كلما وصلت سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى نقطة حرجة، صنع فيها من أحد مستشاريه نجماً إعلامياً بإمتياز، أو تركه في العراء. تتجسد الحالة الأُولي في شخص علي الدباغ إذ أصبحت صورته ملاصقة بالنشرات اليومية للأخبار والمؤتمرات الصحفية، أما الحالة الثانية والتي تتسم بشيء من سياسة laquo;كشف الظهرraquo; فهي تتمثل في ظاهرة إطلاق تعابير مثل laquo;الرأي الشخصي raquo; للمستشار. وهي بطبيعة الحال إبعاد للتصدع عن رأس الحكومة كما يفهم. فقبل فترة قصيرة خرج مسشتاره السياسي laquo;سامي العسكريraquo; من جلده وانتقد كل من وزارة الخارجية والداخلية نقداً عنيفاً، بل وحتى شخصياً لوزير الخارجية هوشيار زيباري، إنما كان توضيح مكتب رئيس الوزراء حول تصريحات العسكري ( الشخصية كما تمت الإشارة )جاهزاً ونشر قبل ردود فعل كل من الوزارتين المذكورتين. وقبل فترة ليست بقصيرة تكررت الحالة ذاتها مع laquo; مريم الريسraquo; إذ قالت في تصريح صحفي بأن موقع رئاسة الجمهورية هو موقع تشريفي وفق الدستور العراقي، وقد كلف ذلك التصريح laquo; الريس raquo; فقدان منصبها كمسشارة لرئيس الوزراء.


لنبدأ بحالة علي دباغ وحضوره الدائم على الشاشة الصغيرة للتعليق على القضايا العراقية، ونقول laquo; التعليق raquo; تحديداً، ذاك ان إتخاذ المواقف في العراق الحالي مؤجل بطبيعة الحال إن لم يكن معدوماً. والغريب في الأمر لا يقول السيد المسشتار بأن للسيد رئيس الحكومة موقف مفاده كذا وكذا، بل يتحدث وكأنه سياسي مستقل ولا تربطه أية علاقة برئاسة الحكومة. ولكن ماذا يقول ولماذا لا يشير إلى موقف رئيس الحكومة من تلك المسائل التي laquo; يُعلّق raquo; عليها؟ لا شيء سوى معاقبة الإقليم على خلافاته في مسائل النفط بأدوات غير عراقية.


لعل المسألة الأبرز في المشهد السياسي العراقي الراهن هي الإجتياح العسكري التركي لإقيلم كردستان حيث قال عنها السيد المستشار بأنها تجاوز على الحدود العراقية. أما الأهم في المسألة ذاتها فهو سفر رئيس الوزراء إلى العاصمة البريطانية لندن لمعالجات طبية - وهل يحثه رئيس الوزراء البريطاني براون مرة أخرى للعودة إلى بلاده بغية متابعة الأوضاع - تاركاً وراءه مستشاريه للعراء السياسي في العراق حيث الإجتياح التركي والأوضاع الأمنية المتردية والمشاكل اليومية التي يواجهها المواطن. وقد صار معتاداً في الحياة السياسية لرؤساء الدول ورؤساء وزرائها ان يقطعوا إجازاتهم الشخصية وزياراتهم في الأوقات الحرجة التي تمرّ فيها بلدانهم ويعودوا إلى قلب الحدث، أما في الحالة العراقية فترك البلاد في الأوقات ذاتها فهو أحسن الحلول كما يتبين في السفرات المكوكية للمسؤولين الحكوميين.


لقد كشف المسؤولون في حكومة إقليم كردستان في خلال تصريحاتهم الأخيرة بأن الإتفاق غير المعلن بين أنقرة وبغداد وواشنطن حول النشاط العسكري التركي - ضد العمال الكردستاني كما تدّعي تلك الأطراف - أّبرم قبل نهاية عام 2007، وفيه، تم تحديد الفترة الزمنية نهايتها شهر كانون الأول للعام ذاته. وجاء الموقف التركي مناقضاً لذلك إذ قامت بالإجتياح العسكري للإقليم وتدمير بناه التحتية. لم يشر laquo;تعليق raquo; الحكومة العراقية إلى هذا التخريب المتعمد كما لم يدين العملية العسكرية وبقي بالتالي في إطار هزيل يرثى له حقاً.


أغلب الظن، ان السيد نوري المالكي ترك لمستشاريه مواجهة المواقف الصعبة بأدوات وأفكار لا توفر لهم المنطق السياسي حتى في الدوائر القربية منهم، فكيف في القرى والمناطق الكردية التي تعرضت للقصف والتدمير والتهجير، وفي الأوساط الكردية عموماً.تجدر الإشارة بأنه يريد زيارة مدينة laquo;حلبجةraquo; في الأسابيع القليلة القادمة، أي في عامها العشرين بعد قصفها بالأسلحة الكيمياوية المحرّمة دولياً من قبل نظام صدام حسين عام 1988.والسؤال هنا، كيف يخاطب السيد رئيس الوزراء أهل حلبجة والإقليم، أيقول لهم انه كان في زيارة ولم يطّلع على الأوضاع كما يجب؟ أليس من الأجدر أن يرسل أحد مستشاريه إلي هناك ويتركه في العراء أيضاً؟

خالد سليمان