وثيقة البث الفضائي العربي اعلام تطبيل وتزمير بديلاً عن حرية التعبير


بعد الحصار المفروض على الاعلام المكتوب، ها هو الان مع وثيقة البث الفضائي العربي الذي تبنّاها اخيراً وزراء الاعلام العرب وتحت ذريعة تنظيم البث الفضائي الاذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية، حصار ويصل الى الاعلام المرئي والمسموع، فسمعاً وطاعة وعلى العين والرأس، هو الجواب المطلوب من الاعلام العربي تجاه حكومات عربية بات يصح فيها قول المتنبي لسيف الدولة:
يا اعدل الناس
الا في معاملتي
فيك الخصام وانت الخصم والحكم
فعندما اقر مونتسكيو وجان لوك lock مبدأ فصل السلطات، التشريعية عن التنفيذية، والتشريعية والتنفيذية عن القضائية، وبعدها فصل السلطة الاعلامية عن السلطات الثلاث ليضاف اليها السلطة الرابعة الاعلامية، لم يكن في ذهن هؤلاء الرواد من دعاة الحريات انه سياتي يوم تغتصب فيه انظمة عربية، وقبلها نازية او فاشية او اي ديكتاتورية غربية او شرقية، حقوق الاعلام الذي بات جزءاً لا يتجزا في ميثاق الامم المتحدة عن حقوق الانسان، حتى ولو كانت ذريعة الاغتصاب كما تدّعي الحكومات الحرص على وضع قواعد وانظمة ومعايير... ترى من يحددها ؟؟؟ او تحت حجة الحرص على التقاليد تارة والاديان طوراً، او تارة وطوراً معاً الحرص على مبادىء كرامة الانسان... ترى من يفسرها ؟؟؟ فيما لا كرامة لانسان ولا لوطن يقتصر فيه اعلام الفضائيات او الارضيات على ثرثرة ببغائيات، تعيد الى الاذهان زمان بني عثمان، وبعده الاستعمار الاوروبي وورائه الاميركي والاسرائيلي، لكنه في زمان الاستقلال وما بعد الاستقلال، بات اعلام ظلم ذوي القربى له اشد وادهى واقسى من ظلم سلطات اجنبية التي لم يصل ظلاّمها احياناً الى ما نشهده اليوم من وثيقة اعلام قيل فيها انها تكاد تنظم كل حركة شهيق وزفيرللشعوب العربية ويكاد لا ينافسها في غضبتها على الحريات الاعلامية سوى الوثيقة السياسية التي اصدرها اخيرا المجلس الصهيوني الاسلامي ونشرتها صحيفة هارتس والتي تفرض على عرب ال 48 الولاء الكامل للدولة اليهودية وسياستها واعلامها، بما فيها اعتراف منهم بان المقاومة حركات ارهابية، مقابل منع عرب 48 بعض حقوق لا تعطى لهم الا اذا قبلوا عبودية اسرائيل وحكمها القمعي واعلامها الرسمي الذي كما كل اعلام رسمي تحت اي حكم سياسي يقال عنه انه بالنسبة للاعلام الحر مثل صخب الضجيج بالمقارنة مع غنائيات موزارت وسيمنفونيات بيتهوفن، وبولونيزات شوبان او كما في قول JOSEPH PULITZER صاحب الجائزة الاعلامية الكبرى، ان اعلاماً مهرّجا يقتصر على الحكومات يصنع شعوبا مثله انحطاطا وتهريجاً او كما يقول الصادق النيهوم: غاية اعلام الحكومات هدفان: تجاهل اخطاء الحكام والتمجيد بمنجزاتهم نثرا وشعرا وحتى اغاني اطفال ومن اموال الشعب عبر خزينة الدولة وليس لخير الشعب وانما لمجد الحكام، وفي اعلام تتحول فيه كلمات السلطة الى قذائف نارية رسمية شرعية تنفجر ويتطاير من حولها اللهب فتسقط امامها المعارضة الجريئة والصريحة... صريعة؟


من هنا فإن لاعلام الحكومات روايات. ومنها حال اعلام مصر في عهودها الملكية، حيث كتب رئيس تحرير صحيفة يومية مصرية ما جرى له خلال الحرب العالمية الثانية مع الرقيب الحكومي الذي سأله غاضبا: كيف تهاجم ابن الرومي؟ الا تعرف ان رومي معناها يوناني، واليونان كما الفرنسيون والانكليز حلفاؤنا. الا تعرف انه ممنوع في قانون الاعلام مهاجمة الدول الحليفة والصديقة؟


او كما كان حال اعلام لبنان عندما كانت تعليمات الرقيب لصحافة بيروت انه اذا حصل واغتيل حاكم في بلد ما يجب ان يكتفي في النشر بأنه توفي الى رحمة الله. وعندما اغتيل فرنسوا كارنو رئيس جمهورية فرنسا اصر الرقيب العثماني ان ينشر الخبر بانه ساءت صحته. وعندما اعترض المحررون: كيف تنحرف صحته فقط هو الان موجود في السماء... طلب الرقيب نشر الخبر بالشكل التالي: الى جنان الخلد ساءت صحة فخامة رئيس جمهورية فرنسا بسبب تقدمه في السن فانتقلت روحه الى بارئها. وعندما قرأ السلطان عبد الحميد الخبر هاج وماج: كيف يسمى فخامة رئيس فرنسا فيما الفخامة هي للسلطان فقط... وكيف ينشر انه مات بسبب تقدمه في السن؟ واليس السلطان العثماني متقدم في السن ايضا...ةاليس هذا ايحاء للرأي العام بأن السلطان سيموت...وفي هذا اقلاق للخواطر وتهييج للقلاقل.

و كان ان استبدل الرقيب العثماني كلمة فخامة بكلمة quot; حشمتلوquot; للرؤساء. لكن المشكلة جاءت عندما اضطرت الصحيفة الى نشر خبر عن ملكة انكلترا مسبوقا اسمها ب quot; حشمتلهاquot; بدل quot;حشمتلوquot;. وثار الرقيب بان هذا التعبير ساخر غريب. فاحتارت الصحيفة امام اعلام السلطان وازلام السلطان ماذا يكتب وماذا ينشر، حتى وصل الامر الى كلمة quot; رئيس الجمهوريةquot; والتي اعترض عليها ايضا رقيب السلطان على اساس ان quot;الجمهوريةquot; تعني حكم الشعب وتوحي بالثورة، فاخذت صحف بيروت يومها تكتفي بعبارات رئيس اميركا ورئيس فرنسا، ودون فخامة او جمهورية. الى ان جاءت المشكلة ايضا عندما نشرت صحبفة بيروتية quot; اعلانا للجمهور عن فتح محل للاحذية quot;، وهنا ثارت ايضا ثورة الرقيب بان اعلانا للجمهور يوحي بالشعب وحكم الشعب، طالبا استبدال الاعلان للجمهور بالاعلان للعموم، حتى كان ان انتقلت المشكلة الى مصر ايضا زمان السلطان العثماني مراد الثاني الذي طلب الى المطرب عبدو الحامولي ان يغني في حضرته. وعندما سمع الوزير المختص عبارة الاغنية:
غاب عني مرادي الحبيب
وانهمر دمعي الحبيب
ثار الوزير في وجه عبد الحامولي

وكيف تقول quot; غاب عني مرادي quot;، الا تعرف ان مراد هو الاسم الاول للسلطان؟؟ ةعندما حذف الوزير كلمةquot; مراديquot; انكسر بيت الشعر في الاغنية، واحتج عبده الحامولي فجاء جواب الوزير الذي كان يومها بمثابة وزير اعلام سلطان بني عثمان: خير لنا ان نكسر بيت الشعر من ان يكسر السلطان رأسي ورأسك ورأس نصف مجلس الوزراء...على الاقل!

ومع وثيقة البث الفضائي العربي، قد لا يصل الى الامر الى ما هو اكثر من هذا المثيل... لكننا حتما سنسمع ونرى شيئا من هذا القبيل!!


ماريا المعلوف