فيما تتضارب تصريحات المسؤولين الأتراك( حكومة حزب العدالة والتنمية) بشأن القيام بعملية عسكرية كبيرة تطال اراضي اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق)، تبدو الحكومة الكردية في الإقليم وقد اتخذت قراراً قطعياً بالتصعيد ضد العمال الكردستاني وquot;وجودهquot; في الإقليم والعراق. وقد انطلقت تصريحات تصعيدية من كبار المسؤولين في الإقليم ضد العمال الكردستاني في الفترة الأخيرة. وباستثناء التصريح الذي اطلقه كوسرت رسول، الرجل الثاني في الإتحاد الوطني الكردستاني، والذي رفض فيه وسم العمال الكردستاني بالإرهاب، فقد صبت كل التصريحات والمواقف الأخرى المياه في طاحونة الأتراك.

وجاء هذا الإنقلاب النوعي في موقف حكومة اربيل مباشرة بعد لقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بالرئيس الأميركي جورج بوش في واشنطن 5/11/2007 حيث بدأت السلطات الكردية الإقليمية باتخاذ عدة اجراءات ضد العمال الكردستاني وquot;الأحزاب التابعة لهquot; في الإقليم:

1ـ اغلاق مقار حزب الحل الديمقراطي الكردستاني في اربيل ودهوك اذعاناً لضغوط تركية. وهذا الحزب عراقي ومنتسبوه عراقيون وهو شارك في كل الإنتخابات التي جرت في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. واغلاق حزب الحل، رضوخا لتهديدات الأتراك، هو وصمة عار في جبين quot;ديمقراطية العراق الجديدquot;، لأنه حتى تركيا تقبل نواباً من quot;واجهة العمال الكردستاني السياسيةquot; في برلمانها، بينما تجبر العراقيين على اعتقال حزب عراقي معترف به دستورياً...

2ـ فرض حصار ومراقبة دائمة على مخيم مخمور في اربيل، وهو المخيم الذي يضم اكثر من 10 آلاف كردي من كردستان الشمالية( كردستان تركيا) نزحوا للإقليم لرفضهم الإنخراط في صفوف ميليشيات حماة القرى العميلة للجيش التركي ومحاربة ثور العمال الكردستاني. وهؤلاء كلهم من انصار الثورة الكردية الشمالية.

3ـ نشر اعداد كبيرة من قوات البيشمركة على طول الحدود مع منطقة جبل قنديل ومنع القرويين من نقل المواد الغذائية quot;التي تزيد عن حاجتهمquot;، والذهاب باتجاه فرض حصار متكامل على المنطقة كما هو ظاهر. فضلاً عن جمع المعلومات حول نقاط تمركز المقاتلين الكرد وquot;تحديد اماكنquot; القيادات الميدانية الكبيرة في العمال الكردستاني. وتتحدث بعض المصادر عن تشكيل اكثر من 30 الف عنصر بيشمركة طوقاً عسكرياً محكماً حول منطقة قنيدل الجبلية.

ولعل هذه الخطوات هي التي دفعت اردوغان الى القول quot;ان التضييق على العمال الكردستاني بدأ يطرح ثماره الآنquot;. كما كان الدافع الأبرز وراء التصريحات الإستفزازية التي اطلقها الرئيس التركي عبدالله غول وقال فيها quot;ان مسعود البارزاني قد عاد اليه العقل السليم وبدأ يتحرك بالشكل المطلوبquot;. وكان مراد قره يلان المسؤول الأول في العمال الكردستاني قد حذر في بداية الأزمة من ان تركيا تريد quot;ان تجني الثمار بالضغط والتهديد ودون ان تحرك جيشهاquot;. وهو ما يحصل الآن للأسف..

كما سمعنا تصريحات نارية من نيجيرفان البارزاني رئيس وزراء حكومة الإقليم ضد العمال الكردستاني نبشت بعضها في التاريخ القديم وquot;ارثquot; الإقتتال الكردي ـ الكردي غير المقدس ذاك، قابلتها تصريحات قوية لجميل باييك نائب رئيس اللجنة القيادية في حزب العمال الكردستاني. الأمر الذي جعلنا نضع يدنا على قلبنا مخافة حدوث مواجهة كردية ـ كردية يكون الكرد في كل مكان هم الخاسرون فيها، وتكون تركيا هي الرابحة الكبيرة، وهي التي حققت اهدافها من دون ان تحرك دبابة واحدة باتجاه داخل الإقليم او تخسر جندياً واحداً.

في هذا الوقت العصيب قرأنا ان رئيس الإقليم مسعود البارزاني قد غادر الى اوروبا. وكان البارزاني قد ادلى بتصريحات قوية عبرت عن دواخل كل كردي، رفض فيها التهديدات التركية وسياسة الغطرسة والإستكبار ضد الكرد. البارزاني كذلك رفض وسم العمال الكردستاني بالإرهاب، وقال انه لن يسلم اي مسؤول فيه لتركيا. كما دعى انقرة للتحاور مع قياديي العمال الكردستاني من اجل حل القضية الكردية في كردستان الشمالية مبيناً بان هذا الأخير اعلن مراراً وفي السنوات الخمس الأخيرة عن وقف احادي الجانب لإطلاق النار، واعلن استعداده للحل السلمي الديمقراطي. لكن تركيا هي التي ترفض. كما رحب البارزاني بقرار اطلاق سراح جنود الجيش التركي الثمانية الذين وقعوا في اسر المقاتلين الكرد اثناء تصديهم لتوغل عسكري تركي في منطقة اورمار وقال quot;انه وحسب علمي فإن الجيش التركي هو من بادر بالهجوم والعمال الكردستاني رد عليهquot;. وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني قد رفض التهديدات التركية وقال انه quot;لن يٌسلم حتى ولو قطة كرديةquot; للأتراك.

تصريحات البارزاني ومواقفه عبرت عن مصلحة الكرد الحقيقية. وهذه التصريحات ليست مغامرة غير محسوبة كما يحلو لبعض الناس توصيفها، لكنها رد شرعي وطبيعي على الغطرسة التركية وسياسة انقرة المعادية للإقليم. فحتى لو اتفقت تركيا مع حكومة الإقليم وعملا سوية ضد قوات حزب العمال الكردستاني فإن انقرة لن تتعاون مع الكرد في العراق ولن تقبل بquot;وضعهم الخاصquot; ولن تقبل بضم كركوك الى الإقليم، وهي التي تصف الفيدرالية الكردية بالخطر الإستراتيجي الأكبر على وحدتها( انظر تقارير مجلس الأمن القومي التركي). وقد يقول قائل هنا ان الولايات المتحدة الأميركية هي التي ضغطت على القيادات الكردية في كردستان واجبرتها على تغيير مواقفها من التهديدات التركية وفرض الحصار الشديد على العمال الكردستاني. وهكذا ضغوط حدثت بالفعل. لكننا نتساءل هنا: اين هو القرار الكردستاني المستقل، واين هي مصلحة الإقليم التي قد لاتتطابق مع المصالح الأميركية دائماً؟. وهل يعني هذا ان ضغطاً اميركياً مشابهاً بخصوص كركوك، سيدفع بالقيادات الكردية الى التنازل عن المدينة والتقهقر للوراء بحجة وجود معارضة اميركية قوية لضمها للإقليم؟. ثم اذا كان الأميركان يحتاجون للكرد ودورهم في العراق والمنطقة، ونحن نشاهد كل هذا الإرتهان الكردي لأوامرهم، كيف الحال غداً اذما انسحبت اميركا من المنطقة، او تضادت مصالحها مع المصالح الكردية العليا؟.

ثمة ملاحظتان حين تدارس الوضع السياسي في اقليم كردستان العراق. الأولى: ارتهان القرار السياسي الكردي لدى واشنطن. الثانية: الإرتباط الإقتصادي، لحد التبعية، بتركيا. يخال للمرء وهو يتابع سير السياسة في الإقليم الكردي الشبه مستقل منذ 1991 انه لايوجد تخطيط للمستقبل ولاتوجد مراكز ابحاث كردية استراتيجية quot; تنورquot; الطريق امام صانع القرار الكردي، لرسم الخطوط الإستراتيجية العامة، حسب المصالح الكردستانية، مثلما هو الأمر في كل العالم.

البعض يتحدث عن اقصاء حزب العمال الكردستاني والعمل مع الحكومة التركية على quot;ابتداعquot; وquot;تفصيلquot; احزاب او قوى كردية اخرى في كردستان تركيا لتحل محل العمال الكردستاني. وهذه امنية لن تتحقق ابداً. فحزب العمال الكردستاني ليس فقط مجموعة من المقاتلين المتحصنين في رؤوس الجبال يمكن قتلهم او فرض حصار عليهم لعزلهم ودفعهم للإستسلام. حزب العمال الكردستاني منظمة كبيرة لها مئات الواجهات السياسية والإجتماعية والثقافية في داخل كردستان الشمالية وتركيا واوروبا. للحزب قاعدة شعبية تعدادها الملايين من الكرد في اجزاء كردستان الأربعة. لن يرضى الشعب الكردي في كردستان الشمالية باي بديل عن العمال الكردستاني وعن حزب المجتمع الديمقراطي: القوة السياسية الرابعة في تركيا كلها، والممثل ب23 نائباً في البرلمان التركي. واي محاولة لإستيلاد نماذج مشوهة وتصديرها للمشهد السياسي باسم الكرد، لتحل محل العمال الكردستاني والمجتمع الديمقراطي، ستبوء بالفشل حتماً.

ثمة الان محاولات تركية لحظر حزب المجتمع الديمقراطي ورفع الحصانة عن نوابه، وهذه المحاولات تأتي في اطار الحملة الموتورة الرامية للتأثير على شعبية الحزب وضرب قواعده لتهيئة المخطط الموضوع لخلق البديل له، وتسويقه للعمل مكانه. وهذا المخطط يٌراد ان تشارك فيه الأحزاب الكردية العراقية ايضاً...

حزب المجتمع الديمقراطي نظم تظاهرات كبيرة في كل من مدن quot;وانquot; وquot;باتمانquot; وquot;دياربكرquot; في كردستان الشمالية، شارك فيها مئات الالاف من انصار حزب العمال الكردستاني. التظاهرات جاءت للتضامن مع زعيم الحزب الأسير عبدالله اوجلان والمطالبة بتحريره، والتنديد بالتهديدات العسكرية التركية، وبقرار المحكمة الدستورية العليا النظر في الدعوة المقامة لحل الحزب..

عشرات الآلاف من الأكراد يتظاهرون في دياربكر امس لتأييد حزب العمال الكردستاني
الوضع خطير جداً والكل امام مسؤوليات تاريخية كبيرة الآن. والأنظار تتطلع الى مسعود البارزاني الآن ليضع النقاط على الحروف من جديد والتمسك بموقفه المبدئي في رفض العمل ضد العمال الكردستاني.

قوات حزب العمال الكردستاني هناك في قنديل، فلتتفضل تركيا وتذهب لمحاربتها. وليس من مهمة بيشمركة كردستان العراق محاربة العمال الكردستاتني نيابة عن تركيا، والجيش التركي، ثاني اكبر قوة في حلف الناتو، فشل في القضاء عليه طيلة ثلاثة وعشرين عاماً.

الإقتتال الكردي ـ الكردي يجب ان يكون خطاً احمراً. والكرد لن يسامحوا اي طرف يبدأ في التصعيد واشعال الجبهة الكردية ـ الكردية. ونحن هنا نراهن على دور السيد مسعود البارزاني وننتظر كلمته الفصل في رفض التعاون مع الأتراك ضد العمال الكردستاني، والتصدي لأصحاب المصالح التجارية مع الأتراك ونظرياتهم القصيرة النظر، وكذلك رفض نصائح جوقات الكتبة واسراب المثقفين والساسة المفلسين، الذين ينشدون الصراع الكردي الداخلي ليعتاشوا عليه..

الكرة في ملعب البارزاني الآن. والكرد كلهم ينتظرون كلمته...

طارق حمو
[email protected]