بالرغم من ان الواقع يكشف انه لاتوجد مساحة للرأى الأخر لدى العديد من وسائل الأعلام، فمازلت مصرا على ان اناقش هذا الموضوع، لأننى اعتبر انه حق مشروع لى أن اهاجم الأوصياء الذين يروجون للسياسة الصهيونية،تحت اثواب اخرى.
وخلال احداث مخيم نهر البارد، والقصف الأسرائيلى للأراضى الفلسطينية، نشرت وسائل الأعلام الروسية مقالات كثيرة تضمنت العديد من التحليلات والتعليقات التى تصدر عن باحثين روس حول الأحداث الجارية،واقل ما يمكن قوله حول هذه المواد الصحفية بأنها تخلو من الموضوعية،ويبدو واضحا فيها التعاطف المتعصب مع اسرائيل،ولعل المقالات التى نشرتها بعض الصحف الروسية فى الفترة الأخيرة حول الملف الفلسطينى، جاءت لتلمح بشكل غير مباشر احيانا،ومباشر فى كثير من الأحيان،أن الأقتتال الداخلى الدائر فى الأراضى الفلسطينية لا يمكن أن يتوقف ما لم تتدخل القوات الأسرائيلية، بل اعتبرت بعضها أن الجهة القادرة على تحقيق الأستقرار فى هذا المنطقة هى اسرائيل وقواتها السيئة الصيت!!المشكلة ان الأعلام الروسى لم يكتفى بنشر هذه المقالات باللغة الروسية، بل ترجمها للعربية نشرها فى المواقع الموجهة للقارئ العربى بل أن بعض الفضائيات الروسية تفسح المجال المحللين المتعاطفين مع اسرائيل،لكى ينفردوا بالمنبر الأعلامى ويؤكدون دون اية اسس مفهومة انه لابد من دخول القوات الأسرائيلية إلى الأراضى الفلسطينية لأحلال الأستقرار وذلك فى اطار تقييم او تبرير للضربات الأسرائيلية الأخيرة لقطاع غزة،والكارثة أن الفضائية المذكورة يفترض انها تتوجه للرأى العام العربى!!!!
وتتألم وتشفق على اسرائيل وانت تقرأ ما ينشر فى الصحافة الروسية حول الصواريخ الفلسطينية التى تقصف مدينة (سديروت)والتى لفترة قريبة لم تكن تصيب السمتعمرة وانما المناطق المحيطة والخالية من السكان.
وقد لايثير دهشتنا انحياز بعض وسائل الاعلام الروسية لأسرائيل،والتى كانت فى تغطيتها تبرر حملات الجيش الأسرائيلى ضد المدنيين الفلسطينيين،بأعتبار أن الأطفال الذين يلقون الحجارة ارهابيون،وتدمير مساكن المدنيين ضرورة للقاء على الأرهاب،وتصل المفارقة إلى مرحلة عبثية عندما يتهم المدنيين بالأرهاب لأنهم هاجموا الدبابات الأسرائيلية التى قصف (جنين)،وكأنهم لا يملكون حق الدفاع عن حياتهم.
واذا كانت وسائل الأعلام الروسية تسلب المدنى الفلسطينى حق الدفاع عن حياته ضد القوات الأسرائيلية، فأن بعض قنوات التلفزيون الروسى فى الأيام الأولى للعمليات العسكرية الأمريكية فى العراق،اعتبرت أن هجوم جنود الجيش العراقى على الدبابات الأمريكية أعمال ارهابية،ويبدو أن هذا الخبر كان يلتزم برؤية رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى السابق،والذى اعتبر أن اى اعتداء على جندى أمريكى عمل ارهابى!!
ويبدو أن الأفراط فى تعميم مفهوم الأرهاب أصبح من الأمراض التى تهدد وسائل الأعلام ليس فقط فى روسيا وانما ايضا فى العديد من دول العالم.حتى بدأ البعض يعتبر مقاومة الأحتلال ارهاب.اما قيام الدول بأختطاف الطائرات المدنية ليس ارهابا،كما فعلت اسرائيل عام 1986 عندما اختطفت طائرة سورية قبل وصلوها للأجواء السورية،كيف يمكن أن نتجاهل ارهاب الدولة الذى تمارسه اسرائيل منذ مذبحة قرية كفر قاسم، وعشرات بل مئات الحملات ضد المدنيين العزل،نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عملية رابين لكسر ايدى الفتيان العزل،لان هؤلاءquot;الارهابيينquot;الصغار شاركوا فى انتفاضة عام1987،والقوا الحجارة على المدرعات الاسرائيلية، ونذكر ايضا مجزرة مدرسة بحر البقر المصرية عندما قصفت الطائرات الأسرائيلية مدرسة اطفال فى العمق المصرى،ربما كانوا يستعدون لعملية ارهابية!!!؟؟؟
أن المهنية والحرفية فى العمل الصحفى لا تسلب الصحفى حقه فى أن يكون لديه رؤية وموقف،ولكنها تفرض عليه أن يكون موضوعيا فى التعامل مع الأحداث،لأن بعض وسائل الأعلام الروسية التى تروج إلى ان تدخل اسرائيل سيحقق الأستقرار فى الأراضى الفلسطينية(كتبرير لحرب متوقعة ضد الفلسطينيين)نسيت أن اسرائيل قد خاضت الصيف الماضى حربا ضد المدنيين اللبنانيين العزل،وزعم قادتها انهم يخوضون حربا ضد حزب الله،وما حدث انهم شردوا مليون مواطن لبنانى،وقتلوا آلاف اللبنانيين،ولم يدمروا مواقع حزب الله...وفشل جيشهم فى أن يحرر اسراه، هذا الجيش تكتب بعض الصحف انه سيتدخل لتحقيق استقرار ما فى الأراضى الفلسطينية!!
واضافة لهذا المنطق تجد العديد من الباحثين الروس المعروفين باسهاماتهم المتميزة فى مجال الأستشراق يتحدثون اليوم عن الصراع الشيعى ndash; السنى فى المنطقة العربية، وكأنهم اخذوا على عاتقهم الترويج للأكذوبة الأمريكية الجديدة حول طبيعة الصراع الدائر فى العراق، او انهم تصالحوا مع الأخوان المسلمين الذين تربوا فى احضان المخابرات البريطانية، واقتنعوا بأن الصراع مذهبى. وان تكون صحفيا وتتجاهل الحقيقة فهذا مصيبة، اما ان تكون باحثا وتفعل ذلك فتلك كارثة. لأن أنصار منطق القرضاوى الذين يروجوا لمنطق الشيعة والسنة اصبح عليهم اليوم أن يفسروا لنا كيف يخوض مقاتلو مجلس انقاذ الأنبار(وهو ائتلاف عشائرى سنى) معارك ضد القاعدة فى حى العامرية السنى فى بغداد؟ وكيف يطالب سعد الحريرى زعيم التكتل السنى اللبنانى بالقضاء على ما يسمى بفتح الأسلام؟ وكيف تعتقل حكومة الحزب الوطنى فى مصر كوادر الأخوان المسلمين؟
واذا كان لاسرائيل مصلحة فى تكريس المنطق الدينى لتبرير وجودها كدولة دينية طائفية،فما هى مصلحة المحللين الروس فى الترويج لهذا المنطق المضحك؟؟؟ وما هى مصلحة الأعلام الروسى فى تكريس منطق الخلاف الدينى؟ خاصة أن هذا السلوك يحمل فى طياته تحريض لكافة الفئات الدينية لكى تسعى للأستقلألية، بل ويجعل من الوطن تواجد جغرافى لجماعات منفصلة تتميز عن بعضها بالعقيدة!! ان يتم الترويج لهذا المنطق من حضارة متعددة القوميات و العقائد،فهو بالتأكيد يشكل نسفا لتاريخها ومنجزاتها الحضارية.
واذا كان للأمريكيين مصلحة فى وضع الصراع فى صورة دينية،وليس صراع ضد قوات الأحتلال لم تقدم للعراق سوى الخراب والبطالة،وواصلت سياسة القمع الصدامية لكل من يرفض الأحتلال،فلم يعد أمامى وى أن أحذر من تورط البعض فى الترويج للسياسة الأمريكية،وعلى الأعلام اينما كان اما ان يحترم الحقيقة،او ارحموا شعوبنا فى تحليلاتكم العجيبة.
مازن عباس
صحفى مصرى مقيم فى موسكو
التعليقات