لا أعرف ما هو سر الضجة الهائلة التي أثارها البعض حول الاجتماع الاستثنائي الذي عقده وزراء الإعلام العرب مؤخرا في القاهرة لإقرار وثيقة تنظيم عمل القنوات الفضائية؟


صحيح أن الوثيقة مثيرة للجدل لألنها تضع قيودا على القنوات الفضائية العربية وتمنح الحكومات حق إغلاق مكاتبها وسحب رخص العاملين فيها لكن الحكومات العربية هي المسئول الحقيقي عن هذه الوثيقة وليس وزراء الإعلام.
وليس سرا أن بعض القنوات الفضائية أصبحت تشكل صداعا دائما لمعظم الحكومات العربية مما دفعها للاتفاق فيما بينها على وثيقة جماعية تخفف هذا الصداع أو تعالجه بشكل جذري!


وفي كل الأحوال كان لابد أن تحمل الوثيقة شعارات كبيرة من عينة مكافحة الإرهاب وحظر بث كل ما يحض على الكراهية ويهدد السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية وكلها أمور لا يختلف مسئولان عربيان على أهميتها!
وبرغم التحفظات التي أثارها البعض فقد وافقت غالبية الدول على الوثيقة وأصبح من حق كل حكومة إغلاق مكتب أي قناة فضائية في حالة خروجها عن الضوابط المتفق عليها!


وفي رأيي أن ما حدث لا يشكل ظاهرة جديدة في ظل المفاهيم السائدة في عالمنا العربي والتي ترى أنه من حق الحكومات أن تنظم أو تؤمم أو تحظر أو تقمع كل ما يشكل تهديدا لأمنها واستقرارها.
صحيح أن هذه المفاهيم انقرضت وعفا عليها الزمن في عالم يؤمن الآن بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير لكن هذا هو واقع عالمنا العربي الذي يعيش وحيدا معزولا في كوكب ثان!


والآن وبعد اتفاق النظام العربي الرسمي على تنظيم عمل القنوات الفضائية الشاردة أو المشاغبة يبدو أن أزمة الإعلام الحكومي العربي العاجز عن المنافسة لن تنتهي قريبا. فمعدلات مشاهدة قنوات التليفزيون الحكومية تواصل التراجع أمام القنوات الفضائية الخاصة ومعدلات توزيع الصحف الحكومية تستمر في الانحدار أمام الصحف المستقلة.
وباعتراف الخبراء فقد وصل الإعلام الرسمي إلى مرحلة تجعله لا يستحق الميزانيات الهائلة المخصصة له ولم يبق أمام الحكومات إلا أن تطلق عليه رصاصة الرحمة!


والسؤال هل سيعقد وزراء الإعلام العرب اجتماعا استثنائيا في القريب العاجل لمناقشة أزمة الإعلام الرسمي العربي؟ وهل يضع وزراء الإعلام حلولا ناجعة لمواجهة انصراف الناس عن قنوات التليفزيون والصحف الحكومية التي أصبحت خارج نطاق الخدمة؟
البعض يرى أن اجتماعا مثل هذا غير وارد فالإعلام الرسمي يتبع وزراء الإعلام ومن غير الوارد أن يعترف هؤلاء بوجود أزمة ناهيك عن مناقشة أسبابها، فضلا عن أن المسئولين عن وسائل الإعلام ليسوا مؤهلين أصلا للقيام بمشروعات تطوير حقيقية.
والأهم من ذلك أن المسألة خاضعة بالكامل لمساحة الحرية المتاحة في عالمنا العربي والتي يحددها سعة أو ضيق أفق الحكومات تجاه الإعلام الذي ينظر إليه عادة باعتباره مرادفا للدعاية!
وهكذا سوف يظل الإعلام الرسمي العربي غارقا في أزمته..وسوف يظل القائمون عليه يؤذنون في مالطة!!

عبد العزيز محمود
* كاتب وصحفي من مصر
[email protected]