لم تتحقق آمال ومقولة الرئيس الصربي سلوبدان ملوسوفيتش في نوفمبر عام 1989 بعد ان الغى الحكم الذاتي الذي حظي به أقليم كوسوفو من قبل الرئيس جوزيف بروز تيتو وفقاً لدستور 1974 عندما قال ( نحن مستعدون ان نضحي بثلاثمائة ألف مقاتل صربي لإستأصال الاسلام من سراييفو الى مكة ).


لقد جاء يوم 18-2-2008 مخيباً لآمال هذه المقولة، في هذا التاريخ ودع الكوسوفيون اعتى صفحة تاريخية ظالمة مورست بحقهم من قبل الجيش الصربي تكثفت حملتها اللاانسانية بعد ان نظم الكوسفيون انفسهم عام 1990 لمجابهة الاضطهاد الصربي عقب الغاء الحكم الذاتي ثم أجراء الاستفتاء لأنفصال الاقليم وانتخاب ابراهيم روغوتا رئيساً لجمهورية كوسوفوعام 1992 فمورس بحق اهالي الاقليم ابشع الجرائم ضد البشرية.


يعتبر المحللون ان الكوسوفيين المسلمين الذين يشكلون نسبة 93 % من مجموع السكان البالغ 2.5 مليون شخص تذقوا اخيرا حلاوة الاستقلال وان كان من جانب واحد الامر الذي ادى الى تداعيات كبيرة كما انه اثار جدلاً سياسياً واسعاً من قبل المجتمع الدولي مابين القبول والرفض ومابين المطالبة من قبل كيانات عرقية تنتشر بالعالم ترغب هي الاخرى في الاستقلال والعمل بمثل كوسوفو ومن بين هؤلاء صرب كوسوفو في شمال الاقيم الذين يشكلون نسبة 7% من المجموع الكلي


الكوسوفيون ومنذ اعلان برلمانهم حالة الاستقلال واعلان دولة كوسوفو دولة مستقلة ذات سيادة تحترم باقي الاقليات في - اشارة الى مئة الف صربي داخل الاراضي الكوسوفية ndash; منذ تلك اللحظة يكونوا قد دخلوا مرحلة وعصراً جديداً وحياةً ظاهرها تتسم بالفرح والزغاريد رسمياً وشعبياً وباطنها اسئلةُ كثيرة لمستقبل غامض وهواجس محتملة من هجمات قد تشنها مجموعات عرقية من قبل الصرب بحقهم.


الاستقلال الذي حصل عليه الاقليم لم يتحقق بجهود كوسوفية منفردة بل جاء برعاية دولية ووصاية اممية امريكية نصف اوربية تلخصت بعد ان اجبر حلف الناتو الجيش الصربي في آذار عام 1999 من الانسحاب مرغماً خارج الاراضي الكوسوفية بعد ان شنّ الحلف طلعات جوية مكثفة وواسعة عليه وبقي الاقليم منذ ذلك التاريخ وحتى اعلان الاستقلال تحت الحماية والرعاية الدولية مما يفسر ان الحكومةالعلمانية برئاسة هاشم تاجي في برشتينا لابد لها ان تخضع الى التزامات واجندة امركية معينة.


طبيعة الطريق الذي ادى الى الاستقلال منذ بدايته كان شائكاً واكثر التوقعات سيبقى وعراً وشائكاً فالتحديات التي تنتظر هذا الاقيم الذي لاتزيد مساحته 11 الف كم مربع كثيرة واهم هذه التحديات هي صراع المصالح الدولية المتداخلة التي يمكن ان تؤثر على استقرار البلد ومدىامكانية التعامل مع صرب الداخل وكسبهم لأجل تحسين الوضع الامني حتى يتمكن الاقليم من اللحاق بركب الانضمام في دائرة الاتحاد الاوربي لتحسين الوضع المعاشي والنهوض الاقتصادي فالاقليم يعد الاكثر فقراً عن كل باقي الدول الاوربية حيث تتجاوز معدلات الفقر فيه الى 37%


اهم المشاكل التي يواجهها الاقليم حالياً هي ورقة الرفض الصربي لهذا الاستقلال. فصربيا المدعومة من روسيا لأسباب وروابط عرقية ومذهبية ( ارثذوكسية ) مشتركة اضافة الى المصالح السياسية رفضت الاستقلال بشدة واعتبرته غير شرعياً وغير اخلاقياً وينافي القوانين الدولية بما فيها قانون 1244 لعام 1999 الذي يعتبر كوسوفو جزءاً لايتجزء من الاراضي اليوغسلافية الصربية. الصرب الذين بدءوا السيطرة على كوسوفو عام 1912 يعتبرون ان ارض كوسوفو هي مهد حضارتهم وتراثهم التاريخي وان فيها اهم الاديرة والكنائس الصربية لذا تقول بعض المصادر ان البطريك الصربي في مناسبة عيد الميلاد دعى الصرب في كوسوفو الى الصمود والمقاومة لأنهم لوخسروا كوسوفو ستكون صفحة كارثية سوداء في كل تاريخهم.


هددت صربيا بأنها ستتعامل مع الموقف بإسلوب سلبي والاسلوب السلبي يعني انها من الممكن ان تستخدم كل الاساليب المتاحة منها ورقة الصرب في داخل كوسوفو في تحريضهم ضد الحكومة الوليدة في برشتينا أو التسلل الصربي المسلح من الجهة الشمالية التي تحد بكوسوفو وبالرغم من ان قوات حفظ السلام الدولية اكدت انها ستسيطر على منابع ومعابر التسلل الشمالية تخوفاً من أيّ هجمات عرقية محتملة أو القيام بأعمال تخريبية اخرى لكن في كل الاحوال يبقى هاجس التخوف الامني بمثابة تحدي يزعزع الجانب الامني ويذكرهم بالمجازر التي ارتكبها ملوسوفتش بحقهم ينغص عليهم حلاوة الاستقلال.


الاسلوب الاخر الذي هددت صربية بأستخدامه هو فرض عقوبات اقتصادية على كوسوفو تتضمن قطع الكهرباء وخطوط البنى الاساسية المتواصلة بينها وبين كوسوفو لكن هذا التهديد قد لايجد له طريق منطقي لوجود 100 الف صربي داخل كوسوفو يمكن ان يتضرروا اضافة الى ان الاقليم له حدود متاخمة اخرى داعمة له ولاستقلاله كألبانيا والجبل الاسود ومقدونيا لكنه يبقى احد الخيارات الصربية المستخدمة ضد الاقليم يمكن ان يتأثر بها اقتصادياً بمعدلات نسبية.


الاستقرار الامني والنهوض الاقتصادي سوف لن يكون سهلاً مادام الاستقلال لم يأتي بجهود وطنية منفردة، ومادام هناك مصالح اجندات امريكية روسية اوربية فالولايات المتحدة لم تحرر كوسوفو حرصاً على مسلمي الاقليم لكن يمكن ان يكون ذلك بمجرد ذر الرماد في عيون المسلمين امام الهيمنة والمطامع الامريكية الصهيونية في منطقة الشرق الاوسط وافغانستان وايران.صراع الاجندة الاروسية الامريكية واضحة فأمريكا ترغب ان ترى الاتحاد السوفيتي بلداً ضعيفاً خاسراً كل امجاده وقدرته وقوته القديمة التي كان يحظى بها قبل انهيار الاتحاد و جدار برلين نحو اوربا الشرقية فتوسع حلف الناتو نحو دول الشرق الاوربي بمثابة الخاصرة الموجعة في الضلع الروسي.


اما بخصوص الاتحاد الاوربي فأمريكا لاتريد منه ان يتمتع بقوة كبيرة خاصة بعد اندماج الالمانيتين قوة تتمثل بوحدة العملة والسلاح والتوسع والنفوذ لذا لابد ان تشعر الاتحاد الاوربي وبخاصة الدول الكبرى منه ( كأنكلترا والمانيا وفرنسا وايطاليا ) انهم غير قادرين على حل مشاكلهم وقظاياهم بمعزل عن القوة الامريكية. لذا من هذه الاسباب برز اهتمام واشنطن بأستقلال كوسوفو. اضافة الى ان اقليم كوسفو يعتبرمن اخصب المناطق في البلقان واغناها بالثروة المعدنية بما كان ينتج في العهد اليوغسلافي السابق من الرصاص والزنك والفضة والحديد والنحاس والنيكل والمغنيسيوم ويزرع البنجر والقمح والشعير.

التبعات التي سيخلفها الاستقلال كثيرة لكن الاهم مافيها كيف سيتعامل الموقف الر وسي معه؟ وهل سيكون على مستوى الحدث؟ فبالرغم من ان المراقبين يرون ان الموقف الروسي قد يخضع للمساومات الامريكية إلاّ انه لازال يملك بيده خيارات واوراق عديدة يستطيع ان يراهن بها كقوة روسية لها ثقلها امام الحصان الامريكي الهائج وهي:
1 دعم صرب كوسوفو لزعزعة الاستقرار في الاقليم
2 تقوية علاقاتها مع صربيا الكبرى مما يدفعها الى ان تنأى عن شراكتها مع الاتحاد الاربي وهذا ما تتخوف منه اوربا.
3 قد تغير روسيا توجيه منظومتها الصاروخية بإتجاه اهداف عسكرية اوربية في حال استمرار واشنطن في خططها الرامية الىانشاء مظلة دفاعية صاروخية في بعض الدول الاوربية الغريبة من حدودها.
4 تستطيع روسيا في حال انعقاد مجلس الامن والتصويت على استقلال الاقليم ان تستعمل حق النقض الفيتو.

يعتبر بعض المحللين ان الاستقلال الذي اعلن من جانب واحد وبدعم امريكي يعتبرسابقة خطيرة في القانون الدولي قد يحذو حذوه آخرون في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق خاصة ساوث اوستينا وانجازيا في جورجيا أو اقليم الباسك في اسبانيا وقبرص في اليونان او الاحواز في ايران واقليم كردستان في العراق او اقليم الدافور في السودان. كما ان دول البلقان وبخاصة يوغسلافيا تتخوف من هذا الاستقلال وتحديداً البوسنة التي قد يهدد صربها بالانفصال والانضمام الى صربيا اضافة الى ان صربيي اقليم كوسوفو لايرغبون ان يكونوا تحت وصاية اهالي الاقليم المسلمين ويفضلون الانفصال بتقسيم الاقليم من الجهة الشمالية.

الكتلة العربية والموقف الصامت
بما ان التاريخ يركز دائماً عن وجود مشاكل وعلاقة سلبية متوارثة بين الصرب ومسلمي الالبان لذا يمكن ان يكون ذلك قد انعكس بعدم رغبة توثيق روابط بين المسلمين للعالم الاسلامي ككل وبين تلك المناطق في بقعة الالبان ومن ضمنها اقليم كوسوفو الذي كان يعتبرجزء من الاراضي الصربية، فأساساً لاتوجد روابط ملحوظة بين المسلمين بشكل عام ومع العرب بشكل خاص. لكن ذلك لايفسر اتخاذ الكتلة العربية جانب الصمت ازاء استقلال كوسوفو حيث لم تبدي أي من الدول العربية موقف معين. بعض المحللين يرون في هذا الصمت انه مادامت الامور لم تحسم بعد اضافة الى ان هناك ضبابية اوربية ازاء هذا الانفصال كما ان مجلس الامن لم يصوت بعد على قرار الاستقلال لذا هناك متسع من الوقت لإبداء الرأي العربي وغالباً مايكون مرهون بالقرار الامريكي. البعض الاخر رأى العكس انه مادامت الحكومة الكوسوفية الفتية في برشتينا ستكون مرهونة بأجندة امريكية أي بعبارة اوضح انها ستدعم الوجود الاسرائيلي وتبادر الى اقامة علاقة معه كما فعلت البوسنة قبلا لذا ليس من المصلحة حالياً الاعتراف السريع بها وعليها ان تصطف الان الى الجانب الاوربي المعارض كأسبانيا وغيرها بأتخاذ موقف السكوت. على اي حال الدول العربية تعلم ان قضية استقلال كوسوفو لاتمثل سوى صراعات لأجندات امريكية روسية اوربية ومادامت كذلك فمن الافضل ان لاتشبك نفسها بخيوط اولها وآخرها حياكة ونسيج امريكي الذي تقع تحت اعباءه كل مشاكل الشرق الاوسط كالعراق ولبنان وغزة.


يبقى ان هناك الاهم من كل هذه الحسابات وهي ان الكثير من الدول العربية لاتخلو من مشاكل جيوسياسية تعاني منها في داخل بلدانها والاعتراف المبكر الان قد يثير حفيظة الاقاليم التي تشعر الغبن او التي تختلف مع باقي السكان في اللغة او العرق او اربما احياناحتى بسبب المذهب.

خلاصة القول بعد ذكر التحديات الداخلية والخارجية والمواقف المتناقضة من المجتمع الدولي اتجاه استقلال كوسوفو هل سيستطيع سكان اهالي كوسوفو ان يتذقوا حلاوة العيش بأمان بمعزل عن الصرب وهل ستستطيع الحكومة الوليدة في برشتينا ان تقضي على كل المشاكل العالقة والقضايا المهمة بينها وبين بلغراد ابتداءاً من مشكلة اللاجئين الصرب الى المفقودين الالبان لتؤمن العيش بسلام وهل ستتمكن من كسب ثقة الاقلية الصربية في الشمال لتؤمن على حدودها الشمالية وبالتالي ستؤمن لسكانها العيش برخاء اقتصادي بعد ان تنال موافقة الانضمام تحت راية الاتحاد الاوربي.

ليلى البحراني

لندن