يخطىء من يظن أن ذاكرة التاريخ تنام و تغفو، فهى إن نامت هنيهة، تكون الصحوة المباغتة وتتوالى الحقائق فى الظهور بعد ذلك تباعا ً،

ما نراه الآن من ضعف وتهاون وخزى وعار من المسلمين شعوبا ً وحكومات ليس بالشىء الجديد على تاريخنا العربى، وما نراه من إنشغالهم بخلافاتهم الشخصية ومطامع فى بعضهم بعضا حدث من قبل ويحدث وسيحدث،إلى هنا والأمر عادى ويحدث دوما ً لأوطانى المبتلية دوما بحكام رثة الضمائر، ولكن التاريخ يخبرنا بالحقيقة التى تتطابق وواقعنا العربى الحالى المزرى المخجل،على الساحة العراقية والفلسطينية واللبنانية وربما السورية فى الطريق إلينا أيضاً، وموقف الأمة العربية مما يحدث من احداث دامية لا ترضى أحدا ً على الإطلاق.

التاريخ يخبرنا أن الحملة الصليبية على المشرق العربى تمكنت من إحتلال قباب بيت المقدس ومدن الساحل الشامى..وقيام أربع إمارات 1098م- 1109م (الرها وإنطاكية وطرابلس و بيت المقدس) وفرض سيطرتها الكاملة على بلاد المسلمين،وتركت آثارها مرتسمة على صفحات التاريخ العربى الإسلامى لفترة زمنية ليست بالقصيرة وذلك نتيجة الضعف والتهاون والإنقسامات الداخلية للعرب وتردى الأوضاع السياسية من أعمال قتل وإغتيالات وتنافس سياسى وإضطرابات وصراعات، ولم يكن النصر لتفوق لديهم أو لقيادة حكيمة، إنما نتيجة تخطيط وإستغلال ضعف العرب وسوء أحوالهم وطمعهم فى بعضهم بعضا.

عندما حدث الإحتلال..وبعد سقوط أنطاكية نتيجة إنقسام وتفرق كلمة المسلمين..أصبح الدور على مدينة حلب بعد الرها وأنطاكية..خصوصاً بعد الإنقسامات وضعف حكامها فى هذه الفترة..لم يحرك المسلمون ساكناً إلا من بعض البكاء والعويل ومحاولات عاجزة من بعض القادة المسلمين..(وهو ما نراه الآن من موقف مشابه للقادة والزعماء العرب تجاه ما يحدث فى غزة هاشم ولبنان..ومن قبل فى العراق وربما القادم سيكون سوريا وربما مصر ولم َ لا؟ )..فالجعبة الأمريكية الصهيونية الأوربية لا تخلو أبداً من المفاجآت المفجعة.

وكأن التاريخ يعيد نفسه فبعد وفاة حاكم حلب رضوان بن تتش وإنتقال الحكم للأبناء وعدم قدرتهم وضعفهم فى تسيير أمور البلاد..وبسبب الخلافات الإقليمية بين الدول فى تلك الحقبة التاريخية..طلب حكام حلب من روجر الصليبى حاكم أنطاكية العون والمدد كى يرد آمراء المسلمين الطامعين بحلب..وبعد شهور صارت حلب إمارة صليبية بمباركة عربية

أيضاً يأتينا الخبر اليقين من سقوط غرناطة 92هـ - 897هـ،أطول الدول الإسلامية عمراً، وموقف ملوك وسلاطين العرب المخزى منها،فكان أهل الأندلس يستغيثون ويستجيرون بملوك المغرب من تهديدات الملك فرديناندو والملكة إيزابيلا،فلا يجارون، فينتابهم اليأس فيلجئون إلى ملوك بنى حفص فلا يجارون، فلا يجدون من يصغى لمعاناتهم، إلا من بعض المؤن والعتاد والمال،

والطريف أم المؤسف لا أدرى ماذا أقول، أنها كانت لا تصل إلى أهل الأندلس المحاصرين إنما كانت تنهب فى الطريق، ( مثلما يحدث مع أهل غزة المحاصرين الآن ) وكأن التاريخ يعيد نفسه،
يقول المؤرخ الأندلسي المجهول الذي عاصر مأساة غرناطة :laquo;...إن إخواننا المسلمين من أهل عدوة المغرب بعثنا إليهم، فلم يأتنا أحد منهم، ولا عرج على نصرتنا وإغاثتنا، وعدونا قد بنى علينا وسكن، وهو يزداد قوة، ونحن نزداد ضعفا، والمدد يأتيه من بلاده، ونحن لا مـدد لـنا(1)...raquo;

وفى يأس بالغ إتجه الأندلسيون إلى سلطان المماليك الأشرف قايتباى بمصر يناشدونه نصرة مسلمو غرناطة 1468-1496م من الإضطهاد القائم ضدهم من الأسبان إلا أنه إكتفى بالقنوات الدبلوماسية وإرسال الوفود فى محاولة فاشلة لإقناع فرديناند وايزابيلا برفع أيديهما عن مسلمى الأندلس، ثم ترك أهل الأندلس يواجهون مصيرهم المحتوم، وتبعه الملك الأشرف قانصوه الغورى فى نفس الأسلوب.

ولم يكن سلاطين الدولة العثمانية أكثر إنتماءا لأهل غرناطة ممن سبقوهم بل ساروا على نفس النهج السلبى حيال المناشدة الأندلسية بالتدخل لإنقاذهم وذلك قبل سقوطهم بأربعة عشر عاماً، وذلك بسبب المشاكل والإنقسامات داخل الدولة العثمانية آنذاك، فقد إستنجد الأندلسيون بحكام هم فى الواقع فى صراع على السلطة فيما بينهم، تماما كما يحدث الآن فى فلسطين ولبنان والعراق..الخ،وبذلك سقطت غرناطة أو فلنقل سقطت آخر مفاخر العرب والمسلمين، بسبب حالة الضياع التى كانت تسيطر وقتها على العالم الإسلامى.

وما يحدث الآن ما هو إلا نسخة معادة لتاريخ إزدان بالخزى والعار والدم والدمار لكل ما هو عربى،إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟وإلى متى سيكون الصمت؟ومتى ستجف بحور الدم المنسابة من كل حدب وصوب ولا مغيث ولا مجيب؟

وهل سنسلم مفاتيح فلسطين وآخواتها مثلما سلم الأمير أبو عبد الله محمد الثانى عشر آخر ملوك الأندلس المسلمين مفاتيح القصور الحمراء فى غرناطة إلى فرديناندو وإيزابيلا؟

تساؤلات عديدة ومجازر وقتلى أكثر عدداً وصمت عربى رهيب وخزى وعار أكثر ولا يحتمل،وحتما سيسجله التاريخ مثلما حدث من قبل بالعديد من النكبات والنكسات التى يمتلىء بها تاريخ المنطقة العربية ومضمونها التخاذل العربى ومسلسل التفريط بالحقوق الذى لم ينتهى منذ عشرات السنين..

قد آرانى أسطر مقولة أم عبد الله (آخر ملوك الطوائف) بتصرف ( أبكوا اليوم يا حكام العرب يا أشباه الرجال بكاء النساء على ملك لم تحفظوه حفظ الرجال)، نعم سيأتى هذا اليوم لا محالة، ستأتى لحظة البكاء و ( زفرة العربى الأخيرة )....ولكم عزائى

نجوى عبد البر

الهوامش:(1) ( المصدر الموسوعة الحرة)