في أي بلد استبدادي يأخذ أي تحرك لونه السياسي، لذا جاء إنتاج quot;باب الحارةquot; الذي كتب عنه كراريس عدداً، ليدخل على خط الترويج السوري للمواقف السياسية التي تتبناها في هذه الفترة، أستشهد هنا بالنقاد الذين ربطوا بين إنتاج مسلسل الحجاج والذي بث في عام 2004 وبين النهج السياسي في سوريا. إن العلاقة بين مواقف حارة quot;الضبعquot; وبين حارة quot;دمشقquot; متشابهة ومتطابقة، فـquot;الفنquot; في العالم العربي غير بريء من أدران السياسة، لأن البيئة المقموعة تنتج فنها وبناءها وفق المساحات السياسية المتوفرة. quot;عباس النوريquot; مثلاً والذي قام بدور quot;أبو عصامquot; يدافع بشراسة عن كل أشكال القمع التي تحدث في سوريا، وفي لقاء معه على قناة mbc في الفترة الأخيرة رفض أي نقد يوجه ضد القمع السوري خاصة من طرف اللبنانيين، وفنان سوري آخر صرّح لبرنامج quot;قريب جداًquot; على قناة الحرة بأنه quot;بعثيquot; حتى الموت! مما يعني أن الفنّ في سوريا مرتبط بآلة تدار من فوق إلى أسفل، يدل على تلك التفاهات موقف نقيب الفنانين السوريين صباح عبيد من الفنانين اللبنانيين في الفترة الأخيرة.
المفاجأة التي هزّت quot;العقيدquot; أنّ الأمريكي أرسل المدمرة quot;يو أس أس كول USS Cole،على سواحل لبنان، وهو ما استفزّ كل رجال الحارة، رجال الحارة يسمعون فقط من quot;العقيدquot; أما الأجنبي الذي يستدين من quot;بائع الخضارquot; ولا يسدد دينه فهو من المرتشين الذين لا أخلاق لهم ولا سلوك، جاءت المدمرة كول لتصدّ شرّ الدعم الكثيف للميليشيات في لبنان وفلسطين، وهي الميليشيات التي لم تقصّر quot;الحارةquot; في دعمها حتى quot;العقيدquot; نفسه كان يذهب سراً ويؤمّن السلاح للمنشقّين تحت اسم quot;المقاومةquot;، كما تقوم بتهريب quot;شباب الحارةquot; إلى العراق، وتهيئتهم للتدريب والتفجير وسلخ الأطفال وسحق الآمنين تحت اسم quot;المقاومةquot;، اهتزّت الحارة وبدأت تلتف حول quot;عقيدهاquot; الذي لا يمكن أن يستدرك على رأيه أحد.
quot;العقيدquot; ظهر على أنه المعصوم الوحيد الذي باستطاعته إصلاح كل أخطاء أبناء الحارة السذج الذين لا يجيدون سوى quot;الطاعةquot; تمّ رسم العقيد سياسياً على أنه quot;الرئيس الأبديquot; الذي لا يمكن لأحد أن يفكّر أن يحلّ محله، خاصة وأن quot;العقيدquot; قد خصص إدارة الحارة لأخيه وصهره، لذا لم تتمكن الحارة من الهناء والهدوء في فترة كان فيها quot;العقيدquot; خارج الحارة في زيارة quot;طارئةquot; استراتيجيتها تنصبّ على دعم الميليشيات، وأظهر المسلسل السياسي quot;باب الحارةquot; كل الشعب على أنهم لا يجيدون سوى شراء الفاكهة واللحم والنوم والحكي، وأن نساء الشعب لا همّ لهنّ سوى quot;الثرثرةquot; والغرق في القيل والقال والذهاب إلى السحرة، بينما الحصيف الوحيد الذي ستهتزّ الحارة كلها إن مات أو غاب فهو quot;العقيدquot; البائس القاصر الذي يأمر ويطاع والذي لا يردّ له أي رأي ولا يناقش معه أي قول، ألم يحدث أكبر تفكك أسري في الحارة بعد أن سافر العقيد لمدة قصيرة؟
مشكلة المدمرة كول أنها ربما تؤثّر على الجزء الثالث المزعوم الذي كنت أتمنى على محطة راقية ومحترمة مثل mbc أن تنأى بنفسها عن الوقوع في سقطة تاريخية عبر إنتاج هذا المسلسل الضار أو رعايته، فهذا المسلسل الهابط لا يستحق سوى النقد والكشف، سيأتي الجزء الثالث بسيناريو يرسم-ربما-عصمة أشد للعقيد، الذي يواجه الضغوط من كل مكان، خاصة وأن الفرنسيين الذين يدخلون الحارة ويدخلون على أبي مرزوق في دكانه ويلتهمون quot;الموزquot; سيحضرون ربما بقوة، بعد أن انتهى الفرنسي من كل أشكال التواصل مع quot;الحارة quot; لست أدري إن كان كوشنير من quot;عشاق الموزquot; لكنني أعلم أن المدمرة كول ستكون غائبة لأن quot;الفرنسيquot; أصبح هو المجسّد للأجنبي عامةً، أما quot;أبو النارquot; فهو ndash;ربما- الرمز لمحور الاعتدال العربي والذي يرفض أي شكلٍ من أشكال المدّ quot;الضبعيquot; على الأماكن المستقرة، لذا تم تشويهه ورسم ملامح quot;شريرة في وجههquot; وإظهاره على أنه quot;العدو القريبquot; الذي ربما في يوم من الأيام أن يتصالح مع الحارة وأن يخضع لمشروعها التوسعي الذي لا يحد تمدده أي شيء.
quot;كولquot; لا تعرف عن الحارة أي شيء، هي تريد أن تؤمن خطتها في المنطقة، وإذا كانت الأسلحة اليدوية و quot;الطراطيعquot; التي تخرج من quot;الحارةquot; إلى quot;خنادق المقاومةquot; quot;كولquot; ستثبت أن عهد عشق الموز قد انقضى، وأن الحارة لا تعرف سوى الغناء بحتمية سقوط من quot;يتحدى الحارةquot;. كول لا تجيد إنشاد الشعر، هي تجيد تطبيق quot;استراتيجياتquot; بنتْها العقول في المختبرات ومراكز الأبحاث، والقرارات التي يتخذها الأمريكي والقرارات التي جاءت بكول ليست قرارات ارتجالية كما هي حالة quot;العقيدquot; الذي يستشير quot;شيخ الحارة، وصهر العقيد، وأخ العقيد، وخباز الحارةquot; وإنما نتاج خطط ترسم على مدى عقود والمدمرة كول لم تأت إلى المنطقة لتنشد الشعر، وإنما لتفضح quot;الشعراءquot; الذين يقولون ما لا يفعلون، quot;العقيدquot; يقع على شواربه quot;الطيرquot; لكنه ساذج. سيفيق quot;صهرquot; العقيد ربما من النوم-كالعادة- ليهتف بالحارة عن خطر quot;كولquot; ويرسل quot;معتزquot; إلى خاله ليوقظه، حينما يستيقظون يعلمون علم اليقين أن المدمرة لا يمكن مواجهتها ببنادق quot;العقيدquot; وموزها وخبزها. لعل حارات كثيرة تستيقظ من نوم عميق.
فهد الشقيران
كاتب سعودي
[email protected]
التعليقات