اعتقال السلطات المغربية لقيادات في حزب (البديل الحضاري) الإسلاموي إثر تورطها بالتستر على شبكة إرهابية تخطط للمساس بالأمن العام، لم يكن خبرا مفاجئا لمتتبعي عمل الحركات التي تتخذ من الإسلام شعارا للاستيلاء على السلطة.

من المعروف أن الأحزاب الإسلاموية عادة ما تدخل معترك الحياة السياسية وتلتزم بالقواعد الديموقراطية إلى حين أن تفوز بالسلطة فتعلن أن الديموقراطية كفرٌ من رجس الغرب وتُشهر أسلحتها في وجه السلطة والمجتمع.

التجربة تقول إن تلك الأحزاب تسعى إلى السلطة عبر خطين متوازيين: خطٌّ علنيٌ تمارس من خلاله السياسة بدخولها البرلمان والتزامها بقواعد اللعبة، وآخر سري حيث تنغمس في تكوين الميليشيات المسلحة وتبيض الأموال ونسج علاقات معقدة مع شبكات إرهابية دولية.

هذا ما حدث مع الإخوان في مصر قبل موضة المراجعات الفكرية ومن ثم الدخول في حوار مع السلطة. وهذا ما حدث في السودان، وفي عدد من الدول العربية.

في الجزائر عندما كانت تحصد الجبهة الإسلامية للإنقاذ أصوات المواطنين في الانتخابات البلدية صيف عام تسعين، كان نشطاؤها يحثوننا داخل الجامعة المركزية في العاصمة على الانضمام إلى معسكرات التدريب على الجهاد. وكان خط بيشاور- تونس، وبيشاور - الدار البيضاء يحمل المئات من الأفغان العرب الذين دخلوا عبر الحدود لنقل بركاتهم وتلقين تجاربهم للشباب الجزائري الناقم على السلطة. وما إن فازت الجبهة بالانتخابات التشريعية وأحسّت بالقوة، حتى قاد رجلها الثاني (علي بلحاج) مسيرةً نحو وزارة الدفاع وهو يرتدي بزة عسكرية مطالبا السلطات السماح له ولأنصاره بالسفر ل(الجهاد) إلى جانب صدام حسين، وسرعان ما اتضح أن المسيرة كانت لاستعراض العضلات وأن (الجهاد) موجّهٌ ضد السلطة.

الفرق بين الجزائر والمغرب هو أن السلطات الجزائرية استشعرت خطر الإسلامويين بعد أن وقعت الفاس في الراس، أما المغرب فقد حلّ حزب (البديل الحضاري) وتغذى بقادته قبل أن يتناولوه وجبة عشاء دسمة.

مما لا يتناطح فيه عنزان، أن الأحزاب الإسلاموية دائما ما ترفع شعارات اقتصادية و تُغلفها بتفسيرات دينية، فالعدالة والتنمية مصطلحان اقتصاديان. والإنقاذ يعني نجدة المواطنين من جحيم البؤس والفقر. وهكذا فإن تلك الأحزاب تستغل بؤس الطبقات الكادحة وشباب أحياء الصفيح لتُحوّلَهم إلى مجرد أحزمة ناسفة تقفز بين أسطح المباني.

قائمة المتورطين في شبكة (بلعيرج) تحمل في طياتها وظائف متعددة: فمن القيادي في الحزب إلى المهندس في الاتصالات إلى الجمركي والنادل في الفندق وربما إلى فتاة الليل. هذه الشبكات التي تنمو وتزدهر بالسطو المسلح والتجارة في المخدرات وتبييض الأموال أضحت أخطبوطا يلف أذرعه حول رقاب كل أفراد المجتمع وطبقاته.

أما الشعارات التي يرفعها فهي السبب في شراء ذمم بعض السّدج الذن حملوا السلاح ضد أوطانهم، وإذا كانت السلطات في المغرب و في أي عاصمة عربية تريد القضاء على هذا السرطان وإلى الأبد، فعليها أن تتولى تقديم البديل الحقيقي بنفسها، بأن تهتمّ بالشباب وتقضي على الجهل والفقر لسدّ أي فراغ يمكن أن يملأه سماسرة الأرواح باسم الحضارة والإنقاذ والتنمية والعدالة.

سليمان بوصوفه