توقفت طويلا أمام قرار الزعيم الكوبي فيدل كاسترو (82 عاما) بالتنحي بعد 49 عاما قضاها في الحكم متخليا عن منصبه لشقيقه الجنرال راؤول كاسترو نائبه الأول ووزير الدفاع.


كان واضحا أن الرجل اتخذ قراره تحت وطأة مرض السرطان الذي دفعه قبل عامين لمنح شقيقه الأصغر معظم صلاحياته الرئاسية.. ومع أنه أجل قراره أكثر من مرة بسبب ولعه بالسلطة لكن تدهور حالته الصحية ومصلحة الدولة دفعتاه للتنحي مرغما!
وقد ظل مرض كاسترو سرا من أسرار الدولة لفترة طويلة بعد أن نجحت الحكومة في التعتيم عليه بنشر صور ولقطات تليفزيونية مركبة للزعيم في المناسبات العامة.


عملية انتقال السلطة في كوبا لم تواجه أية مشكلات فراؤول (76 سنة)هو النائب الأول للرئيس ووزير الدفاع والداخلية والسكرتير الثاني للحزب الشيوعي وقائد القوات المسلحة الثورية التي تعتبر أهم من الحزب الشيوعي.
وفي أول خطوة بعد التنحي قرر البرلمان الكوبي الذي يضم 614 عضوا انتخاب الجنرال راؤول كاسترو رئيسا للبلاد وسط توقعات بعدم إجراء أية إصلاحات سياسية لاستمرار مدرسة الحزب الواحد!
قرار كاسترو بالتنحي يحمل أكثر من دلالة.. فالرجل حكم بلاده 49 عاما بدون انقطاع واجه خلالها أكثر من 100 محاولة اغتيال وحصارا اقتصاديا أمريكيا استمر 47 عاما دون أن يفكر لحظة واحدة في التخلي عن السلطة.
فمنذ إطاحته بالرئيس باتيستا بانقلاب عسكري في عام 1959 قام بتركيز كل السلطات في يديه فأصبح رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وأمين عام الحزب الشيوعي ورئيس الأركان.
وتعامل الرجل مع كوبا باعتبارها quot;عزبةquot; مملوكة له وبفضل القوات المسلحة الثورية والحزب الشيوعي وأجهزة الدعاية واللجان الثورية أحكم سيطرته على البلاد وسط انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان مما دفع آلاف الكوبيين المنشقين للهرب إلى الخارج.
وبرغم الحصار الأمريكي المفروض على بلاده منذ عام 1960 تمكن كاسترو من الصمود بفضل المساعدات السوفيتية والصينية والمعونات التي قدمتها بعض دول أمريكا اللاتينية والتقشف الصارم الذي فرضه على الجميع باستثنائه هو والمجموعة الحاكمة.
صحيح أنه نجح في القضاء على الأمية وتحديث الرعاية الصحية وزيادة النمو الاقتصادي إلى 7% سنويا لكن البنية الأساسية تدهورت وعانت الخزانة العامة من الإفلاس لدرجة استيراد البترول والغذاء من الخارج مقابل خدمات العمالة الكوبية.
ومع استفحال مشكلة الفقر أصبحت كوبا مركزا للسياحة الجنسية للسائحين القادمين من أوروبا وكندا وأمريكا اللاتينية كما أصبحت مركزا للاتجار غير القانوني في النساء والأطفال لأغراض جنسية.
وبرغم ما يتردد عن أسطورة الزعيم الذي تحدى الإمبريالية فلابد من الاعتراف أن الكوبيين دفعوا ثمنا فادحا من حريتهم ورفاهيتهم بسبب استبداده وسياساته غير الواقعية وفشله في كسر الحصار الاقتصادي.
والآن وبعد قراره بالتنحي هل يجد كاسترو الوقت الكافي لتأليف كتاب بعنوان quot; كيف تحتفظ بالحكم 49 عاما رغم الحصار والمؤامرات ومحاولات الاغتيالquot;؟!
إنها حكاية كوبية تستحق بالفعل أن تروى!


* كاتب وصحفي من مصر
[email protected]