الزيارات واللقاءات المتكررة بين الرئاسة والحكومة العراقية برئيسيها جلال طالباني ونوري المالكي والحكومة الامريكية برئيسها جورج بوش شكلت محاور أساسية لتواصل التفاهم وتقييم الأعمال والخطط العسكرية بخصوص الوضع العراقي لغرض تأمين مساحة كبيرة من الامن والاستقرار في هذا البلد المبتلي بالحروب والأزمات، ولكن بالرغم من هذا التميز في الحوار المشترك بقيت المشاكل والأزمات على حالها والاستحقاقات ظلت تراوح في مكانها فلم يشهد واقع الحياة أي تحسن وبقي الحال سائرا من اسوء الى اكثر سوءا.
والاستحقاقات العراقية تتمحور إطارها في مجموعة من المعالجات الجوهرية للتقليل من المعاناة والمصاعب التي يعانى منها العراقيون، وهي مرتبطة بملفات داخلية اكثر مما هي مرتبطة بملفات خارجية، وهي تتراوح في واقع ميؤوس يتسم بفقدان الثقة بين الشعب والحكومة وفقدان الأعمار، وفساد المؤسسات وتفشي مظاهر الكساد وبروز سريع لثراء فاحش مبني على استغلال السلطة ونهب أموال الدولة، وخراب البنية التحتية، وفقدان اي نشاط لتنمية المجالات الاقتصادية والتجارية المتعلقة بتحسن الوضع المعيشي للعراقيين، وغياب فرص تنشيط الاقتصادية الصغيرة، وغياب أي تحسن في وضع المرأة وتحصينها اقتصاديا واجتماعيا، وغياب أي اهتمام بالشباب وتوفير فرص العمل ومقومات تكوين الحياة الأسرية لهم، وفقدان إصلاح نظام التربية والتعليم، وإرساء نظام للفرهدة في السوق من خلال سيطرة جشعة لأهل الحكم وأرباب السلطة الفاسدة، هذه المظاهر المدمرة ضمنت لنفسها تواجدا وحضورا متواصلا في حياة العامة في العراق وفي اقليم كوردستان.
لهذا نجد ضرورة تذكير تلك المشاكل لإيجاد حلول ومعالجات جذرية فعالة لغرض إزالتها أو التقليل منها، تلبية للاستحقاقات العراقية التي ترتبت على عملية التغيير خاصة بعد تجديد التأكيدات الأمريكية من قبل الرئيس جورج بوش في الفترة الأخيرة لمعالجة الأوضاع في العراق، لهذا فان تلبية تلك الاستحقاقات تلزم وضع معالجات جذرية للازمات والمشاكل التي تؤثر بسلبية كبيرة على حياة العراقيين، وهي تشكل ملفات مهمة في الواقع العراقي وهي:
bull;هدر كبير في موارد الدولة، وحرمان العراقيين من عوائد تلك الموارد، وغياب أي دور للمنح والمساعدات الدولية التي تمنح للعراق، وفقدان أي أثر للتحسن الاقتصادي للأموال الأمريكية الطائلة بمئات المليارات من الدولارات سنويا والتي تصرف على الجيش الأمريكي في العراق.
bull;ظهور فوارق طبقية بين شرائح فقيرة كثيرة النفوس وشريحة قليلة العدد تعيش في بروج عالية تحتضن أصحاب الرساميل الكبيرة من مسؤولين في الحكومة وفي الاحزاب المسيطرة على الساحة السياسية ومن أصحاب النفوذ التي إستحصل البعض منهم على ثروات طائلة بين ليلة وضحاها مستغلة السلطة والمنصب على حساب الشعب لنهب أموال الدولة.
bull;عدم توفر نظام صحي لتوفير الرعاية للعراقيين على اختلاف إعمارهم وأجناسهم، ومعاناة المواطنين كبيرة ومؤلمة في هذا الجانب، والحالات المستعصية بدأت تسجل أرقاما تصاعدية، والواقع يشهد غياب أية استراتيجية أو برنامج أو خطة وطنية على المستوى الحكومي لتامين نظام صحي متكامل.
bull;غياب الخدمات البلدية خاصة في المدن الكبيرة، حيث باتت المدن تحسب كأنها غير متمدنة من ناحية النظافة والتنظيم، وباتت شوارعها وأزقتها ومحلاتها مكتظة بالمخلفات غير الصحية، وكأن شوارع وطرقات المدن قابعة في دهاليز لا تريد ان تنزاح عنها الظلام ولا المرض.
bull;إهمال الشباب وتركهم سارحين منفردين تائهين في مشاكلهم الإقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعدم وجود برامج وآليات معينة للاهتمام بهذه الطبقة المهمة من العراقيين، وعدم وجود رعاية على المستوى الحكومي والشعبي والحزبي بهذه الشريحة الخلاقة التي تتراوح في مكانها وتجد نفسها في محصورة وسط مشاكل وتعقيدات رسمت لحياتهم صورة قاتمة غير متفائلة عن الواقع وعن السلطة.
bull;خلق حالة من الترابط المنفعي المبني على المصالح المادية بين المسؤولين في الحكومة والأحزاب وأصحاب المصالح التجارية والمادية والاقتصادية، والجمع بين المصالح الحكومية والمصالح التجارية في آن واحد، والواقع مليء بهذه الارتباطات التي تستغل المناصب والمواقع والمصلحة العامة على مستوى الأفراد والأحزاب، هذا الواقع الفاسد خلق حالة من الثراء السريع لدى المسؤولين المتسلطين متجاوزين كل الحدود على حساب المسؤولية الوطنية وعلى حساب حقوق الشعب والحكومة والدولة.
bull;إسناد المناصب في هيكل الحكومة على مستوى المدراء والمدراء العامون ووكلاء الوزراء والوزراء إلى أشخاص غير مؤهلين بتاتا، إعتمادا على الترشيحات الحزبية، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه نظام البعث البائد فسقط فيه سقوطا كبيرا، وهذا الخطأ يرتكب من جديد في عهدنا هذا.
bull;غياب المعايير الفنية والمقاييس الهندسية عن المشاريع الحكومية والأهلية، خاصة منها مشاريع الإعمار وتبليط الطرق ومد مجاري الصرف الحي، ويبدو ان الشركات والمقاولات التي تنفذ تلك المشاريع تعود أغلبها إلى المسؤولين في الحكومة والأحزاب المسيطرة على الساحة السياسية.
هذه هي الملفات التي تلزم توفير استحقاقات عراقية لها من قبل الحكومة الأمريكية والعراقية للعمل على تحقيق وتلبية الحاجات الرئيسية للمواطنين، وتحسين الإداء الإداري والخدمي والإنتاجي على صعيد وزارات وأجهزة ودوائر الحكومة، مع إجراء إصلاح فعال لتلك الجهات والقضاء على مظاهر الفساد في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، لإرساء نظام يتسم بشيء من العدالة لتلبية مطالب العراقيين مع ضمان نسيج البنية الديمقراطية والاقتصادية المعاصرة الذي أخذ يترسخ في العراق.
ولاشك إن تلبية هذه الاستحقاقات من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش وحكومته وإجراء الإصلاحات الضرورية ضمن منهاج عمل الحكومة العراقية لمعالجة الأزمات ومكافحة مظاهر الفساد، ستشكلان عاملين حاسمين لإحداث نقلة نوعية على صعيد النظام الإداري والاقتصادي والاجتماعي للدولة الجديدة لخدمة المجتمع العراقي الذي برهن بنجاح ثابت إدائه المتميز على الصعيد الديمقراطي بالرغم من معوقات عملية التوافق السياسي بعد أن برهن انه أهل للتطور والتقدم لتأمين حاضر مشرق لأبنائه وضمان مستقبل زاهر لأجياله القادمة.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]