و أخيرا، تحقق الحلم و حصل إقليم کوسوفو ذو الاغلبية السکانية من أصل ألباني على الاستقلالquot;الذي بات إعلانه مسألة وقتquot; و إنفصل عن دولة صربياquot;عملياquot; الذي طالما أذاقته الامرين خلال العقود الماضية. هذا الاستقلال و إن جوبه بکارت أحمر روسي و بالعديد من المحاولات المستميتة خلف الکواليس، لکنه وفي نهاية الامر صار أمرا واقعا لتضاف دولة مستقلة أخرى الى القارة العجوز. تحول هذا الاقليم الصغير الذي يکاد يکون بحجم بلجيکا و سکانه لا يتجاوزون المليون نسمة، الى دولة، قد فتح برأي العديد من المراقبين و الساسة و المحللين الطريق أمام إستقلال مناطق أخرى مثل إقليم کوردستان و القسم الترکي من جزيرة قبرص.

وعلى الرغم من ان المصاعب التي تواجه إعلان إستقلال تلکما المنطقتان الساردتي الذکر، تصل الى درجة بالغة من التعقيد و تتداخل فيها العديد من الاجندة المتناقضة، لکن الامر لايصل في نهاية المطاف الى درجة الاستحالة، بل هو أمر له إحتمالاته و لعل بروز الدور اليوناني و الترکي على هذا الصعيد، هو أحد العوامل التي يجب الالتفات إليها و إيلائها الاهمية اللازمة. وزير الخارجية اليوناني الذي نوه في تصريح سابق له الى إحتمالات إستقلال مناطق أخرى مثلquot;إقليم کوردستانquot;وquot;قبرص الشماليةquot;، فقد کان يسعى لتحذير العالم من مغبة دولنةquot;الاقاليمquot;و منحها حجما أکبر من الذي تستحقه وهو بهذا کان يلمح الى ترکيا انه و في حالة عملها من أجل إنفصال قبرص الشمالية عن الجزيرة الام، فإنها ستعمل کل مامن شأنه من أجل إستقلال إقليم کوردستان العراق والذي يعتبر بمثابة کابوسا يؤرق ساسة و جنرالات أنقرة بشکل دائم. وتبدو الاحتمالات کلها تسير في سياق إحتمال إعلان إستقلال قبرص الشمالية بعد أن وصلت کافة الحلول المطروحة على الساحة لحل الازمة القبرصية الى طريق مسدود تماما، و تدرك ترکيا جيدا أن اعلان إستقلال جزء من جزيرة صغيرة سوف يؤجج المشاعر القومية لدى الشعب الکوردي للحصول على إستقلالهم أيضا، کما ان ترکيا تدرك أيضا ان العديد من الدول و الاوساط السياسية سوف تتدخل و تسعى لکي تلعب بالورقة الکورديةquot;کل حسب مصلحته و وفق أجندتهquot;، ولذلك فهي تسعى للعمل على کل مامن شأنه إضعاف إحتمال إستقلال إقليم کوردستان أولا و وضع معوقات کبيرة في وجه هذا الاستقلال. وفي هذا السياق، تسعى ترکيا لأقلمةquot;مدينة کرکوكquot;و تسعى من خلال الجبهة الترکمانية التي تحظى بدعم مکشوف و علني من جانب الدوائر الاستخبارية الترکية الى طرح مشروع أقلمة کرکوك على الاصعدة المختلفة سيما الصعيدين العربي و الاسلامي اللذين لم يکونا يوما من الايام حليفا أو سندا لأي تطلعات تحررية داخل العالم العربي و الاسلامي وکانا على الدوام ظهيرين لمختلف الانظمة الاستبدادية و الشمولية في قمعها لشعوبها و کل الذين ينهضون بوجه تسلطها و جبروتها.

ان سعي ترکيا لطرح المخاوف الترکمانية و العربية من quot;البعبعquot;الکوردي عند إلحاق المدينة بإقليم کوردستان، هو أمر تدرك مختلف الاوساط المطلعةquot;کذبهquot;وquot;زيفهquot;و ليس خافيا أبدا من انه بمثابة قميص عثمان الذي ترفعه ترکيا من أجل مصالحها و أجندتها الخاصة قبل أي امر آخر. وتؤکد أوساط واسعة الاطلاع، ان السعي الترکي لأقلمة مدينة کرکوك يأتي بعد أن بات لها شبه يقين بحتمية إستقلال إقليم کوردستان خلال السنين القادمة، وهي تسعى من خلال سيناريو أقلمة کرکوك اللعب على أکثر من حبل ذلك أن إقليم کرکوك لو نجحت ترکيا في تحقيقه فسوف يکون بمثابةquot;قبرص شماليةquot;أخرى لترکيا تلعب به و تحرکه وقتما تشاء مصالحها بوجه من تشاء من الدول. وهذا الامر تدرکه جيداquot;دول عظمىquot;محددة و تتخوف من النوايا الترکية. کما ان إقليم کرکوك سيکون طوقا إستخباريا و حتى إقتصاديا ضد إقليم کوردستان. وفي نفس الوقت، فإن السعي الترکي المحموم هذه الايام لتصفية ورقةquot;حزب العمال الکوردستانيquot;قد وصل أوجه لکن من دون أية نتيجة حاسمة أو کبيرة، وقد يکون نقطة ضعف حساسة في الخاصرة الترکية عندما تصل الامور الى درجةquot;الغليانquot; ويقينا أن کل ذلك الدعم الامريکي و الاسرائيلي المقدم لحکومة السيد رجب طيب أردوغان، لم يحققا لحد الان ولن يحققان أبدا الطموح الترکي بإنهاء و تصفية الورقة الکوردية من أساسها، وان واشنطن و تل أبيبquot;بحسب رأي المراقبينquot; لن تغامرا الى آجال غير معلومة خلف السيناريوهات العسکرية الترکية. ولذلك، فإن ترکيا لاتملك حاليا خيارا أفضل من ذلك الذي تعمل من خلاله لأقلمة کرکوك تمهيدا لترکنتها.

نزار جاف

[email protected]