دكتاتورية البروليتاريا واستبدلها ب quot; دولة الشعب كله quot;!! ما لأنصار الردّة ينسون أو يتناسون مقولة معلمهم التاريخية quot; دولة الشعب كله quot;؟؟ وهل سيقيم الشيوعيون في العراق quot; دولة الشعب كله quot;، وهي من اختراع معلمهم لم يسبقه إليها أحد!! وفي ذلك المؤتمر أيضاً سخر خروشتشوف من مبدأ الصراع الطبقي وتساءل ساخراً.. quot; لماذا يصارع بعضنا البعض الآخر؟ أليس في ذلك ما يسر الأعداء؟؟ quot; أسأل هنا رسميه محمد وكريم مروة وكذلك حميد موسى ورفاقه.. أليس في ذلك إرتداد عل كل ما علّم به ماركس ولينين؟؟ وفي المؤتمر الكارثي ذاك طالب خروشتشوف بوضع خط فاصل بين الثورة الإشتراكية من جهة وثورة التحرر الوطني من جهة أخرى وقال أنه لا يجوز ربط مصير الثورة الإشتراكية بمصير بعض المغامرين ـ يقصد بذلك جمال عبد الناصر وتشي غيفارا وأحمد بن بللا. ألم يرتد خروشتشوف بهذا على سياسة لينينية ثابتة تقول.. quot; يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة اتحدوا! quot;. ألم تنتهي سياسة خروشتشوف الخيانية إلى تفكك وهزيمة ثورة التحرر الوطني في العالم كله وهو ما كان مقدمة لازمة لهزيمة الثورة الإشتراكية. ماذا يخدم التغاضي عن كل هذا الإرتداد؟ هل يخدم الإشتراكية التي لا يعرفها أي من أيتام المنحرف خروشتشوف والمرتد كاوتسكي؟؟
تزعم القيادة للحزب الشيوعي العراقي إقتفاءً لأثر معلمها الغبي أن البيروقراطية كانت السبب الرئيسي في انهيار الإشتراكية. وتدعي أن البيروقراطية تسببت بقرارات اقتصادية وبنيوية معيبة، وتقول لمزيد من الإدهاش وعمق التناقض أن قوى الإنتاج تنامت بصورة ملحوظة آنذاك وحققت فائضاً كبيراً في الإنتاج!! ثم تقول.. quot; انهيار الأنظمة الإشتراكية في أوروبا يشكل منعطفاً حقيقياً في التاريخ quot;. نحن نعرف تبعاً للمادية التاريخية أن التاريخ لا يتحرك إلى الأمام أو إلى الوراء إلا بفعل الصراع الطبقي. لكن ماذا عن انعطاف التاريخ؟! هل ينعطف التاريخ بدون صراع طبقي؟! نسأل هنا أيتام المنحرف خروشتشوف كما أيتام المرتد كاوتسكي؟ هل انهارت الأنظمة الإشتراكية دون أن تعاني من صراع الطبقات داخلها؟؟ نحن نطالب رسميه محمد وحميد موسى كما كنا طالبنا كريم مروه بالإجابة على هذا السؤال الفيصل؟ الإجابة ستحسم كل خلاف بيننا. فإما أن يقولوا بأن التاريخ انعطف بدون صراع طبقي وعندئذٍ لن يكون لنا حديث معهم كونهم خارج المدرسة الماركسية رغم تبجحم الفارغ بالإنتساب إليها (عن بعد)، وإما أن يقولوا أي الطبقات تصارعت حتى انتهى الأمر إلى هزيمة الإشتراكية، ولن يجدوا بعدئذٍ مناصاً من الإعتراف بأن ستالين كان قائداً بروليتاريا ربما اقترف بعض الأخطاء غير المحسوبة النتائج وأن خروشتشوف كان قائداً لطبقة معادية أسقطت رسمياً دكتاتورية البروليتاريا ولن نختلف إذّاك على تسمية الطبقة التي أسميها بالطبقة الوسطى التي تضم المارشالات والجنرالات في مجمع الصناعات العسكرية الذين قاموا بأربع إنقلابات عسكرية في عمر الإتحاد السوفياتي.
قبل أن أختتم مقالتي يتوجب علي تأكيد الحقائق التالية:
ـ قيادة الحزب الشيوعي العراقي تفتقر إلى الوعي الماركسي بصورة معيبة.
ـ التقرير المقدم إلى المؤتمر خلا من كلمة quot; الشيوعية quot; باستثناء استنكار الشيوعية الحربية وسبب ذلك أنهم في القيادة لا يفهمون معنى الإشتراكية.
ـ أيتام المنحرف خروشتشوف والمرتد كاوتسكي لم يدرسوا تاريخ المشروع اللينيني دراسة دقيقة ووافية وتحاشوا التعرض للمناقشات في قيادة الحزب (البريزيديوم).
ـ عمدت القيادة إلى زرع أفكارها الخاصة في عقول المؤتمرين فتحاشت البحث في استبدال مالنكوف بخروشتشوف في أمانة الحزب عام 1954 وفي أسباب طرد جميع البلاشفة من الريزيديوم عام 1957 وأسباب طرد المارشال جوكوف من الحزب والدولة عام 1958 وفي الإنقلاب العسكري الذي قام به بريجينيف على خروشتشوف عام 1964 وفي الإنقلاب على الإنقلاب الذي قام به يلتسن عام 1991 وأنهى بذلك الإتحاد السوفياتي. كيف يمكن تقييم التجربة السوفياتية بدون التعرض لهذه الإنعطافات الخطيرة في حياة الدولة والحزب.
ـ الحزب الشيوعي العراقي انحرف وراء خروشتشوف وما زال يدافع عن انحرافه.
ـ تشكلت الأحزاب الشيوعية في العالم كله كفِرق أخذت على عاتقها إنجاح مشروع لينين في الثورة الإشتراكية. ولذلك فإن الذين يدينون لينين من أمثال إبراهيم نقد الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني وكريم مروة ورسميه محمد عليهم أن ينكروا أيضاً وجود الأحزاب الشيوعية في العمل الشيوعي ويعودوا مهزومين أذلاء إلى صفوف أحزاب الأممية الثانية التي تطورت بالتوازي مع مشروع لينين ونبذت الماركسية منذ عام 1921.
ـ ليس من جهة تستطيع البحث في انهيارات العوالم التي ورثناها من الحرب العالمية الثانية وأحدها العالم الإشتراكي قبل الإحاطة الكاملة بوسائل الإنتاج السائدة اليوم في العالم وفي الدول الفاعلة تحديداً، دول الثمانية الكبار (G8). ما ينقص الباحثين في هذا الحقل هو الإقتصاد وليس السياسة.
فـؤاد النمـري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات