أثارت صورة نشرت مؤخراً لباراك حسين أوباما يرتدي فيها زياً إسلامياً مع رجل دين صومالي موجة عارمة من الاستنكار في صفوف الناخبين الأمريكيين، وموجة مماثلة من الغضب والسخط من قبل أوباما وفريقه الانتخابي. فيما اعتبرت المرشحة الديمقراطية الأمريكية أن أصول أوباما الإسلامية تكشف عن حقيقة التضليل الذي يقوده في حملته الانتخابية لخداع الناخبين للوصول إلى البيت الأبيض. أوباما من جهته أكد قائلاً بـquot; أنا ليس مسلماًquot;، وأنه مسيحي منذ أكثر من عشرين عاماً ويواظب على الذهاب للكنيسة في شيكاغو، متنصلاً، علناً، من أصوله الإسلامية ومعتبراً في تصريح للناطق باسمه بأن ذلك يهدف إلى quot;تشويهquot; صورته!!!! (هكذا بالحرف)، وبأن هذا تصرف مثير للخجل. والقضية في بدايتها ولا يعلم في الحقيقة إلى أي مدى ستذهب، وأين سترسو مفاعيلها.

لا ننكر، بداية، حق أوباما، وغيره من المهاجرين، في الترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حتى لو كان من أصول شيطانية، فهذا حق يكفله الدستور العلماني الأمريكي. وهو يقع ضمن حقه المشروع في ممارسة حق المواطنة التي اكتسبها خلال وجوده في أمريكا، ويعبـّر ترشحه، في ذات الآن، عن الوجه الإنساني والحضاري المشرق للدساتير العلمانية، غير المتدينة ولا العنصرية، والتي تفسح بالمجال لأي مواطن بالعمل السياسي بغض النظر عن أصله وفصله. غير أن ما ننكره، ونستنكره، في آن، هو إذا كان أوباما مسلماً، ويتنكر لأصله وفصله، أو فيما إذا كان يتعمد الغش والباطنية والتقية، وخداع الرأي العام، للوصول إلى البيت الأبيض وبغض النظر، هنا، عن نوع خلفيته العقائدية، حتى لو كان من عبدة القرود والأصنام.

وفي ظل كابوس الحادي عشر من سبتمبر الجاثم على المشهد والخطاب الأمريكي العام، فلا شك أن quot;تهمةquot; كهذه ستؤثر كثيراً على مستقبل أوباما السياسي، وقد تطيح، نهائياً، به لو تفاعلت بالشكل المتوقع به، وذهبت بالمنحى المعروف، وتم استغلالها من قبل فريق كلينتون بالطريقة المعهودة من حيث سيتم الربط بين الإسلام والإرهاب واعتداءات سبتمبر، وهذا بالتأكيد ما سيعملون عليه. وهناك، وللأسف، بعض الثغرات والسلوكيات والأحداث، ستمكن فريق كلينتون من النفاذ إليها وتأكيد مزاعمها، والفضل في ذلك يعود بالطبع إلى أشياخ الإرهاب العرب والمسلمين، ومن يقف ورائهم من أنظمة، والمد الأصولي في حرمان هذا المهاجر الأمريكي المسلم من فرصة ذهبية ثمينة ونادرة للوصول إلى المكتب البيضاوي.

وربما كانت أصول أوباما الإسلامية ستمر مرور الكرام في هذه الانتخابات وغيرها في البلدان الغربية، لولا، أيضاً، فضائل ونـِعم أسامة بن لادن، ومدرسته الإرهابية والخطاب التحريضي والعدواني لنجوم الإرهاب في العالم الإسلامي، ودعم معظمهم للعمليات الإرهابية وعدم استنكارها( لم يصدر حتى اليوم تنديد رسمي من مراجع إسلامية عليا ضد الكثير من العمليات الإرهابية الكبرى)، وسلوك وتصرف بعض المتشددين المسلمين الغبي والأحمق وخطابهم الأسوأ في مواجهة العالم. ولم يكن لأحد ليعبأ أو ربما ليعرف ما معنى أن يكون المرء مسلماً ورئيساً للولايات المتحدة. وهذه الحادثة المثيرة، تكشف عن فصل محزن وأليم من تداخل السياسي بالدين، والدين بالسياسة، وعن لا أخلاقية ولا مبدئية السياسة في الوقت نفسه التي تتيح وتبيح استخدام كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة ضد الخصوم السياسيين ومنها quot;تذكيرهمquot; بأصولهم الدينية والثقافية، وبغض النظر هنا، عن رفعة وتواضع وشرعية ولا شرعية تلك الأصول.

وتساهم، اليوم، معظم أنظمة المنطقة الرابضة على رقاب هذه الشعوب المنكوبة الناطقة بالعربية، في تكريس الصورة السلبية الباهتة، والوجه العاري المشوه للمسلم كجائع وإرهابي ومحقون بالكراهية وديكتاتوري ومضطهد ومسروق وذليل. وأيضاً عبر فشلها في تبني القيم الحداثوية والنهضوية واعتمادها على خطاب إسلاموي عروبي تحريضي وكاذب لا يفلح إلا في تخريج المعطوبين عقلياً والعاجزين سلوكياً عن التكيف مع قيم الحداثة والعصر. وستنسحب صورة أوباما الأسود المسلم quot;المخادعquot; في ذهن الناخب الأمريكي على جميع المرشحين السود وربما المهاجرين الأمريكيين لاحقاً، مما سيتسبب في طعنة نجلاء لمبادئ الديمقراطية والمواطنة الأمريكية، وانغماس الولايات المتحدة في حقبة جديدة من العنصرية والممارسات اللا إنسانية التي لم تتخلص من آثارها حتى يومنا هذا. والخوف اليوم ليس من نجاح أوباما، أو فشله، فهو محكوم أولاً وأخيراً بمؤسسات ديمقراطية عريقة تتحكم بالقرار في الأمريكي، ولكن من الأثر الناجم عن تديين السياسة وتسييس الأديان في الديمقراطيات الغربية ودخولها في اللعب الانتخابية كمصدر للتفشيل والتحريض العنصري المرفوض وغير المقبول، وسيعد انتكاسة لمسيرة تلك الدول نحو مجتمعات علمانية نقية وخالصة.

طبعاً المسلمون سيلطمون، ويذرفون الدموع، وسيعتبرون أن ما حصل وما سيحصل لأوباما هو جزء من quot;المؤامرةquot; المستمرة على الإسلام منذ ألف وأربعمائة عام، فقط، وبأن البشر وشعوب الأرض قاطبة مصابة بالخبل والحول والعور الفكري ولا تتفهمهم ولا تتفهم رسالتهم، وتنكر عليهم حقوقهم وإلى آخر ما هنالك من هذا الخطاب الوسواسي القهري العصابي المريض، دون أن ينظروا إلى أنفسهم في المرأة مرة واحدة، ويقولوا ماذا قدمنا للحضارة العالمية؟

تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا تزداد في الغرب، وهذه هي إحدى تجلياتها القاسية التي ستصب حتماً في طواحين هيلاري الانتخابية، ناهيك عن سن الكثير من التشريعات والقوانين التي تضيـّق على الجميع مجالات الهجرة والعمل والاستقرار وجعلت حياة الكثيرين كابوساً لا يطاق. وقد أصبح التخويف من الإسلام، تحديداً، ودون غيره، شماعة للسياسيين والراغبين في الوصول إلى مراكز القرار وبرنامجاً انتخابياً مغرياً وقائماً بذاته لجيل من السياسيين الطامحين والمشعوذين. فهل يعي المسلمون حقيقة هذا الخطر ويبدلون من استراتيجيتهم الخطابية، وأسلوبهم الدعوي الذي انقلب وبالاً وبؤساً وشؤماً عليهم، وفشل حتى اليوم في تحقيق أي إنجاز ومكسب حقيقي، اللهم إلا تلك الصورة الشوهاء، الذي صار مجرد الانتماء إليها تهمة تسيء إلى وجه وتاريخ وشخصية صاحبها، وتدعوه كما دعت صاحبنا المغفور له سلفاً، أوباما المسلم الكيني، لينفي أية علاقة له بالإسلام قأئلاً وبالفم الملآن: quot;أنا لست مسلماًquot;.

نضال نعيسة