الضغوط العربية على سوريا
حين تصبح العصا جزرة والجزرة عصا

منذ ان اصبحت المطالبات الدولية لسوريا بتسهيل حل الازمة الرئاسية في لبنان معلنة وواضحة، لم تكف الإدارة السورية عن ترداد لازمة انها ليست في وارد الضغط على حلفائها في لبنان للموافقة على ما لا يرونه في مصلحتهم. لكن الإدارة السورية التي ترفض مثل هذا التدخل لم تترك مناسبة إلا واقتنصتها لإثبات دورها الأساسي والمقرر في لبنان عبر حلفائها المحليين. بل ان احد اسباب فشل المبادرة الفرنسية التي قادها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير كان طبيعة العصا الفرنسية التي لاءمت سوريا اكثر من الجزرة. فالمبادرة الفرنسية مارست سياسة ترغيب مفادها ان تسهيل سوريا الانتخاب في لبنان سينعكس ايجاباً على علاقاتها بالاتحاد الأوروبي وهو امر لا بد ان سوريا تحسب له بعض الحساب. لكن الترهيب الفرنسي تمثل في الإعلان المتكرر عن احتمال لجوء فرنسا إلى فضح الطرف الذي يعرقل الحلول في لبنان. وهذا في حد ذاته بدا للإدارة السورية يومذاك ثمناً مجزياً اكثر من الانفتاح الاوروبي على سوريا. ففي وقت ظنت الإدارة الفرنسية ان فضح الطرف المعرقل قد يؤثر على الإدارة السورية ويجعلها تقبل تقديم بعض التنازلات اللبنانية. لكن الإدارة السورية كانت تناضل منذ خريف العام 2005 من اجل الحصول على اعتراف دولي وعربي بقدرتها على العرقلة في لبنان. وهذا ما اتاها فرنسياً على طبق من ذهب، وبوصفه العصا الغليظة التي يمكن لفرنسا ان ترفعها في مواجهة سوريا. ويمكن القول ان سوريا يومذاك فضلت العصا الفرنسية على الجزرة لأنها وجدتها مجزية أكثر.


تكرر الأمر بحرفه مع المبادرة العربية التي قاد مفاوضاتها امين عام الجامعة العربية عمرو موسى، من الناحية السورية. وعلى النحو نفسه، فإن المقاطعة العربية للقمة العربية المقرر عقدها في دمشق لا تبدو بالنسبة لسوريا عقوبة ذات وزن. بل الاصح القول ان مثل هذا التهديد يبدو بالنسبة لسوريا جائزة لم تكن تحلم بمثلها. إذ ان مقاطعة بعض الدول المحورية القمة العربية التي قد تعقد في دمشق، قد يمثل بالنسبة لسوريا المطالبة بالدخول تحت السقف العربي الذي تقوده دول محور الاعتدال العربي، ثمناً مجزياً اكثر من حضور هذه الدول القمة بوفود رفيعة المستوى. حيث تبدو العقوبة المقترحة على سوريا كما لو انها جائزة لها. فسوريا التي قد تقاطعها بعض الدول العربية في وسعها ان تكتفي بمن يحضر من الدول لتعتبر ان حضور هذه الدول هو مثابة استفتاء لصالحها على سياساتها العامة. بحيث يسهل على الإدارة السورية الترويج لتأسيس محور عربي تقوده بنفسها في مواجهة المحور المقاطع. ويكفي في هذه الحال حضور بعض الدول العربية لتستحضر سوريا تجربة جبهة الصمود والتصدي في نهاية السبعينات، بوصفها تقود هذا المحور منفردة بعد خروج العراق من المعادلة وعلائم الوهن التي ظهرت على ليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية، واولاً واساساً إثارة مئات علامات الاستفهام الكبرى حول استقلال لبنان والاعتراف بشرعيته دولة ممثلة في الجامعة العربية ومؤسس من مؤسسيها.

الأرجح ان مثل هذا السيناريو تعرفه سوريا جيداً وهي لذلك لن تلجأ لا اليوم ولا غداً إلى الضغط على حلفائها لتسهيل عملية انتخاب الرئيس في لبنان، قبل ان تشتعل النار فيه، فيتحول اطفاء النيران سبباً مركزياً للدعوة إلى مؤتمر عربي ndash; عربي، او عربي ndash; دولي، حول لبنان يعيد تشريع الدور السوري المباشر في اطفاء اللهب اللبناني مرة جديدة.العائق الوحيد امام مثل هذا السيناريو الكارثي على لبنان واهله، يتمثل في مدى استعداد اللبنانيين للدخول في حريق كبير بأرجلهم ومن دون ان يدفعهم إليه احد.

بلال خبيز