إن أمريكا عنصر أساسي في أحداث المنطقة. إنها بداهة الأزمة المرافقة للخطاب السياسي العربي والإسرائيلي أيضا. أصبحنا في سلة واحدة منذ زمن لم نوقته بعد ولكننا في مركب أمريكي واحد. نحن وأبناء عمومتنا الشعب الإسرائيلي كما يقول بعض العرب. ولا يعني وجودنا في نفس السلة أننا متساوون في الحقوق والواجبات، ولا في القوة والنفوذ ولا في النفط أو في الهبات النقدية الغربية للدولة العبرية. ولسنا متساوين في النظام السياسي الحاكم. نحن لدينا شخوصا تحكم وهم لديهم مؤسسات تحكم. لدينا عائلات اتخمت بالسلطة والثروة حتى نز الترف من أنوفها، ولديهم رئيس وزراء يحاسب على مبلغ 300 دولار أثناء حملته الانتخابية. لدينا ثروات طائلة ونسبة الفقر عالية المستوى بين شعوبنا والتخلف والقهر والسجون حتى حدود الغثيان، لدينا طوائف وأديان ولديهم دولة قانون ومؤسسات. لدينا ثقافة سلطات ولديهم ثقافة عصبوية لكنها ثقافة مؤسسية تخترقها مقولة ( نحن شعب الله المختار من أول باب المؤسسة وحتى أرفع مكتب فيها وليس شخصا. فمثلا شارون بعملقته وما قدمه لهذه الدولة قد نسيته الناس هناك ) لديهم حلم ببناء دولة قوية ليس إقليميا وحسب بل عالميا ولدينا حلم أن تبقى السلطات عندنا تورث إلى يوم القيامة. لدينا 99و99% من الأرقام ولديهم عجز عن فوز حزب واحد في الانتخابات لكي يستطيع تشكيل حكومة منتخبة بمفرده. لدينا مجلس شعب يقف ليهتف بالروح بالدم كرجل واحد / نهاب وفاسد وعديم الضمير / ولديهم من يتهم رئيس الوزراء بالفشل الذريع في حرب تموز 2006. لديهم أجنحة ومراكز قوى تحلم بدولة أرض المعياد ولدينا مراكز قوى تحلم ببناء أوسع السجون وأحدثها، وهم رغم كل هذا لم يرتقوا بعد لكي يصبحوا دعاة سلام بشكل عام، وإن كان دعاة السلام عندهم مخلصين للحق الفلسطيني أكثر من بعض الفلسطينين أنفسهم. على ذلك أصبحنا بعد سقوط السوفييت في سلة واحدة بالنسبة لقطار الأمركة العولمي. الإجابة الإسرائيلية على السؤال الجديد أتت أن تكسب سريعا ما يتسنى لها لأن مؤسساتها تدرك ان العالم لايعود إلى الوراء وتدرك أن حاجة القطار العولمي لها لم تعد كما كانت تلك الأيام. فهي تريد تثبيتا سريعا لواقع الحال الذي تتوقع الحصول عليه من سلوكها العنيف قبل أن تفلت من يدها زمام المبادرة. ولدينا حماس والجهاد والقاعدة وسلطات كلها مجتمعة لكي تبقي الفرد في المنطقة تحت مظلتها. نتثاقف كل يوم على مواطن بريء من القراءة والسماع والنظر لديه الآن أهم من كل هذا، والسماع والنظر لدينا مملوك بشكل أو بآخر من قبل السلطة. إن الإسرائيلين حريصون على الإجابة ونحن أيضا سلطاتنا حريصة على الصفقات المشبوهة التي لا هم لها في النهاية سوى استمرارها وأن يحضنها الأمريكي العولمي برعايته. دون أن تدرك أن هذا الوضع بات مكلفا لأمريكا داخليا وخارجيا. ولكن أثبتت الأحداث أن هذه السلطات لازالت تمتلك من الرصيد الممتد حتى نقي عظام الفرد في روحه وثقافته. واكتشفنا أنها غير قادرة على تحرير شبر واحد من أرضها المحتلة بينما تستطيع أن تهز العراق وفلسطين ولبنان بالدم المجاني. تستطيع لا بل اكتشفنا في غفلة من حكايانا اليومية أن هذه السلطات قادرة على إحباط قيام أي نموذج ديمقراطي حقيقي في المنطقة! سواءا كان مدعوما من أمريكا أو من كل دول العالم. سلطاتنا قوية جدا ولها إجابة واحدة على السؤال الأمريكي: إما نحن وإما الفوضى! كنا نأمل خيرا في مصر المحروسة أن تكون نموذجا ديمقراطيا في المنطقة ولكننا لازلنا نكتشف يوما بعد يوم أن لاهم للرئيس مبارك سوى بعثرة القوى المصرية من أجل إيجاد خليفته الوارث أقوى الموجود: فهل الأحداث الطائفية المقيتة التي تجري في مصر ضد الأقباط بريئة منها السلطة؟ وهل تشجيع التطرف الديني المقبوض عليه أمنيا هو سلوك بريء أيضا؟ إن أخطر ما يقوم به النظام المصري هو هذا الشحن اليومي لبنية المجتمع المصري المسالمة من أجل تشجيع ثقافة نفي الآخر. يعتقل رموزا من الأخوان المسلمين ثم يسمح لهم بالمشاركة في العملية السياسية دون أن يمنحهم ترخيص والحجة جاهزة أنه لايسمح بقيام أحزابا دينية! كلمة حق يراد بها باطل لأنه لو كان فعلا كذلك لما كان دستوره يميز المواطن المصري المسيحي القبطي عن غيره من المواطنين تمييزا ناقص أهلية لكي يكون رئيسا للمحروسة! ومع ذلك فإنه حاول الإجابة على السؤال الأمريكي بطريقته الخاصة! فقد ازدادت مؤشرات الحرية وأصبحنا أمام انتخاب تنافسي لرئيس الجمهورية ـ بين المسلمين فقط! ولكن مهما كانت هذه الخطوة فإنها تبقى أفضل بما لايقاس من الطريقة السورية في الاستفتاء. فلنسمي الطريقة المصرية بالتكيف البطيئ والتدريجي. هذا جزء من لوحتنا في المنطقة بعد مرور أربعين عاما على النكسة كما تسمى عادة. والأكيد أنه لو قارنا مؤشر الحريات العامة والسياسية بين الآن وبين الأيام الحزيرانية 1967 لو جدنا تقدما كبيرا في هذا المؤشر والذي هو قد تقدم طردا مع إلحاح السؤال الأمريكي على هذه السلطات ـ دون أن نغفل حجم وأعداد المعتقلين والضحايا لهذه النكسة المزمنة والتي كانت قبل حزيران، وحجم ما قدمته المعارضة في هذه البلدان في سياق نضالاتها. وهذا السؤال الأمريكي لا يتحرك بنزاهة بشكل عام ولكنه هو من حرك المياه الآسنة للاستبداد العربي. تبقى ملاحظة صغيرة فقط للتذكير: لازال النظام السوري الذي استهدفته إسرائيل في 5 حزيران قائما! ألم يقل هذا النظام أن هدف الحرب الإسرائيلية في حزيران هو: إسقاط النظام وليس احتلال الأرض! فما الذي يفيد إذن الكتابة مجددا عن الخامس من حزيران؟

غسان المفلح