تحتل اليوم مسألة استعادة الشيوعيين لوحدتهم بعد أن تشظّوا شظىً شتى في مختلف بلدان العالم خلال نصف القرن الأخير، تحتل مساحة واسعة في الأدب الماركسي الراهن دون أن يعلم المنادون إلى هذه الوحدة أنهم في غير وادٍ يهيمون، وقد ضيعوا لبنهم في الصيف، ويسعون في أوهام غير قابلة للتحقيق. الذين يقودون هذه الشظايا الشيوعية يعلمون تماماً أن استعادة الشيوعيين لوحدتهم قد أضحت مستحيلة لأسباب هم شاركوا في صنعها، لكنهم مع ذلك ينافقون ويرفعون شعار الوحدة من أجل التستر بستار خادع، ستار الحرص على العمل الشيوعي بينما هم يضعون كل العراقيل التي تحول دون إنجاز تلك الوحدة.

أحد الشيوعيين، من ذوي النوايا الحسنة من الشيوعيين السوريين، من شظية أرملة بكداش، كتب في جريدتهم quot; قاسيون quot; ينادي بوحدة الشيوعيين طالما أن مرجعيتهم جميعا هي الماركسية اللينينية. لكن هذا الشيوعي من ذوي النوايا الحسنة لا يعلم أنه ومنذ رحيل ماركس 1883 وإنجلز 1895 كان هناك دائماً أكثر من قراءة للماركسية حتى في أيام لينين، وأكثر من قراءة للينينية حتى في أيام ستالين، وأكثر من قراءة ماركسية لينينية حتى بعد رحيل ستالين. ففي مؤتمر حزب العمال الإشتراكي الديموقراطي الروسي (وهو الحزب الشيوعي السوفياتي قبل 1912) المنعقد في لندن 3190 برز قراءتان للماركسية، قراءة منشفية انتصر لها بليخانوف وقراءة بلشفية انتصر لها لينين. وفي مؤتمر الأممية الثانية المنعقد في بازل/سويسرا في العام 1912 كانت هناك قراءتان متعارضتان، قراءة لينينية تقول بوجوب تحويل الحرب الإستعمارية، التي كانت نذرها في الأفق، إلى حرب طبقية تقوم خلالها البروليتاريا في الدول المتحاربة بالاستيلاء على السلطة ووقف الحرب وإرساء السلم الدولي عوضاً عن الحرب ثم إعلان الثورة الإشتراكية العالمية وكان هذا فحوى قرار كانت قد اتخذته الأممية الثانية في مؤتمرها المنعقد في فرانكفورت 1907، وقراءة أخرى معارضة قالت بوجوب حماية أرض quot; الوطن quot; ضد الأعداء الخارجيين بغض النظر عن طبيعتهم الطبقية وكان هذا السبب المباشر لأن يعلن البلاشفة بقيادة لينين انسلاخهم نهائياً عن الأممية الثانية.

وفي المؤتمر العام العاشر للحزب الشيوعي البلشفي المنعقد عام 1921 بحضور لينين كانت هناك قراءتان أيضاً؛ قامت مجموعة من المندوبين من ذوي الأفكار الفوضوية واليسارية الطفولية المغامرة بقيادة ليون تروتسكي ـ وهي ميول بورجوازية وضيعة ـ يطالبون الحزب بإسناد التنمية الإقتصادية بكل أبعادها ونشاطاتها لنقابات العمال، متعللين باستحالة بناء الإشتراكية في جزيرة في محيط رأسمالي، وبتفرغ الحزب لتطوير الثورة خارج الحدود بحجة الثورة الدائمة، لكن غالبية المندوبين بقيادة لينين رفضوا أطروحات تروتسكي الفوضوية وقرروا الشروع ببناء الإشتراكية بقيادة الحزب في الإتحاد السوفياتي وهو ما من شأنه أن يمنح الثورة حيوية الديمومة وليس المغامرات في تصدير الثورة خارج الحدود.

وبعد رحيل ستالين في العام 1953 برزت قراءتان، الأولى وتتمثل باستمرار النهج الستاليني المتمثل بزيادة إنتاج السلع الاستهلاكية من خلال خفض الإنفاق العسكري وهي قراءة جيورجي مالينكوف الأمين العام للحزب بالوكالة ورئيس الوزراء ـ أثناء مناقشة المسألة الزراعية في العام 1950 كانت خطة ستالين في إلغاء طبقة الفلاحين الكولخوزيين تتم عن طريق غمر الفلاحين بالسلع الإستهلاكية خلال بضع سنوات ـ والقراءة الثانية قضت بالإبقاء على الإنفاق العسكري المتزايد وهي قراءة نيكيتا خروشتشوف ومجموعة العسكر في القيادة، ولسوء حظ البشرية انتصرت قراءة خروشتشوف الذي حل محل مالينكوف بقوة العسكر، واستمر سادراً في غيّه فكان المؤتمر العشرين والمؤتمر الحادي والعشرين حيث قرر وعصابته في القيادة إلغاء مبدأ دكتاتورية البروليتاريا والتخلي عن تنمية طبقة البروليتاريا لتحل محلها تنمية طبقة الفلاحين والعمل بمشروعه الشهير quot; إصلاح الأراضي البكر والبور quot; القاضي بتوسيع طبقة الفلاحين، على العكس تماماً من خطة ستالين، فكما لو أن الإشتراكية هي اشتراكية الفلاحين، اشتراكية بوخارين وريكوف، وليس اشتراكية البروليتاريا، اشتراكية ماركس ولينين.

اليوم أيضاً تقوم قراءتان وهو ما له علاقة مباشرة باستعادة الشيوعيين لوحدتهم، القراءة الأولى وهي استعاضة عامة الفرق التي ما زالت تتكنّى بالشيوعية في العالم الثالث بالعمل الوطني عوضاً عن العمل الشيوعي؛ ويتجسد هذا العمل بجملة الأعمال التي يسميها هذا الشيوعي البسيط المطالب بالوحدة، ومنها تصليب الجبهة الداخلية من أجل مقاومة شتى الأخطار الخارجية ـ وهو ما ينطوي على تجاهل طبيعة السلطة القائمة في الدولة ـ وتبني قضايا الفقراء والمحرومين وإرساء الديموقراطية والتعددية وقبول الآخر بما هو رأيه..ألخ، ومثل هذه الوحدة حتى ولو تمت فلن تكون وحدة الشيوعيين بل وحدة المفلسين الذين لم يعودوا من الشيوعيين. والقراءة الأخرى المعاكسة وتقول بأن العالم ومنذ العام 1975 قد دخل في مرحلة جديدة مختلفة وقد أخذ النظام الرأسمالي بالإنهيار منذ أزمته القاتلة في العام 1971 واندفع العالم بسرعة في نظام quot; الإقتصاد quot; الإستهلاكي (Consumerism) وما ينطوي عليه من تورم هائل في إنتاج الخدمات وما يرافق ذلك من انفلاش الطبقة الوسطى وانكماش طبقة البروليتاريا بالمقابل مما غيّب الثورة الإشتراكية عن الأفق المنظور. ولا يدرك التناقض الجوهري بين الإقتصاد الرأسمالي من جهة والإقتصاد الإستهلاكي من جهة أخرى سوى فاقد البصر والبصيرة.

بعد إكتشاف ماركس وإنجلز لقوانين المادية الديالكتيكية كان يجب أن تظل هذه القوانين المنارة الساطعة التي تنير الطريق القويم أمام الشيوعيين طلائع البروليتاريا. لكن للأسف الشديد، الممزوج بالاستغراب، أن الحال ليس كما ابتغى ماركس وإنجلز وليس أدل على ذلك من القراءات المتعاكسة التي أشرنا إليها أعلاه. وإذا كان من تفسير لتعارض القراءات فإننا لا نجد سوى الانحياز الطبقي، فمنارة المادية الديالكتيكية لا تنير الطريق إلاّ أمام المنحازين فعلاً لبروليتاريا الطبقة العاملة تحديداً. ليس من شك في أن ما مهد الطريق أمام الشاب الجامعي كارل ماركس، وهو من أصول بورجوازية وضيعة، لأن يكون ماركسياً بكل هذا الشموخ التاريخي هو انحيازه المبكر للطبقة العاملة وللبروليتاريا تحديداً، وكذلك حال إنجلز رغم أصوله البورجوازية الرأسمالية. غير المنحازين في أعماقهم للبروليتاريا لا ينجحون عادة في الإستفادة من منارة المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ولذلك تراهم ينحرفون عن الطريق القويم للثورة الإشتراكية وقد تمثل مثل هذا الإنحراف في الخط السياسي لقيادة الحزب الشيوعي السوفياتي بعد رحيل ستالين مما أدّى إلى انهيار المشروع اللينيني؛ وكان خروشتشوف فعلاً إبن عرّابه بوخارين الذي اهتم بتنمية طبقة الفلاحين قبل طبقة البروليتاريا.

بمثل هذا الإنحراف تنحرف أيضاً الشظايا الشيوعية المتعددة والمتناحرة، في العالم الثالث خصوصاً، فتتحاشى الإعلان عن إفلاسها الصريح بالاستعاضة عن العمل الشيوعي بالعمل الوطني. ولفضيحة هذه المجموعات من الشيوعيين الضالين فقد بات العمل الوطني أكثر إفلاساً من العمل الشيوعي. كانت البورجوازية بمختلف أطيافها تعمل للنهوض الوطني من أجل فك الروابط مع الإمبريالية ليتسنى لها إقامة تنمية وطنية على الطريقة الرأسمالية لفائدتها في استغلال الطبقة العاملة الوطنية. مثل هذه الطريق التي كانت ترى مفتوحة قبل ستين عاماً لم تعد كذلك وقد سدّها حاجزان لا سبيل لعبورهما أو تجاوزهما، الحاجز الأول وهو انهيار النظام الرأسمالي حتى في مراكز الرأسمالية نفسها وبذلك تمتنع آلياً التنمية الرأسمالية في الأطراف ـ ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الإنتاج على النمط الرأسمالي في الصين والبلدان المتخلفة الأخرى مثل سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية لا مستقبل له وذلك لأن هذه البلدان حتى وإن اجتمعت في كتلة واحدة لن تستطيع إقامة سوق رأسمالية دولية وحمايتها بالإضافة إلى أسباب أخرى كثيرة أهمها أولاً المبادلة الجائرة بين السلع والخدمات لصالح الخدمات، وهي المبادلة الجارية اليوم على النطاق العالمي في السوق الدولية التي لم تعد رأسمالية بفعل ذلك، وثانياً، إبطال القيمة الرأسمالية لنقود الدول الأغنى (G5) كما تقرر في إعلان رامبوييه 1975 (Declaration Of Rambouillet). وأما الحاجز الثاني فهو انهيار الثورة الإشتراكية في مركزها، موسكو، والذي بدا واضحاً منذ الستينيات إذ لم تعد موسكو قادرة على مساعدة البلدان النامية المساعدة الضرورية لتحقيق أية تنمية. أما الفصيل الثاني في ثورة التحرر الوطني فكان الطبقة العاملة التي شاركت في الثورة ليس لأجل بناء مجتمع رأسمالي متخلف من شأنه أن يعمّق استغلالها، بل من أجل فك الروابط مع الإمبريالية الدولية كشرط أساسي لنجاح الثورة الإشتراكية العالمية التي أخذت تتوالى انتصاراتها حينذاك على المسرح الدولي. اليوم وبعد انهيار هذه الثورة لم يعد من حافز يحفز الطبقة العاملة لتشارك في ثورة وطنية حتى وفي حالة إفتراض وجودها. لكل هذا فإن الجماعات التي استبدلت العمل الشيوعي بالعمل الوطني ـ غير الموجود أساساً ـ إنما تقوم بتضليل جماهير الكادحين والفقراء وخاصة إذا ما أصرت على التكني بالشيوعية؛ بل أكثر من ذلك إذ يغدو عملها السياسي على حساب دماء العمال والكادحين. إنها مطالبة في مثل هذه الأحوال بالتوقف عن التكني بالشيوعية. وحسناً فعلت تلك الجماعات التي تخلت عن التسمي ب quot;الحزب الشيوعيquot; حيث أثبتت أنها أكثر أمانة وصدقاً مع الذات من الجماعات التي رفضت التخلي عن الإسم وقد باتت اسماً بلا مسمى.

إبّان ثورة التحرر الوطني (1946 ـ 1972) كانت الأحزاب الشيوعية تطالب حكومات البورجوازية الوطنية بالتقدم على طريق التنمية وتصليب التحالف الطبقي من أجل هزيمة الإمبريالية الدولية وانتصار الإشتراكية. اليوم ليس ثمة بعد من وسيلة للانتقال إلى الإشتراكية، فلماذا إذاً هزيمة الإمبريالية حتى بافتراض أن هناك إمبريالية يمكن هزيمتها؟! الأمم المتحدة لم تكن تكذب عندما أعلنت رسمياً في العام 1972 أنه لم يعد هناك في العالم من استعمار وبناء عليه قامت بحل لجنة تصفية الإستعمار التابعة للأمم المتحدة. مع انهيار ثورة التحرر الوطني في السبعينيات تحولت حكومات البورجوازية الوطنية لحكومات غير وطنية ولعصابات من اللصوص وقطاع الطرق متخصصة في نهب شعوبها بعد أن امتنعت عليها التنمية بمختلف أشكالها. ومن أجل أن تغطي على انحطاطها تقوم بدور دونكيشوت وتحمل سيوفاً خشبية لتحارب الإمبريالية المزعومة. الشيوعي البسيط الساذج يطالب اليوم كافة الشيوعيين بالتوحد من أجل الإشتراك في الحرب الدونكيشوتية. والسؤال الكبير هنا هو.. هل يمكن أن تكون quot; قاسيون quot; ساذجة كسذاجة هذا الشيوعي الطيب البسيط فتطالب الشيوعيين بالانخراط في حرب اللصوص الدونكيشوتية؟! أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟! يبدو أن وراء الأكمة بعض القطع الذهبية التي تساقطت من جيوب علي بابا وفريقه وينخرط quot; الشيوعيون quot; في الحرب الدونكيشوتية ليس لمحاربة طواحين الهواء بل لالتقاط هذه القطع الذهبية. تفوت مثل هذه التمثيلية المخادعة صاحبنا الشيوعي الطيب وخاصة أن القادة من لاقطي الذهب وضعوا في فمه كلمات وشعارات جوفاء لا معنى لها من مثل quot; الدفاع عن القطاع العام quot;، quot; تبني قضايا الكادحين والمستضعفين quot;، quot; احترام الرأي والرأي الآخر quot;، quot; مكافحة الفساد quot;.. ألخ

لا أعتقد أن قادة مثل هذه الجماعات quot; الشيوعية quot; لم يدركوا بعد أن مثل هذه الشعارات قد فقدت كل معنىً كان لها في السابق عندما كانت البشرية في طور تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي بوساطة الثورة الإشتراكية من جانب وثورة التحرر الوطني من جانب آخر. كما لا أعتقد أيضاً أن هؤلاء القادة يجهلون الوحدة العضوية بين الثورتين، الاشتراكية والوطنية، وهو ما يعني أن انهيار إحداهما يترافق بالضرورة مع انهيار الأخرى. على هؤلاء القادة أن يخجلوا من أنفسهم إذ يخادعون قواعدهم ليعتقدوا أنه ما زال هناك ثورة وطنية رغم غياب الثورة الإشتراكية. دمغة العصر الحالي القائم منذ ثلاثة عقود تقول.. لا ثورة اشتراكية! ولا ثورة وطنية!

الشيوعي الذي يقول بقبول الرأي والرأي الآخر عليه أن يفصح بكل وضوح عن ماهية الرأي الآخر طالما أن الرأي هو رأيه. هل الرأي الآخر هو رأي البورجوازية الوطنية. لئن كان هذا ما يعنيه، وليس من معنى غير هذا، فيترتب عليه عندئذٍ أن يثبت بالدليل القاطع أنه ما زال هناك بورجوازية وطنية تناضل بقوة من أجل تنمية بورجوازية رأسمالية ولم تتحول إلى شبه كمومبرادور رثّ وضيع، وأن الشريحة الحاكمة منها لم تتحول إلى دائرة مغلقة (Closed Circle)، أي عصابة لا تمثل أي طبقة إجتماعية، تمارس عمل قطاع الطرق في نهب الشعب. الشيوعي الذي يقبل بالرأي الآخر البورجوازي هو غير شيوعي بالتأكيد طالما أنه لا يستطيع أن يعلل مغزى قبوله بالبورجوازية. ثم لماذا الحفاظ على القطاع العام الذي تمتلكه دولة اللصوص ليغدو في نهاية المطاف أداة فعّالة في قهر الشعب وقواه الحيّة ووسيلة سهلة للنهب؟ على الشيوعيين في دول العالم الثالث أن يطالبوا بالخصخصة بعد انهيار الثورة الوطنية وانحطاط الحكومات فيها.

أما الشيوعي الذي ينادي بقبول الرأي الشيوعي الآخر فلا يستطيع أحد أن ينزع منه الإدعاء بالشيوعية. هناك شيوعي ماركسي، وشيوعي ماركسي لينيني، وشيوعي لينيني بقراءة ستالينية، وشيوعي لينيني بقراءة تروتسكية، وشيوعي غير لينيني من أيتام خروشتشوف، وهناك أخيراً ماركسي قومي، ستة أصناف من الشيوعيين والماركسيين. أيٌ من هذه الأصناف الماركسية المختلفة هو المؤهل لأن يقرأ الوضع الدولي القائم بما في ذلك نمط الإنتاج السائد اليوم في العالم، وما ينطوي عليه من تقسيم دولي للعمل، قراءة ماركسية صحيحة؟ كل صنف من هذه الأصناف يدعي لنفسه القراءة الماركسية الصحيحة. لن يتوصل الجميع إلى القراءة الماركسية الصحيحة المنشودة قبل أن يتعاونوا جميعاً في تفاعل فكري مباشر وعميق الأمر الذي ليس بغيره يمكن الوصول إلى الهدف المنشود. ليس بغير قراءة ماركسية صحيحة يمكن تشكيل الحزب الشيوعي. هل يمكن تشكيل حزب شيوعي ليس لديه أية رؤية للوصول إلى المجتمع الشيوعي؟ من يقوم بمثل هذا فهو إنما يخون تراث ماركس ولينين. ليس من حزب شيوعي قائم اليوم لديه مثل هذه الرؤية حتى ولا الحزب الشيوعي الصيني الذي يحكم اليوم أكبر دولة في العالم. وحدة الشيوعيين لا تتم عن طريق تجميع الشيوعيين في حزب ليس لديه الرؤية حول الوصول إلى المجتمع الشيوعي، حزب لا يمثل طبقة البروليتاريا في حال من الأحوال، حزب لا يعرف عدوه الطبقي ولا الجهة التي يصوّب إليها سلاحه. من هنا يستحيل توحيد الشيوعيين في حزب لا يمثل طبقة البروليتاريا ولا يملك الرؤية السليمة والواضحة للوصول إلى المجتمع الشيوعي. لكن بالمقابل يسهل توحيد الشيوعيين في اتحاد، إتحاد وليس حزباً،لا يدعي تمثيل البروليتاريا ولا يمتلك رؤية محددة للوصول إلى المجتمع الشيوعي، إتحاد يتوظف أولاً وأخيراً في صيانة تراث الماركسية اللينينية والبحث عن خارطة ترسم طريق تشكيل حزب شيوعي يمتلك رؤية محددة حول الوصول إلى المجتمع الشيوعي. ولا يتأتى هذا إلا عن طريق التفاعل الفكري العميق والمباشر بين الأطياف المختلفة في الحركة الشيوعية المنضوية في اتحاد عام للشيوعيين وليس حزباً شيوعياً بكل أوصاف الحزب بشروط الأممية الثالثة. إقامة اتحاد للشيوعيين لمثل هذا الغرض هو العمل الشيوعي الوحيد المتيسر اليوم.

لو سؤل أي حزب شيوعي قائم اليوم في أي ٍمن بلدان العالم الثالث عن هدفه الاستراتيجي الأخير لما وجد إلا سلّة من المسميات البورجوازية الجوفاء التي كان كارل ماركس منذ أكثر من قرن ونصف القرن قد ألقى بها في سلة النفايات من مثل quot; العدالة الإجتماعية quot; و quot; الحرية quot; و quot; الديموقراطية البرلمانية quot; و quot; التعددية quot; و quot; تداول السلطة quot; وما إلى ذلك من مفردات لا توجد إلا في قاموس النظام الرأسمالي الأحادي وغير الديموقراطي وغير العادل وغير الإنساني، نظام انطوى على أبشع استغلال للإنسان. والسؤال الكبير الذي يقوم اليوم أمام مختلف الأحزاب الشيوعية هو.. كيف يجيز الحزب الشيوعي لنفسه أن يتاجر بالأدب الرأسمالي وباللغة الرأسمالية؟ الأحزاب التي تهرب من الإجابة على هذا السؤال الكبير إنما هي أحزاب تجار في أسواق الرق والنخاسة.

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01