صلاح حسن من لندن: مع إنني ازور لندن سنويا وأحيانا أكثر من مرة في السنة لمتابعة دراسة ابني هناك، الا إنني في كل مرة كنت أعاني من صعوبة التنقل بسهولة بين مناطقها الشاسعة مما يأخذ الكثير من وقتي وصبري. غير إن المرة الأخيرة كانت سهلة للغاية لسبب بسيط جدا هو إن لغتي الانكليزية كانت قد تحسنت قليلا في السنة الماضية، وبذلك فقد جلت وصلت في جميع أنحاء لندن دون أية مشكلة تذكر. متابعة التعليمات أثناء التنقل بين ضواحي العاصمة الجبارة تسهل على المسافر الوصول إلى المكان الذي يريده دون عناء، ولا بأس في السؤال فالبريطانيون ناس مهذبون للغاية ويعرفون إن زوار مدينتهم بطريقتها غير المألوفة في السير ( انظر إلى اليمين، انظر إلى اليسار ) يشعرون بالدوار وهم يبحثون عن ضالتهم. لذلك فهم مستعدون دائما لتقديم المساعدة لأي عابر سبيل قد تخونه لغته في شوارعها المزدحمة.
عندما خططت لهذه السفرة قررت إن تكون مخصصة لزيارة الأصدقاء الذين لم أرهم منذ وقت طويل، لذلك بادرت في الاتصال بهم أول الأمر قبل أسبوعين من السفر لكي أتأكد من وجودهم في لندن أثناء وجودي هناك. لقد خططت أيضا إن أصل في بداية عطلة الأسبوع لرؤية اكبر عدد منهم في هذين اليومين وكان لي ما أردت فشعرت براحة كبيرة وطاقة متجددة.
في الأيام التالية وبعد مواعيد مقررة منذ أكثر من أسبوعين ذهبت لرؤية أصدقائي العاملين في الصحافة العربية في لندن وكان أول موعد مع الصديق الطيب احمد اصفهاني في الغراء quot; الحياة quot; الذي لم استطع رؤيته في المرة السابقة لمشاغله الكثيرة للغاية. لقد استقبلنا انا والصديق الموسيقار احمد مختار بطيبته المعهودة وقدم لنا القهوة. وقد تابعت من خلاله صحة صديقنا النبيل الشاعر والناقد عبده وازن الذي ادخل إلى غرفة العناية الفائقة فجأة لأجراء عملية سريعة تكللت بالنجاح فالحمد لله على سلامته.
جريدة quot; القدس العربي quot; تقع في المنطقة نفسها quot; همر سميث quot; ولا تبعد كثيرا عن جريدة الحياة، لذلك كان موعدي الثاني مع الصديق الشاعر امجد ناصر الذي ما يزال في غرفته الصغيرة ذاتها منذ أكثر من عشرين عاما. كان لدي متسع من الوقت فقررت إن ارتشف فنجانا من القهوة في مقهى قريب من الجريدة قبل حلول الموعد مع امجد. وفي المكان المخصص للتدخين في أقصى المقهى وقف إلى جواري رجل انكليزي وبدأ يحدثني عن الجو البارد والممطر وخططه للذهاب بعيدا عن بريطانيا بحثا عن المناخ الدافئ. حين علم إنني قادم من هولندا تألقت عيناه وهو يسرد لي مغامراته في روتردام وأمستردام اللتين زارهما أكثر من مرة لمتابعة بطولات في كرة القدم.
الصديق امجد ناصر أهداني كتابه الجديد واثنين من كتب صديقي الشاعر الكبير ادونيس اللذين صدرا منذ فترة قصيرة. لقد بدأت حقيبتي تملأ بالكتب خصوصا حين أهداني صديقي الجميل الشاعر نوري الجراح في الليلة الماضية مجموعته الشعرية الكاملة المؤلفة من مجلدين ضخمين وجميع إصدارات المؤسسة التي يشرف عليها quot; ارتياد الآفاق quot;. لقد أصبح لدي ألان عدد من الكتب احتاج إلى سنة كاملة لقراءتها.
قرب دار quot; الساقي quot; للمرحومة مي غصوب التي صدمتنا بموتها المفاجئ جلسنا صومائيل شمعون مدير تحرير كيكا ونوري الجراح وأنا في مطعم إيراني وتناولنا العشاء بالخبز الحار مع النبيذ الاسباني وتحدثنا عن هموم الصحافة والثقافة والمشاريع الثقافية الجديدة. نوري الجراح المعروف بجديته وإخلاصه سيصدر مجلة ثقافية فصلية تعنى بالشعر وهو يخطط لان تكون مجلة صارمة لا مجال فيها لأي مهادنة، أنها مجلة من اجل الشعر العربي الحديث الحقيقي الذي يقدم الصورة الناصعة لهذا الشعر المظلوم عالميا.
بعد جلسة طويلة امتدت إلى منتصف الليل قادنا صومائيل شمعون إلى محطة القطار، وبعد دقائق قليلة اكتشفت انا القادم من هولندا إن صومائيل قادنا الى القطار الخطأ وانحى باللائمة على نوري الجراح الذي لم يتوقف عن التقاط الصور لنا طيلة الوقت. ذهب نوري إلى بيته وبقينا صومائيل وأنا تائهين في محطة صغيرة في غرب لندن، لا قطار ولا سيارة تلكسي. لكن صومائيل حل المشكلة بطريقته الخاصة ووصلنا إلى مدينة quot; ايلنغ quot; التي يقطنها عدد كبير من العراقيين حيث وجدت صديقي الشاعر كريم عبد الذي كنت اقضي الليلة عنده قلقا بسبب تأخري.
محطتي الأخيرة كانت في جريدة quot; الشرق الأوسط quot; التي تقع في سنتر لندن تماما حيث التقيت الصديق الشاعر فاضل السلطاني الذي يخطط بدوره لإصدار مجلة جديدة تعنى بالفكر والثقافة، وقد علمت منه إن العدد الأول قد صدر بالفعل وسوف توزع في الأيام القريبة القادمة. قبل ذلك كنت التقيت بالشاعر والناقد والمترجم صلاح نيازي الذي قضيت معه فترة ممتعة للغاية بسبب ثقافته الموسوعية وكتبه الكثيرة التي صدرت خلال هذه السنة. المعروف عن صلاح نيازي الذي قضى أكثر من خمسة وأربعين عاما في بريطانيا قدرته الفائقة في فهم الثقافة الانكليزية عن طريق تحليل مسرحيات شكسبير وتصحيح الترجمات التي قام بها بعض المترجمين العرب لروائع هذا الكاتب العالمي.
في مطار هيثرو وقبل دقائق من الدخول إلى الممر المؤدي إلى الطائرة ابلغونا إن رحلتنا قد ألغيت وان الرحلة القادمة سوف تتأخر أربع ساعات. مطار هيثرو الجبار اعتاد في السنوات الأخيرة على مثل هذه الحوادث التي تحدث في الدقائق الأخيرة، لذلك فكر المسؤولون بطرق عملية لمساعدة المسافرين الذين تتأخر طائراتهم طويلا فقاموا بوضع مقاعد طويلة تشبه الأسرة يستطيع المسافر إن يتمدد عليها أو إن ينام ساعات طويلة. وبما إن طائرتي ستتأخر أربع ساعات فقد وضعت حقيبتي تحت رأسي وغفوت إلى جوار احد اليابانيين الذي كان يغط بنوم عميق.
التعليقات