أخيرا.. وقبل فوت الأوان إستفاقت القيادة الكردية من غفلتها على وقع بساطيل الجندرمة التركية التي بدأت تغزو كردستان في مخطط إنقشع عنه الغبار قبل ثلاثة أشهر من الآن، ولكن يبدو أن القيادة الكردية كانت في حينها في شغل شاغل عنها، فداوت الجرح الناجم عن الخنجر في الظهر ببعض المهدئات والمسكنات..


وأخيرا غزت تركيا أرض كردستان التي ( كانت ) مقدسة الى ما قبل سقوط صدام، لكنها أستبيحت بعد أن إستوطنها الفساد، فكفر الناس بقدسية الأرض وبالإنتماء إليها، بعد أن ضاقت بهم أرض كردستان بما رحبت عن إحتواء آلامهم ومعاناتهم الناجمة عن الأوضاع المعيشية الصعبة والفساد الذي يضرب تلك الأرض التي رويت بأنهار من دماء هذا الشعب..

يست شماتة مني بتلك القيادة، فليس من شيم من كافح في سبيل أرضه وشعبه أن يشمت في الأيام العصيبة، ولكنها دعوة مخلصة للقيادة الكردية كي تستفيق وتفيق أكثر على آلام هذا الشعب الذي يستهدفه الأعداء، وما أكثرهم من حوالينا، وأن تعود الى تلك القيم الثورية النبيلة التي بذلت من أجلها دماء مئات الألوف من أبناء هذا الشعب، وتضع حدا لهذا النهش المستمر من لحم هذا الشعب تحت وطأة الفساد؟ّ!.

نعم لقد آن الأوان لذلك، فالشعب وحده قادر على قهر إرادة الاعداء، وقبر مطامعهم الدنيئة على الأرض، والجوع كافر، ومن يجوع يكفر بكل المقدسات، لذلك ليس غريبا أن نسمع البعض من أبناء هذا الشعب وهم يتطلعون الى الخلاص من أوضاعهم المعيشية الحالية حتى ولو على حساب الإرتماء تحت أقدام المحتلين والغزاة البرابرة؟!.

عندما حاولت قبل فترة قليلة، صعود جبل قنديل لمعانقة رفاقي هناك، ولكي أطبع قبلة على جبين مقاتلات حزب العمال، وأبوس الأرض التي يمشي عليها اولئك الأبطال، إعترضتني سيطرة كان مسؤولها يتحدث الى بلغتي الكردية؟؟!!. فتذكرت حينها سيطرة كركوك الرئيسية التي كانت تربط عراق صدام حسين بكردستان، وكانت من أشد سيطرات النظام شراسة وإرهابا، فمن كان يعبرها منا آمنا، كأنما يعبر الصراط المستقيم لينعم بعدها بالجنة الموعودة، فقد كانت تلك السيطرة في فترة من الفترات حدا فاصلا بين جحيم صدام، وجنة كردستان المتحررة..


كنت أود أن أنقل معاناة سكان تلك المناطق التي فرضت حكومة الإقليم حصارا إقتصاديا وإعلاميا عليها، وأن أروي للعالم حكاية نفر من شعبي وهم يرزحون تحت وطأة الفصل القارص البرودة، ومن الحصار الإقتصادي الظالم الذي فرض عليهم بضغط من تركيا الفاشية، التي تحاول القضاء على حزب ثوري يهدد كيانها بتجويع نفر من الناس، ويا لبؤسهم من تلك المحاولة العقيمة!.


كنت أود أن أزف المقاتلة الكردية التي رأيتها في زيارة سابقة وهي تعانق بندقيتها كأنها تحمل باقة من زهرة النرجس لتهديها الى حبيبها، وأن أشم خصلات شعرها المتربة بعد أن صمدت هي ورفيقاتها الأخريات أمام تلك الهجمة الشرسة للجندرمة البرابرة، والقصف اليومي المتكرر للطائرات والمدافع الثقيلة التي إنهمرت على جبل قنديل معقل الثوار الكرد طوال شهرين متتاليين.


كنت أعتقد وكتبت ذلك في مقال سابق، أن قيادتنا في كردستان أخطأت عندما جوعت أخيها إرضاءا لعدوها،وكتمت أنفاس سكان المنطقة الذين كانوا يلوذون بالكهوف والوديان لكي لا يسمع العالم أصوات إستغاثاتهم؟؟.


واليوم تصدر رئاسة إقليم كردستان بيانا تشير فيه، الى أن الهدف التركي من غزوه لأراضي كردستان تجاوز حدود القضاء على حزب العمال الكردستاني، فهي ترنو الى إحتلال كردستان. وتتساءل عن معنى أن تقصف الطائرات الحربية التركية جسورا تربط قرى ومدن كردية بعضها ببعض في محافظة دهوك؟؟!.


لقد قال الكثير من قادة حزب العمال الكردستاني أن الهدف التركي من تهديداته للإقليم يتجاوز ذلك الحزب، وسبق أن دعا هذا الحزب الى جبهة قومية تضم جميع القوى الكردستانية في أجزائها الأربعة للوقوف بوجه الغزو التركي المحتمل، ولكن لم يكن هناك من قادتنا من يتصور أن تقدم تركيا على مغامرة تفوق التصور بإرسال طائراتها الحربية للتحليق فوق أجواء مدينة أربيل، ولكن ذلك قد حصل، وأثبتت الأحداث، أن الدكتانورية والفاشية صنوان لا يفترقان في المطامع، فكما حاول الدكتاتور المقبور أن يستعيد الكويت ( الفرع ) الى العراق ( الأصل)، فما يضير تركيا الفاشية لو أنها سعت لإستعادة ولاية الموصل ( الفرع ) الى تركيا الإسلامية ( الأصل )؟؟!.


فطالما كانت هناك مباركة أمريكية وإسرائيلية للغزو، وسكوت مطبق من الحكومة العراقية لإستباحة أراضيه، ونأي مستنكر من الدول العربية عن نصرة إحدى الدول المؤسسة للجامعة العربية، وإدانة خجولة من المجتمع الدولي، فلماذا لا تقدم وريثة السلطنة والباب العالي على مغامرة مماثلة لإستعادة الفرع الى الأصل؟!.


لم يمض الوقت بعد، فما دامت القيادة الكردية قد إستفاقت من غفلتها، فما زال هناك متسع من الوقت لتدارك الشرخ الحاصل بينها وبين شعبها،وإعادة اللحمة الى علاقاتها مع رفاق الدرب، وإعادة ترتيب البيت الداخلي لمواجهة تلك الهجمة البربرية التي بدأتها تركيا للزحف على كردستان بهدف وأد التجربة الوحيدة في تاريخ الشعب الكردي.
فبوحدة شعبنا فقط يمكننا قبر أحلام الذئاب التركية..
نعم.. بيدي وليس بيد عمرو!..

شيرزاد شيخاني

[email protected]