منذ البداية شكل الموت عوالمه لدى البشر،فكان هناك الرقص والدوران حول النيران والحيوانات وسحق الجثث وهصرها مع الطين ثم مسحها مع السطح لتعود الأرض كما هي،ومع استمرار الموت الطبيعي النادر أو المصادف المفاجئ الدائم،اكتشف البشر البكاء كتعبير أناني عن الفقدان،ومن البكاء تولدت المشاعر الأخرى وتكونت الروابط الأولى،ومن المشاعر البدائية حتى المشاعر القصوى وبمرور الموت الدائم المعتاد والتعود عليه،اضطر البشر في تطوير ممارسات هائلة في اكتشاف الموت و التنويع في أدوات القتل الجارية خلافا ً للسيف الإسلامي المسلول الذي خسر أسبانيا، فتوحدت أميركا، وتجزأت أوربا، ثم بعد الحرب العالمية الأولى اتفقت الأمم المساهمة في الموت البشري المعلن الممارس على وضع قوانين للحد منه،والذي وصفوه بـ(الحيواني )، وقد ظلموا فيه الحيوانات.

ومع مرور عشرات السنين على اتفاقيات تمت بين رؤساء البشر من مختلف الجهات، على نكران الموت والتصدي له ومكافحته عبر القنوات والأساليب المتوفرة كل دولة ومقدرتها وكل مملكة وفيضها وكل مستعمرة وقبيلة كما تشاء، فأن البشر وكما يزالوا يتحاربون..على ديدنهم،بدأً بالسكين وانتهاءا بصاروخ العامرية الذي أطلق من البحر الأحمر ليدخل في فتحة تهوية بملجأ في بغداد بغض النظر...عن قاطني ذلك الملجأ..!!!.

الموت أصبح شأن العالم الوحيد المتفق عليه،ثقافة الموت تجدها في الرواية والسينما والموسيقى والتلفزيون والسياسة..ناهيك عن الأديان وهي أبواق الموت الصارخة، فقد تم قتل 69 بريئا في الكرادة ببغداد، وثمانية في القدس إضافة إلى القاتل الضحية المقتول..!!،في الأيام الأخيرة التي مضت.

لماذا ُيشكل الموت منعطف الحياة الآن، هل فشلت الحياة غربا وشرقا في الانتصار للوجود، هل تمت هزيمة الحياة،أم الموت هو السيد أو الفكرة المتسيدة على جميع البشر الذين يعانون من أزمات الغنى والفساد والإيدز والميكروكروبات،،كوكب الأرض وحسبما يقول الخضر والبيئييون في طريقه إلى الموت،اليابانيون يقتلون الحيتان الأخيرة المتبقية في المحيطات ليأكلوها،ودبي تفتح فنادقها المترفة للرجال الأغنياء الهاربين من زوجاتهم في وسط صحراء اجتماعية قاحلة.

في الأمس تم القبض على تاجر الموت الروسي فيكتور بووت،وفيكتور بووت هو في الحقيقة تاجر حياة، فهو لا يختلف عن تجار الموت بشيء،فقط لأنه يبيع السلاح ويبرم الاتفاقيات مع الدول والعصابات،ولكن أين تجار الرز والشاي والطحين والإلكترونيات المزورة، أين هم تجار النقود المزورة، وأين هم تجار الكوكائين والمخدرات والجنس وبائعي الأطفال والعبيد الجدد، أين هم رؤساء الدول المزورين؟

أينهم تجار الشعوب..
سوف يستمر الموت.


في فيلم (THE KITE RUNNER)،يسأل المعلم المتعب ذو الوجه القذر الذي يشرف على دار للأيتام،الرجل الأفغاني الأمريكي الذي جاء من أميركا متنكرا لإنقاذ ابن أخيه وفي زمن حكم طالبان، لماذا تسأل عن هذا الفتى فقط..؟... لدي هنا أكثر من مئتي يتيم،وحين يقول الأميركي الأفغاني وبغضب أريد هذا الفتى فقط، ينفجر ُ المعلم الأفغاني غضبا ً ليقول وما شأن هؤلاء،تنقذ واحدا وتترك المئات...،حتى ينتهي الحوار ليقول المعلم إني أبيع ُ طفلا ً أو طفلين كغلامين يزنى بهم، لكي اشتري طعاما لمئتين من الأطفال.

واصف شنون