بقسوة تنتزعك دماء الرضّع المتناثرة والمتدفقة عبر الشاشات العربية، من رتابة الحياة اليومية...
تشاركك هذه الدماء نهارك وليلك... عملك وفراغك... طعامك وشرابك...

كثير من الخجل سينتابك، وأنت تلتهم طعامك وتحتسي شرابك بلذة... حين تتابع بنهم صور شلالات الدماء التي تغطي كل شيء في غزة.
كثير من الحرج ستشعر به وأنت تحتضن أطفالك بدفء وحنان كل ليلة... وعيونك جاحظة ومتسمرة على مشاهد أشلاء الأطفال التي بعثرتها النازية الصهيونية في الساحات وفي غرف النوم.

ربما الوازع الديني لم يعد يعني كثيرا من العرب والمسلمين الذين يأكلون ويشربون كالأنعام.
ربما الضمير لم يعد يستنهض كثيرا منهم.
لكن العار سيظل يلاحقنا جميعا...
إذا كان الشرف الرفيع قديما لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم... فإن الشرف الرفيع في هذه الأيام قد جرفه طوفان دماء هؤلاء الأطفال وأنات أمهاتهم المفجوعة... إلى مزابل الخزي والعار...

المعتدلون العرب وفق المقاييس الأمريكية ndash; أو بعبارة أخرى المدجنون العرب، يخفون هذه الأيام رؤوسهم كالنعام...
لكن بأي وجه سيحاولون إقناعنا مرة أخرى وهم يدافعون عن خيارهم الاستراتيجي (السلام مع إسرائيل).

ليست إسرائيل فقط هي العدو... ليست هي وحدها التي تقتل الأطفال... بل كل أولئك الذين يمنحونها شرعية الوجود والبقاء...

كل من يصافح مسؤولا إسرائيليا... كل من يهاجم المقاومة العربية ( بكافة أطيافها)... هو مشترك في سفك هذه الدماء المقدسة.

كل من يؤمن بأن لإسرائيل حق الوجود، هو مدان ومشترك معها في سفك دماء الرضع... لأن إسرائيل لا يمكنها أن تكون موجودة بدون أن تمارس شهوتها المحمومة في سفك الدماء مع كل مطلع شمس وغروبها.

لأن إسرائيل مثل (دراكولا) لا يمكنها أن تعيش بدون أن تتنفس من دمائنا... لا سيما دماء الأطفال والرضع ذات الرائحة الزكية.

إنهم المبخرون العرب... الخبراء الاسترايجيون... المحللون... السياسيون الخانعون...... المفكرون ( المستنيرون)... أصحاب الأدمغة المعدلة أخلاقيا... رجال الأعمال المستفيدون من العلاقة مع إسرائيل... كلهم مدانون حتى النخاع...

روائح بخور المعتدلين العرب التي تزكم أنوفنا، لن تُذهب الروائح الزكية لدماء الرضع...

عفن بخور الاعتدال، لن يلوّث مسك الدماء الطاهرة.

الحزن الكبير ليس على أولئك الشهداء الأطفال والرضع الذين يحلقون الآن في جنان الله، ولكن الحزن والأسى على أولئك العرب الخانعين الذي يروّجون ويشرعون ثقافة الحياة مع الصهاينة الذين لا يجيدون سوى ثقافة الموت.

لعل مراسم دفن (ديانا) التي نقلتها معظم القنوات العربية ذات يوم، أهم بألف مرة من طقوس الموت الجماعي الذي يعيشه أهلنا في غزة، إذ نرى بعض القنوات الإخبارية تفرد لهذا الموت حيزا بسيطا أصغر من حجم ورقة توت، لا يكفي لستر عورتها.

نزول الدولار وصعود النفط والذهب... وسفر الحضري وعودته... أهم بألف مرة من دماء الرضع والأطفال...

ربما سيضيف وزراء إعلام العرب الموقرون، في لقاءاتهم القادمة، بندا آخر من بنود التقييد والحظر، فيحظرون نقل الصور التي تنقل لنا الهمجية الصهيونية، وذلك منعا من جلب المزيد من الخزي والعار لأنظمة الاعتدال العربي، و(لرموزه المقدسة).

معظم الثرثرة التي تجترها المطابخ والأروقة السياسية والإعلامية العربية، تدور حول انتخاب رئيس للبنان... والقمة العربية... وحضور الزعماء أو غيابهم... وكأن القمم العربية هي الحل السحري لكل كوارثنا...
وكأن هذه القمم ليست أكثر من فرصة للتسلية الإعلامية وتزجية الوقت...لا سيما بعد أن توقف العرب عن التنديد والشجب الذي عودونا عليه في القرن العشرين... إذ امتنعوا عن هذا التنديد بعد حلول القرن الواحد والعشرين...

ولكن العمى أصاب الجميع عن الذي يحدث في غزة...
الصمت المطبق هو ما يفعله الجميع في سبيل دماء الأطفال والرضع...

كل من يصمت عن هذه الدماء فهو مدان...
كل من لم يذرف دمعه على هذه الدماء فهو مدان...
كل من لم يرضع أبناءه حليب الكراهية والعداوة للذين سفكوا هذه الدماء فهو مشترك في سفكها...
كل من يحمّل غير إسرائيل مسؤولية هذه البربرية وهذه الموت المسعور، فهو يشارك إسرائيل المسؤولية الكاملة أمام الله والتاريخ والإنسانية.
الكل مدان إلا من رحم الله

ألا هل بلغت... اللهم فاشهد

ولله الأمر من قبل ومن بعد

علاء الدين الحلبي
مسلم من بلاد الله الواسعة
[email protected]