ما بين خلافات السلطة والحكومة المقالة ضاعت القضية الفلسطينية

بادىء ذى بدء أريد أن أوضح للقارىء بعض من الوقائع التاريخية للصراع العربى الاسرائيلى مدعومة بالتواريخ والقرارات0
اليوم كل الحديث يدور حول خارطة الطريق التى تحفظت عليها إسرائيل والمبادرة العربية التى ترفض إسرائيل أكثر بنودها0
إن خارطة التاريخ تتألف من ثلاثة مراحل تتلخص بما يلى:
فى المرحلة الاولى : إعلان صريح بالاعتراف بدولة إسرائيل 000 ووضع حد للعنف الفلسطينى، وإعتقال الارهابيين وتفكيك بنيتهم التحتية ومصادرة أسلحتهم، وإغلاق هذه المصادر... ثم العودة الى التنسيق الامنى مع إسرائيل بإشراف أمريكى مصرى أردنى0
مقابل ذلك تعلن إسرائيل موافقتها على دولة فلسطينية ذات سيادة... ووقف هجمات جيشها على المدنيين والمنازل والبنية التحتية، وتسهيل الخطوات الاصلاحية الفلسطينية. الى جانب تفكيك quot; بعضquot; المستعمرات ووقف إنشاءها0 وإنسحاب الجيش الاسرائيلى الى مواقعه قبل الانتفاضة ( 28 سبتمبر 2000م )0
فى المرحلة الثانية ! بدء العمل عل إقامة الدولة الفلسطينية على أن يتم البت لاحقا بحدودها وإجراء إنتخابات عامة بإشراف اللجنة الرباعية (أمريكا، وأوربا وروسيا، والامم المتحدة )
المرحلة الثالثة : تتضمن إيجاد الحلول النهائية للحدود والعلاقات الدولية والسلام الشامل0
حتى كتابة هذه السطور لم يتم تنفيذ أى بند من هذه البنود، ولا أى بند من بنود أوسلو، ولا القرار 338 والقرار 242، ولا قرار التقسيم 181، ولا القرار 194 الذى ينص على عودة اللاجئين، أو توصية أو رغبة دولية ( بأسثناء الجوائز المتلاحقة لاسرائيل منذ إعلان بالفور حتى اليوم0
وبالارقام فإنه منذ سنة 2000م فإن السلطات الاسرائيلية، منحت 19 ألف ترخيص بناء للمستوطنين فى مقابل 91 ترخيصا مماثلا للفلسطينيين أصحاب الارض 0


وبحسب إتفاقيات أسلو. قسمت الاراضى المحتلة، الى ثلاثة مناطق (( أ )) وتشكل مساحتها 18 % من مجموع الاراضى المحتلة، وتشمل المدن الفلسطينية الرئيسية، والتى يفترض أن تكون تحت السيطرة الفلسطينية الامنية والمدنية، و ((ب)) بمساحة 22% الخاضعة لسيطرة مدنية فلسطينية، وأمنية إسرائيلية و ((ج)) التى تشكل 60% من الاراضى تحت سيطرة إسرائيلية أى أن جميع أراضى الضفة مستباحة كليا لاسرائيل بدون أى رادع دولى، هذا عدا تهويد القدس الشرقية بالكامل والاعتدائات المستمرة على المسجد الاقصى، والتى ما تدعيه إسرائيل دائما وأبدا بملكية حائط البراق الذى يشكل جزءا من الجدار الغربى للحرم المقدس، وكان الانحياز البريطانى لليهود واضحا والاستفزاز اليهودى صارما... الامر الذى أدى الى ما يسمى ( ثورة البراق ) ففى سنة 1929 نظم اليهود تظاهرة ضخمة بدأت فى تل أبيب وأمتدت الى القدس، ووصلت الى حائط المبكى ( حائط البراق ) ووضعت هنالك العلم الصهيونى ( نجمة داود ) وعلى الفور إندلعت الاشتباكات بينهم وبين أبناء القدس... فأضطرت بريطانيا إلى تشكيل لجنة تحقيق، لتحديد حقوق العرب، واليهود فى هذا الحائط... ثم تشكلت لجنة دولية جاءت الى القدس وبعد إجراء تحقيقات تاريخية ودينية، إنتهت الى قرار حاسم وجازم ( ديسمبر 1930 ) مفاده ان ملكية حائط المبكى ( البراق ) تعود للمسلمين وحدهم. وإنه جزء لا يتجزء من ساحة الحرم الشريف. ولليهود الحق فقط فى حرية المرور الى الحائط لاقامة الصلاة والتضرعات دون أن يسمح لهم بنفخ البوق قرب الجدار، والان إسرائيل إستولت على هذا الجدار وتمادت بالصلاة داخل ساحة الحرم الشريف.


اليوم وقد وصلنا الى ما نحن عليه، يبدو من المؤكد أن زيادة القهر الاسرائيلى، وإنحسار المشاركة الدولية فى إحقاق جزء من الحق وإقامة السلام quot; الذى يسمونه البعض عادل quot; سوف تؤديان ndash; حتما ndash; الى إتساع رقعة التعصب الدينى والقومى والوطنى. وهو التعصب الذى يسميه الامريكيون صراع الحضرات0 ومادام الادارة الامريكية تبنت هذا الطرح الحضارى للصراع الدولى الدائر حاليا. فمن الواجب إبلاغ هذه الادارة، أن الشرق منطقة حضارية تتأصل فيها مبادىء وتقاليد لا يمكن إطلاقا القضاء عليها، مثلما قضت العلمانية المسيحية. وما دام الامر كذلك وهو كذلك فعلا، فإن النتيجة المؤكدة لما يجرى فى فلسطين وكل أطراف الشرق الاوسط العربى هى أن النار ستخرج من تحت الرماد وتأكل الاخضر واليابس0
وفى مقدورنا القول وأن نؤكد أن التسوية أصبحت كما كانت فى السابق فى يد أمريكا ndash; لا فى إسرائيل ولا فى رام الله، فإذا أرادت أمريكا أن يعم السلام فى الشرق الاوسط فليس أمامها سوى أن تأمر وليس تضغط على إسرائيل لتحقيق بنود خارطة الطريق وبدون التحفظات الشارونية، ولا يشك إثنان فى الشرق الاوسط ان أمريكا قادرة على إرغام إسرائيل على الاتجاه نحو التسوية0


واما معاندة التاريخ وإخضاعنا للامر الواقع فسوف يكون ذلك بمثابة الدعوة للسلام القائم على أسس، من رمال، أو على الدماء الغزيرة0
وهنا أريد أن أوجه رسالة الى فتح، وحماس. أن مشكلة الشعب الفلسطينى هو مع هذه القيادات التى مازالت تتصارع مع بعضها البعض بدلا أن تصل الى أتفاقات وذلك لخلاص هذا الشعب من البؤوس الذى يعيشه منذ حوالى قرن.


مع الاسف فإن الواقع الان، أن تقسيم فلسطين ما بين إسرائيل وما بقى من فلسطين أصبح الان مقسم الى ثلاثة أقسام وهى : إسرائيل المستقلة وعاصمتها القدس كلها، وسلطة محتلة فى الضفة، وسلطة ذاتية فى غزة، بحيث تكون سلطة القطاع جائعة، وعاجزة عن إشباع سكانها فى حين تكون الضفة تقضم من الاحتلال وتعيش حياة معتمدة على معونات خاريجية.


ستون عاما وهذا الشعب يخوض الحروب ويتلذذ بالاستشهاد، وجلد الذات ويتحمل أخطاء الاخرين من القيادات والزعامات. وها هم الان قد يلقوا نقطة ما قبل الجحيم بقليل0


ففى أراضى السلطة الوطنية ظنوا أنها ستكون نواة الدولة السيدة المستقلة 0 نرى النساء والاطفال يبحثون عن بقايا عائلاتهم بين انقاض منازل وشوارع غزة، أو ما وراء جدار العنصرية العنجهية الاسرائيلية0
ومازالت الحوارات الدائرة الان، والشتائم ما بين الرئاسة والحكومة المقالة لتقضى على ما تبقى من هذه الدولة الموعودة 0
ولسوء حظنا أننا دائما نأتى متأخرين. فقبلنا الوحدة الوطنية حيث أصبحت الوحدة هى للمصالح الخاصة أى : التفكك، والانفلات على الذات، ولبسنا ثياب رجال الدين، وقررنا أن نبنى مجتمعا دينيا صافيا، فى وقت قرر المجتمع الدولى كله أن يترك الدين لله وحده، وينحاز الى الوطن المفرد وليس الى الوحدات الضيقة0


والذين من يقرأ، ومن يرون ويطلعون على ما يجرى فى العالم، يعرفون أن الفلسطينيين دفعوا أكثر مما فى طاقتهم، ثمنا لتبرعاتهم المتواصلة بالقتال والشهادة 0 فهل تتحرك قيادة فتح وحماس لانقاذ هذا الشعب، طالما بالارقام نعرف أن إسرائيل لا تريد السلام. أم نستمر فى القول أننا فى بداية الطريق.

فيصل أبو خضرا

24 فبراير 2008