العراق.. ذاكرة منهكة توقفت على أحزمة الإنتحاريين، و رغيف برائحة البارود و مذاق الإرهاب
أثناء إتصالي بصديق داخل العراق ، و قبل أن يرد على سلامي قال بشكل سريع أن بطارية جهاز تلفونه النقال قد نفذ و ربما تنقطع المكالمة ، ثم قال أنه كان يتابع الأخبار و فجأة إنقطع التيار الكهربائي و تساءل: كيف لي أن أكتب المقالات إذا كنت لا أستطيع متابعة الأخبار بشكل منتظم؟.. و حال إقفالي الخط معه ، فكرت كيف أن هذا الشعب المسكين المنهك جراء هذه الأوضاع المتردية و سوؤ الوضع المعيشي ، كيف بمقدوره أن يداوم مسيرة الحياة و أن يتمسك بها؟ يحمل التلفون و هو يعرف أن إنقطاع الكهرباء لا يرحم.. هذا التضاد بين إرادة الحياة و الميل إلى التطور و بين النزعة الإرهابية و الميل للقتل..
إنه صراع إرادة الحياة ضد إرادة القتل و الفناء.. إذا يتجول شخص بين أحياء و شوارع بغداد و باقي محافظات العراق و يرى الأنوار المطفئة و النساء و الأطفال يتسارعن على الحصول على الماء النقي ، يقول أن هذا البلد لم تصله التكنلوجيا بعد، في حين أنه و مع عودة التيار الكهربائي يركض الجميع إلى وضع هواتفهم النقالة تحت الشحن و تشغيل الكومبيوتر.. فهذه أبسط مظاهر الميل إلى الإلتحاق بعجلة التطور مثل باقي الشعوب المتحضرة ، أصحاب الحضارات العريقة.. لكن هناك من يستخدم النقال و الكومبيوتر للإتصال بالعالم الخارجي و الإطلاع على كل جديد في العالم.. و هناك من يشحن هاتفه النقال و يجلس أمام الكومبيوتر و يدخل شبكة الإنترنت لكي يبحث عن أبشع طرق القتل و ليسهل تنفيذ عملياته الإجرامية مستفيدا من الخدمات التي توفرها التكنولوجيا.. مثل إكتشاف أكثر الأحزمة الناسفة تطوراً و التي يكون بإمكانها قتل أكبر عدد من الأبرياء.. هذه مفارقة في بلد ينقسم إلى جزئين ، جزء يبني و الجزء الآخر يهدم ما يبنى بضم الياء..
قبل ذلك قرأت في خبر في جريدة تيليغراف الهولندية أن الجيش الأمريكي قد عثر على شريط فيديو يصور أطفال مجندين من قبل منظمة القاعدة، يستخدمونهم كجنود. تسائلت حينها هل أن هذا هو الجهاد؟ كيف بالإمكان أن نحمي أطفالنا و هم مهددون بأن يتحولون إلى قتلة و إرهابيين.
و الذي حز في نفسي كثيراً أن من يحكمون العراق اليوم منغمسون في وحل الفساد الإداري و السياسي لدرجة أن عجزهم و سكوتهم و تخاذلهم أمام ما يجري صار يساوي الكورسي الذي يجلسون عليه، و هم بذلك يفضلون الكورسي الذي لم يدم لصدام الطاغية، على أرواح أطفال أبرياء، يولدون في الظلام و يدرسون و يفطرون و ينامون في الظلام، و كل ما متوفر هو رغيف برائحة البارود و طعم الدم و مذاق الإرهاب ، و كأن الإستقرار الأمني و تحسين الوضع المعيشي لا وجود لهما في أجنداتهم السياسية إلا حين يحتاجون اصوات الشعب في الإنتخابات. الحكومة التي تعجز عن تأمين أبسط وسائل المعيشة التي هي الكهرباء و الماء النقي و الأمان، و يريد من الشعب أن يظهر ولاءه و إنتماءه إليها. إلى أن ينجرف جميع أبنائنا و ينضمون إلى تنظيمات دينية متطرفة و يتحولون من طلاب مدارس إلى إنتحاريين يستببون في قتل أبرياء آخرين.
في حين نتكلم عن التكنلوجيا و كيف أنها وصلت كل أجزاء بلدان المعمورة ، و من بينها العراق الملغوم بآفة الإرهاب.. في الوقت الذي يتشدق قادتها السياسيون بشعارات و خطابات سياسية رنانة يملؤون بها آذان الشعب المسكين و بطونهم خاوية و بطاريات أجهزة التليفون خالية و أجهزة الكومبيوترات معطوبة بسبب إنقطاع التيار الكهربائي المستمر..
سمعت من صديق لي و هو كاتب مبدع ، قال أنه يفقد بإستمرار الكثير من ملفاته في جهاز الكومبيوتر بسبب الإنقطاع المفاجيء للكهرباء وغيره كثيرون يكابرون و يرفضون الإستسلام ، في حين أن آخرون أخذهم تيار الإرهاب و صار يكره التطور و التحضر و يريد إعادة العراق مائة سنة إلى الوراء.. مع هذا مطلوب من الشاعر و الأديب العراقي أن يبدع و أن يتغنى بقوام الوطن و أن يقول أن العراق بخير..
حاولت أن أسترجع أحداث عام 2007 ، علني أجد شيئاً متميزا أشير إليه و أضعه على جنب و أقول أنه يستحق أن نقف إزاءه.. لم أعثر بين أرصفة بغداد و شوارع الحلة و أحياء الأنبار و حواري النجف و طرقات البصرة سوى ذاكرة محملة بكل أنواع البؤس.. ذاكرة لا تتحدث سوى عن القتل و الدمار و الإقتتال.. ذاكرة منهكة توقفت عند تقويم الإرهاب من جهة و فساد الحكومة من جهة أخرة ، و الشعب المسكين الضائع الأوحد.. إلى أن صار العراق عبارة عن عبوة ناسفة قد ينفجر مرة واحدة بوجه المنطقة بأكملها أو قد ينفجر على مراحل و يأخذ معه كل شيء..
فينوس فائق
[email protected]
www.venusfaiq.com
التعليقات