لاأحبذ مطلقاً أن أكشف بعض النقاط السياسية الحرجة والحساسة والتي مقدماتها ونتائجها ما برحت تمثل المعادلات الخفية المتحركة على مستوى المسطحات الشرق أوسطية، ولا أود البتته أن أغوص في غياهب خطابات يتناقط منها الخبث والدهاء والمكر، بيد أن الذي حدث مؤخراً في دمشق، العاصمة السورية، ( الأنفجار الذي أودى بحياة السيد عماد مغنية ) أستبد بساحة الشعور والفكر، وأيقظ أبعاداً ذات مورفولوجيات لامناص من التعبير عنها، أو على الأقل تأطيرها ضمن محتواها ( الواقعي، الموضوعي، الوضعي )، ومن ثم تأصيلها حسب أحقية الدوافع المبرمجة ( من أخترق من )..
وسأني بنفسي، بل أشيح بوجهي عن المآسي التي ساهم بها هذا السيد ( عماد مغنية )، ليس فقط فيما يتعلق بالسيد أمير الكويت ~ جابر أحمد الصباح ~ والسيد الأمين العام للحزب الديمقراطي الكوردستاني الأيراني ~ الشهيد شرفكندي ~ وإيلي حبيقة وكذلك اٍستهدافه مقر السفارة الفرنسية، وسفارة الولايات المتحدة الأمريكية وشخصية مسؤول استخباراتها ومقر المارينز، ناهيكم عن مسألة أختطاف الطائرات، بل عن المآسي الحالية التي مازالت تخضب التفاعل السياسي...
وسأتحاشى قضية مناقشة أنتقاله من حركة فتح إلى حركة أمل، ثم حزب الله، وثم تورطه في المشروع الإيراني وإنضمامه نشاطياً إلى الحرس الثوري الإيراني، ثم استقراره ( الفاجعة ) نهائياً في أحضان شخصين لا ثالث لهما في سورية..
لكن، بالمقابل، لامندوحة من إظهار عدة مصوغات كفيلة بإدراك المسألة الأمنية السياسية بخصوص هذا الحدث ونزع أوراق باهتة تميط اللثام عن عورته.
المصوغ الأول. إن هذا الحدث الذي تم على بعد عدة أمتار ~ وفقط على بعد عدة أمتار ~ من أقوى وأكبر مركز استخباراتي سوري ( بل تم في مكان تابع له وخاضع لسيطرته بصورة مطلقة )، لايمكن أن يٌخترق إلا من الجهات الصديقة، إلا من قبل أشخاص معتادون بصورة طبيعية الولوج إلى هذا المركز الحساس ( كفر سوسة )..فلا الأستخبارات الأسرائيلية ولا استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية ولا غيرها قادرة على إختراقه..
المصوغ الثاني.من يدرك كنه النظام السوري وطبيعة أجهزة أستخباراته، سيتيقن وبشكل بات إن أي تصرف أمني أو سياسي أمني على غرار هذا الحدث أوغيره لن يٌستكمل إلا بإرادة سورية، أو بإرادة سورية صديقة، أو بإرادة صديقة، فالقبضة الحديدية لأجهزة الأستخبارات السورية تتجاوز كل مألوف، كل تصور، كل ما هو خيالي ( فلا يحق لطائر ان يحلق من رقعة سورية إلا بإذن إمني معد ومبرمج )...
المصوغ الثالث. من يعي قوة التمرس لدى السيد عماد مغنية، وطول الخبرة، وعلو الأحتراف، وحدة النباهة والذكاء والحدس يستنبط أستنباطين لهما ثالث: ألأول. إلغاء فرضية إن السيارة أنفجرت به أثناء عملية التفخيخ، فهذه فرضية هزيلة لاتصمد للجدل. ومحسومة ضد معادلات المنطق والتحليل. ثم لو كان الأمر على تلك الشاكلة لنجمت أضرار( مادية ويشرية ) تفوق أضعاف الأضرار المصرحة بها. الثاني. لايمكن أن يٌصفى هكذا شخص بأسلوب هو يدركه عن بعد، ويحتاط له، ويصول ما بين ثناياه كالمائع، لذا ينبغي أن يٌغتال بأسلوب لايطاله تصوره، ولاتتجسم أمام ناظريه لأول وهلة ( كالسم مثلاً أو مادة صيدلانية ). ثالثاً. إن السيارات ذات الدفع الرباعي تتكشف للعين المحترفة المتمرسة أكثر مما هو الحال عليه لدى السيارات الأخرى، لاسيما إذا كان السيد عماد مغنية هو صاحبها.
المصوغ الرابع. إن حدس طريقة القتل يفضي بنا إلى نتائج مغايرة، لو كان الأمر قد تم من خلال القتل بالرصاص ثم التكملة بعملية الأنفجار، لكانت كفة الأستخبارات السورية هي الراجحة. أما لو كان الأمر قد تم بمساعدة ( مادة صيدلانية ) ثم أستكمل بعملية الأنفجار، لكانت كفة الأستخبارات الإيرانية هي الراجحة..لماذا هذا التصور؟؟
في مطلق الأحوال ما كان بالإمكان الأعتماد على عملية الأنفجار فقط، لإن أي ريب من السيد عماد مغنية مفاده هجره لوكره إلى الأبد وإختفائه في الظلام. ثم الأعتماد على عملية القتل بالرصاص لوحدها، معناه سلب حجة تبرير ( العمل الأسرائيلي ) من يد الأستخبارات السورية تجاه حزب الله. وسلب أيضاً ذريعة تفسير ( العمل الأسرائيلي ) من يد الأستخبارات الإيرانية تجاه سورية.
هذا فيما يتعلق بوقائعيات الحدث، أما فيما يخص ذهنيته، فدعونا نسرد الآتي:
أولاً. هذا الحدث من زاوية طبيعته هو عمل استخباراتي بحت وبحتاج في تنفيذه إلى قرار سياسي رفيع المستوى، وأي مستوى!! ولا أعتقد إن أستخبارات الولايات المتحدة ولا الأستخبارات الأسرائيلية كانت قد أمت وقصدت هذا النحو المكاني، بل إن قتله فاجأ الأثنتين.
ثانياً. لو كانت ألأستخبارات الإسرائيلية هي التي خططت ونفذت، لما ترددت لحظة في إشهار ذلك وحتى الأفتخار به ليس رداً فقط على نتائج حرب تموز عام 2006، إنما ليطمأن المجتمع الأسرائليي إن النشاط الأستخباراتي مازال في وضع حميد، وإن إختراق الترسانة السوربة في متناول يدها. إضافة إلى جملة تصورات أخرى تتعاقب كالرتل......
ثالتاً. لو كانت استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية وراء هذا الحدث لصرحت بذلك منذ البداية دون وجل أو خشية، لاسيما إنها هي التي رصدت مبلغاً قدره خمسة ملايين دولار، ثم فيما بعد رفعت سقفه إلى خمسة وعشريناً مليوناً، لفاء فقط الدلالة على مكان تواجده...
إذن، ومن هذه المعطيات، ندرك إن هذا الحدث محصور ما بين جهتين. الأولى: الإستخبارات الإيرانية يقرار سيادي سياسي من إحدى المراجع العليا ولأسباب ينبغي أن تخص العمق الإيراني ( التعدي على مقولة الأمن القومي الإيراني، أو إفشاء أسرارقومية في غاية الخطورة، أو العمل في اتجاه معادي للمؤدلج الإيراني ) الثاني: ( الجهة السورية ) شخصيات استخباراتيه سورية بقرار لاسياسي ولاسيادي إنما مصلحي، ومصلحي بحت، وصادر من شخصين أثنين لاثالث لهما لأنهما، في الحقيقة، وحدهما القادران على تحمل نتائج هذا القتل...بيد إنني، وبكل شفافية، أرجح كفة الإستخبارات الإيرانية، ولاسيما القرار السياسي ( للمرجع الأعلى )...لماذا؟؟...وما هو فيصلنا في الفرز ما بين الجهتين؟؟... دعونا
نعالج المعضلة بأقتضاب وجيز...
أولاً. إن السيد عماد فائز مغنية لم يكن قاتلاً مأجوراً، ولاشخصية تحت الطلب، إنما شخص عقائدي صيا إلى تحقيق غايات يوسائل ( إجرامية ) تتعارض مطلقاً مع ذهنيتنا في فهم ~ السلم، السلام، الأمن، الديمقراطية، الحوار ~..
ثانياً. إن له استقلال نسبي في شخصيته، لذلك نستوعب تنقله المكاني والسياسي من بيروت ( حركة فتح، حركة أمل، حزب الله ) إلى أيران ( الحرس الثوري ) إلى العراق ( العلاقة مع المنظمات الإرهابية ) { حيث صرح أكثر من مسؤول إيراني يالحرف: إنه لاينفذ أوامرنا، ولا يتقيد بتعليماتنا، إنه بتجاوز الحدود...مجلة العالم الديبلوماسي } إلى سورية حيث الهدنة مع الأطراف الثلاثة...حيث الفخ...وحيث القوة والنفوذ، وحيث استحواذه على وضع خاص ( الشخصية الأمنية الثالثة، الشخصية التي تحرك الخطوط السوداء )..
ثالثاً. تسربت أخبار مؤخراً تفيد إن سورية قد ( تسرب هي الأخرى أخباراً ذات خطورة تتعلق بأمور في أيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق شخصية أرجنتينية الأصل للتأثير في مسار المحكمة الدولية )...كيف ذلك؟؟!!
من المؤكد إن سورية لاتملك معلومات دقيقة حول أسرار أيران التي عمفها موصود للأستخبارات الأولى، وبالعكس إن تلك الثانية تمسك بقوة بخناق سورية، فالساحة السورية مكشوفة لها، وبمقدورها أن تلج الأعماق..وهي تمارس ذلك ولا تتورع في تحريك شخوصها في سوريا ولبنان ( تذكروا معي الأخبار الأخيرة يصدد وضع السيد حسن نصر الله )، إذن لو صدقت تلك التسريبات لكان السيد عماد مغنية هو الشخص ( الوحيد ) لتلبية الرغبة السورية...
رابعاً. خطاب السيد حسن نصر الله في تشييع السيد عماد مغنية: إن المتمعن المسبر لغور هذا الخطاب يدرك بكل وضوح كم هو خطاب أيراني شكلاً ومضموناً، وكأنه تلقى ~ هو الآخر ~ درساً. بل كأنه يدرك إن أيران هي التي قتلت...
خامساً: لو تأملنا الأطراف الثلاثة ( أيران، سورية، حزب الله ) وعلاقاتها الأساسية فيما بينهما، لأدركنا بكل بساطة إن سورية غير قادرة على تصفية شخص تابع ل ( أيران، حزب الله )، بالمقابل تفعلها أيران بلا تردد..
سادساً. تشكيل لجنة أيرانية ~ سورية مشتركة للتحقيق في الحادث. هذا يؤكد من جانبه أن أيران تريد تصفية الأمر، وإلا ما فائدة هذه اللجنة إذا كانت سورية وأيران متأكدتان من أن أسرائيل هي التي قتلت؟؟!! ثم ألم يعلن السيد حسن نصر الله أنها سنكون حرباً مفتوحة لأن أسرائيل هي التي أغتالت؟؟ًً!! وإذا لم تكن أسرائيل فمن غير سورية ~ أيران يا ترى؟!
بالنتيجة: تصديقاً لأسلوب الحدث، وتحكم أيران في المسارين ( السوري، حزب الله )، والوضع الأستثنائي لما كان يتمتع به السيد عماد مغنية في سورية، والأشكالية التي بات يشكلها السيد عماد لأيران، أعتقد إن أيران التي قامت بتصفيته، وإن السيد حسن نصر الله أدرك ذلك تمام الأدراك.........
هيبت بافي حلبجة
التعليقات