في كتاب بول بريمر، عامي في العراق، ورد فيه اعترافات مثيرة عن الزعامات والشخصيات العراقية التي تعامل معها لأمور سياسية متعلقة بالبدايات الأولى لتشكيل مجلس الحكم لإدارة أمور العراق، بعد سقوط نظام صدام، ومن هذه الاعترافات ان بريمر طلب من رئيسي الحزبين الرئيسين في كردستان العراق اختيار امرأة كردية كعضو للمجلس، لمنح المرأة الحق في التمثيل السياسي، وتنويع المممثلين للمجلس، لكن المؤسف في الأمر كما يبين بريمر أن الزعيمين لم يتمكنا من الاتفاق على اختيار المرأة الكردية، بالرغم من منحهما وقتا كافيا للاختيار، وبذلك سدا الزعيمين الباب أمام أول مشاركة تاريخية للمرأة الكردية في أعلى سلطة سياسية عراقية تشكلت في ذلك الوقت، حيث تشكل المجلس من 25 عضو ممثلين عن مختلف القوميات والمذاهب الدينية في العراق، ولا شك أن مبادرة بريمر مثل بحق بادرة جيدة لمنح المرأة العراقية اعتبارها وموقعها السياسي للمشاركة في اتخاذ القرار على أعلى المستويات، ولولا إصراره على التنوع التمثيلي لهذه القاعدة، لما تشكل مجلس الحكم من هذا العدد التمثيلي السياسي المتنوع لتمثيل العراق المكون من قوميات عربية وكردية وتركمانية وكلدو آشورية، ومن مذاهب دينية سنية وشيعية ومسيحية وأيزيدية ومندائية، ولولا إصراره على التمثيل العراقي من الداخل، لبقي المجلس مكونا من مجموعة السبعة الكبار التي اتفقت قبل سقوط حكم صدام مع الولايات المتحدة على تسليم السلطة لها بعد السقوط والتي كانت محصورة بالرئيس العراقي جلال الطالباني ومسعود البارزاني وأياد علاوي وعبدالعزيز الحكيم وأحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري ونصير الجادرجي وعادل عبدالمهدي وحامد البياتي، ولبقيت هذه التشكيلة صاحبة السلطة في العراق.


وعودة لتمثيل المرأة في المجلس، فقد توصل بريمر الى اختيار ثلاثة مرشحات للمجلس، من مجموع 25 عضو، بعد أن كانت تضم قائمة المرشحين 80 شخصية، كما جاء في مذكرات بول بريمر ممثل الرئيس الأمريكي جورج بوش في إدارة الحكم العراقي بحكم تخويل مجلس الأمن للولايات المتحدة كسلطة احتلال للدولة العراقية، وهذا ما فتح الباب واسعا أمام المرأة للتمثيل في سلطة الحكم، وهذا ما ساعد أيضا على تثبيت حق المرأة بنسبة 25% في التمثيل السياسي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سنة 2005، ويبدو من خلال الوقائع، أن هذا التمثيل تحقق بفعل الرؤية الأمريكية وليس بفعل بادرة عراقية، لهذا فان تحقيق حق المرأة العراقية في المشاركة السياسية يمكن اعتباره فضل أمريكي أكثر مما هو عراقي، لأن الأمر لو بقي بيد المجموعة السبعة التي هيئت لاستلام الحكم لما حصل هذا الإنجاز الديمقراطي، و لبقيت مشاركة المرأة محدودة ومحصورة في أضيق الحدود، والدليل على ذلك عدم اتفاق الرئيسين جلال الطالباني ومسعود البارزاني على أي اسم نسوي كردي للتمثيل في مجلس الحكم، وهذا ما يفتح احتمالات كثيرة أمام تفسير الدوافع والأسباب، بالرغم من أن الزعيمين يعتبران من الشخصيات العلمانية المعتدلة والمتفهمة لحقوق ومكانة المرأة مقارنة ببعض الشخصيات السياسية العراقية التي تحركها طبيعة دينية وعشائرية صرفة، وهذه الصفة بالتأكيد لا تسمح للمرأة بالمشاركة في التمثيل السياسي والإداري على مستويات عالية.


إضافة الى هذا، فان عدم اتفاق الزعيمين الكرديين أتى في ظرف والمرأة الكردية كانت لها مشاركة سياسية في حكومة إقليم كردستان العراق ومشاركة فعالة في الجهاز الإداري للإقليم، ولهذا فان الأمر يفسر بكل الأحوال، من أن الزعيمين قد أجحفا بحق المرأة الكردية العراقية، وسجلا موقفا تاريخيا غير مناسبا تجاه المرأة في كردستان، حيث كان من المفروض عدم تفويت هذه الفرصة والاتفاق بأي شكل كان على إختيار المرأة المناسبة للتمثيل في مجلس الحكم، خاصة وأن مجتمع المرأة في الإقليم كان مليئا بشخصيات نسوية قديرة لتحقيق هذا المطلب للسيد بول بريمر بحق مشاركة المرأة في الحكم الذي كان من المفروض أن يكون مطلبا عراقيا قبل أن يكون أمريكيا، ولهذا نجد ان حسابات الحكم في مجتمعاتنا لا زالت تخضع لدوافع نابعة من سيطرة سلطة الذكورة على واقعنا، وغياب السلطة الحقيقية للمرأة ودورها في إقرار الأمور السياسية والمصيرية الهامة في واقع مجتمعنا كدولة، بالرغم من الانفتاح الحاصل على مشاركة المرأة بالحكم في العراق، ولكن بالرغم من هذا فان هذا الانفتاح الحاصل لابد أنه سيؤدي في المنظور البعيد الى قيام سلطة مشتركة لا غلبة فيها لا للرجال ولا للنساء لإدارة الدولة وفق مفاهيم حديثة متسمة بالارتقاء والتحضر الإنساني.

جرجيس كوليزادة