كاظم الساهر. قمة فنية عراقية وعربية بلا مهاترات مدسوسة


كل الامم في كل الكرة الارضية تصنع نجومها وتمجدهم وتضع لهم واقع وتاريخ في بعض الاحيان يفوق الخيال ويفوق حتى الواقع نفسه. الا نحن الامة الوحيدة في كل هذا الكون التي تستهدف المبدعين والمميزين وتحاول بكل الطرق واقسى الطرق ان تنال من أبداعهم. واذا الامة العربية الاكثر تميز بين الامم في هذه quot; الشطحة التاريخية quot; فان ا لعراق على وجه الخصوص هو الأبن البار لهذه الشطحة وبلا منافس ايضآ. خاصة من اصحاب بعض المنابر الاعلامية وغيرها، ويتناسى هولاء ان العراق هو موطن الفن و اللغة والحرف والشعر والادب والخط والعجلة والقانون والدولة والفن والقيثارة الاولى في التاريخ.

المبدع المتالق العراقي العربي الأصيل كاظم الساهر.. هو نموذج للفنان العراقي المكافح والأصيل والناجح والمتألق، يتعرض بين فترة واخرى الى حملات اعلامية قوية في بعض البلدان العربية خاصة في مصر وفي السعودية وغيرها من البلدان، رغم جمهوره العريض والكبير في هذه البلاد، لكن الساهر سحب البساط من تحت اقدام الكثيرين وادار بوصلة الفن الراقي الى جهات اخرى وهدد قلاع الفن المعروفة في بلادنا العربية وجذب أحاسيس ومشاعر المستمع العربي الى قصائده وصوته وموسيقاه الراقية والنافذة الى القلوب والافئدة بدون أستئذان. ولهذه الاسباب ممكن تفهم دوافع هذه الحملات او quot; الشطحات quot; الفنية والاعلامية العربية. اما في بلده العراق الذي يحبه وأحبه فان الساهر قاد حملة غير معلنة لكسر الرتابة التي تعود عليها البعض في الموسيقى العراقية رغم أصالة وريادة الموسيقى والمقامات العراقية على المستوى العربي، والتي دخلت وأستخدمت في معظم اغاني عمالقة الغناء العربي من كوكب الشرق الى العندليب الى عبد الوهاب وسعاد محمد ووردة الجزائرية ونجاة الصغيرة
وفريد الاطرش وغيرهم الكثير وستكون اكثر بروز في الغناء الخليجي الذي يستمد أغلب أسسه الموسيقية من منجم الموسيقى والمقامات العراقية الرائدة والمتقدمة. لكن وفي فترة معينة بدأ وكأن الفن العراقي بدأ يخفت ويكاد يختفي ولهذا أسبابه السياسية المتبعة من قبل quot; صنم quot; العراق الساقط الذي حارب كل المبدعيين. وأدخل الفن العراقي الأصيل قسرآ الى دهاليز حروبه ومجازفاته العبثية. لكن الساهر برز وبمجهود فردي لاغبار عليه في مرحلة حساسة من تاريخ العراق واستطاع ان يرسم لنفسه ليس خطآ quot; ساهريآ quot; خاص به بل خط عراقي عربي بارز وأصيل ومؤثر.

اتذكر شخصيآ اول مرة رأيت فيها كاظم بشكل مباشر كان ذلك بداية عقد الثمانينات. وكان حينها شاب صغير وطالب في معهد المعلمين، ولم يكن معروفآ ولم يكن قد سجل اي اغنية اذاعية او تلفزيونية. ورغم اني أصغر سن منه، لكنه جذب انتباهي في ذلك اليوم وهو يحضر لاحياء حفلة زواج احد زملاءه في معهد المعلمين. حيث كان يؤدي الاغاني بجد وحرص كبيرين ويعزف على العود بنفس المستوى. وسر انتباهي له انه كان بجديته هذه مخالفآ لعرف أن الفنانين عادة في الحفلات الغير رسمية والحفلات الخاصة يكونون اكثر انفتاح واكثر تحلل حتى في طريقة تأدية الاغاني. لكن كاظم كان في تلك الليلة مخالفآ لتلك القاعدة تمامآ. وعلى طريقةالكلام العراقي الدارج ( ماخذ الامور من كل عقله )!!. يعني بجدية تامة.


وكان لقائي الثاني والاقرب مع كاظم في نهاية عقد الثمانينات وبالضبط عام 1989 في مطعم المربد وسط بغداد في ليلة رأس السنة. حيث كان الساهر في بدايات انطلاقاته الفنية الصاروخية الكبيرة من ( شجرة الزيتون، وعابر سبيل، وليش ماكلت من الاول، و جرة الحبل، وغزال، واشلون أودعك، وعبرت الشط ) والكثير من الاغاني التي بدأت تنتشر في العراق وتتسرب الى الوطن العربي بسرعة فائقة. وعندما تكلمنا انا والساهر وجدت تغير اكبر بشخصيته نحو الجد والمثابرة والحرص والاصرار على التقدم لكن بشكل علمي ومدروس ومخطط له جيدآ حتى لايكون السقوط مثل الصعود سريعآ. أخر فرصة للقاء الساهر كانت قبل حوالي ستة اعوام حيث كان من المفروض ان يقيم حفلة كبيرة في مدينة quot; مالمو quot; في السويد، ولان مطار كوبنهاكن في الدنمارك هو الاقرب الى مالمو بكثير من مطار ستوكهولوم، فلقد تقرر ان يكون استقباله في مطار كوبنهاكن وبعدها ينتقل الى مالمو في السيارة حوالي نصف ساعة. وتم تريب الامور مع بعض الفنانيين وكان المفروض ان اكون quot; رغم اني ليس فنان quot; من ضمن المستقبلين للساهر، لكن شاءت الظروف ان أرقد في المستشفى بنفس ذلك اليوم ولااحضر الاستقبال ولاالحفلة نفسها. لكني عرفت وسمعت وشاهدت لقطات من تلك الحلفة الاكثر من رائعة، وتاكد لي من قرب ان الساهر قد تخطى اشواط كبيرة وعريضه في فنه الراقي وأن quot; معلقات فنية quot; كانت قد ولدت على يدي وأوتار وصوت هذا المبدع العراقي مثل quot; اني خيرتك، ومدرسة الحب، وزيدني عشقآ، واشهد، وانا وليلى، والمستبدة، وتذكر، وبغداد،وحبيبتي والمطر quot; وغيرها الكثير مما وضعه في صدارة الموسيقيين والمطريين العرب دون منازع. وايضآ وضعه في صدارة الاهداف المستباحة من الحاسدين الذين اصابهم مرض الغيرة ومن الذين أهتزت قلوبهم ومن الظلاميين لهذا النجم الشهب العراقي الصاعد بقوة والمتسيد على الساحة بقوة. وانا غير مخول رغم معرفتي واطلاعي لذكر تفاصيل مواقف كاظم الانسانية المخلصة مع زملائه الفنانين ومع ناس اخرين وعوائل اخرى من خارج دائرة الفن. اثناء فترة الحصار وبعد سقوط النظام.رغم انه لم يزور العراق quot; قسريآ quot; منذ عام 1998. وبالضبط منذ ان شارك في تشيع الشاعر نزار قباني حسب مااذكر. وقد دفع بعض اخوانه ثمن ذلك مع النظام السابق.


وقبل حوالي اسبوع تعرض الساهر الى هجوم من قبل ناقد عراقي يدعى عادل الهاشمي ومن على قناة العراقية الفضائية، حيث وصف كاظم بانه غير عراقي وبان فنه ليس عراقيا بل هندي!!! وانه ليس ملحن بل يسرق الحانه من الاخرين والادهى من ذلك يستغل حاجة الاخرين المادية و يشتري الحانه من quot; فاروق هلال وجعفر الخفاف واحمد الخليل وعلي عبد الله quot; وهذه الاسماء هي قمم في التلحين العراقي ومعيب بحقهم ان ينسب لهم مثل هذا الاتهام الباطل والمشين كما هو كذلك بحق ابن العراق الساهر.. وبدون مجاملة وبصراحة اكثر هولاء الاساتذة الاربعة لايملكون نفس روحية وادوات كاظم في التلحين، بل لهم ادواتهم وطرقهم وروحيتهم الخاصة بهم والمميزة ايضآ. فلماذا هذا الهجوم المسخ على المبدع العراقي ومن نفس عادل الهاشمي الذي لايصلح ان يكون مرجع لمثل هكذا تقيم ولانه رجل معروف ببغضه وكرهه للساهر منذ بداياته الاولى!! لكن الادهى أن ينبري بعض اصحاب الاقلام quot; الجائره quot; واكتفي بهذا الوصف للذين تهجموا على الساهر في مقالاتهم. وهذا النهج معروف بعدم شجاعته، لانهم لو كانوا يملكون بعض الشجاعة لاخبرونا بما يؤمنون quot; بان الموسيقى والغناء حرام!!quot; في عراق اليوم، او ان ظلامية طلابانية تحاول صنع موطيء قدم لها في عراق التاريخ والادب والفن. وحتى لايشطح الكثيرين بعيدآ فانا رجل أودي كل فروض الدين.. دين الله دين الاسلام والتسامح والحياة والحب.. وليس دين التخلف و الظلام والقتل والبطش.. وقد يستغرب الكثيرين اني املك واستمع كل يوم الى المنشاوي وعبد الباسط والى الشيخ الدكتور احمد الوائلي.. لكني استمع ايضآ للموسيقى بنفس اليوم. فأني لااحب الاسلام المتطرف ولا موجة العلمانية المتطرفة!! وكتابي الجديد القادم يناقش مقدمة ابن خلدون من وجهة نظر اسلامية وعربية، وبنفس الوقت مجموعتي الشعرية الجديدة القادمة تتكلم فقط عن الحب والعشق والحياة. ولاارى في ذلك تناقض او تقاطع مع الدين. لاني أفتهم أن الدين حياة وحب قبل كل شيء.


فهل ماتقومون به من حملة على الساهر غيرة وحسد.. او أشارات طلابانية الغرض منها فرض واقع ظلامي على العراقيين. كونوا اكثر شجاعة واخبرونا.. بدون شعارات وطنية فارغة أو مهاترات مدسوسة.

محمد الوادي
[email protected]