موقف النظام المصري من جماعة الإخوان المسلمين يحتاج الي تفسير... فهو يقول أنها جماعة محظورة بحكم القانون.. كما أن ممارسة أي نشاط سياسي وليس فقط حزبي علي أساس ديني هو أيضا غير مسموح بحكم الدستور بعد التعديلات الأخيرة.. وفي نفس الوقت يسمح النظام لجماعة الإخوان بممارسة النشاط السياسي علنا.. فمقر جماعة الإخوان أبوابه مفتوحة.. ومرشد الجماعة ونائبه وأعضاء مكتب الإرشاد لا يتوقفون عن إصدار التصريحات السياسية لجميع وسائل الإعلام.. وكتلة نواب الإخوان في مجلس الشعب لا تخفي انتمائها للجماعة.. ولا يعتبر أعضاء هذه الكتلة أنفسهم مستقلين.. ولا يعتبرهم الآخرون كذلك..الوحيد الذي يعتبرهم مستقلين هو احمد فتحي سرور والنظام في حالة حادة من الضحك علي النفس ودفن الرؤوس في الرمال مثل النعام..
جماعة الإخوان تمارس السياسة علنا علي المستوي الشعبي و علي المستوي الرسمي في مجلس الشعب.. ثم تقول الحكومة أنها جماعة محظورة.. وتقبض علي الصف الثاني من الجماعة بحجة الانتماء الي جماعة محظورة.. حالة حادة من الفصام.. فصام قانوني ودستوري يدعو الي الرثاء قبل العجب والتعجب.. في محاولة للضغط علي الجماعة قبل انتخابات المحليات..
رغم أن الحل القانوني والدستوري سهل ولا يحتاج اعتقالات إذا كانت الحكومة تؤمن فعلا أن جماعة الإخوان هي جماعة محظورة.. وتثق في نفسها وقدرتها..
والحل هو أن تغلق مكتب ارشاد جماعة الإخوان لممارسة أعضائه نشاطا سياسيا وحزبيا علي أساس ديني.. وتمنع اي متحدث يعلن انتمائه لجماعة الإخوان من إصدار تصريحات سياسية لوسائل الإعلام.. من حق أي مواطن مصري ممارسة السياسة كمستقل أو كمنتمي لأحزاب مدنية.. ولكن ليس من حقه ممارسة هذا النشاط السياسي علي أساس ديني.. اسلامي كان أو مسيحي..
واي وزير يطلب فتوي من الأزهر أو مكتب المفتي بخصوص سياسة وزارته كما حدث من وزير التموين مؤخرا بخصوص الخبز المدعوم هو يخالف القانون والدستور تماما مثل جماعة الإخوان المسلمين.. رغم حسن نيته الواضحة..
إن اراد النظام الاحترام فيجب ان يتمتع بمصداقية ولا يمارس خلط الدين بالسياسة وأن يحترم القانون والدستور.. وأن يقرر إن كانت جماعة الإخوان محظورة فعلا أم لا..
إن كانت فعلا محظورة يجب أن تمنع بحكم القانون من ممارسة أي نشاط سياسي ويمنع مرشحيها من التقدم الي اي انتخابات سواء كانت انتخابات المحليات أو مجلسي الشعب والشوري ويمنع اي مرشح من رفع شعارات دينية اسلامية أو مسيحية.. سواء كان هذا المرشح تابع لأي حزب أو جماعة.. وتلغي عضويته من أي مجلس إن أعلن انتماءه بعد نجاحه الي حزب غير قانوني... سواء كان هذا الحزب جماعة الإخوان أو أي حزب لم يحصل بعد علي تصريح قانوني..
إن كانت جماعة الإخوان فعلا غير شرعيه ومحظورة قانونا يجب فصل كل أعضاء كتلة الإخوان من مجلس الشعب وليس إلقاء القبض علي معاونيهم.. النظام لا يحتاج الي اعتقال أعضاء جماعة الإخوان ولكن يحتاج أن يمنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي إن كان صادقا مع نفسه ومؤمنا فعلا بالدولة المدنية.. دولة المواطنة وسيادة القانون..
السياسة الحالية التي يتبعها النظام مع الإخوان هي سياسة فاشلة بكل المقاييس.. فهي تزيد شعبيتهم في الشارع و تسحب من رصيد النظام والأحزاب الشرعية سواء الحزب الوطني أو أحزاب المعارضة..
لابد أن يحزم النظام أمره.. هل مصر فعلا دولة مدنية.. الدين فيها لله والوطن للجميع.. عندها يجب أن يمنع فعلا أي نشط سياسي علي أساس ديني.. ويمنع أي تمييز علي اساس ديني.. ويحذف خانة الديانة من بطاقة تحقيق الشخصية.. ويمنع النقاب الذي يغطي الوجه لأن الوجه لأنه جزء من تحقيق الشخصية.. ولا يتدخل بعد ذلك في الأمور الشخصية من لبس الحجاب أو خلعه.. فهو حرية شخصية طالما الوجه مكشوف..
أما ما يحدث حاليا فهو سمك لبن تمر هندي.. فمصر ليست دولة مدنية كما ينص القانون والدستور.. وجماعة الإخوان ليست محظورة كما تقول الحكومة فهي تمارس نشاط سياسي علني.. والحزب الوطني نفسه يخلط الدين بالسياسة في مخالفة للدستور..
والنتيجة.. مصر تخسر والحزب الوطني نفسه يخسر ولا يكسب من هذا الموقف إلا جماعة الإخوان.. موقف يذكرني بغزو أمريكا للعراق.. خسر الجميع وخسرت الديمقراطية في عالمنا ولم تكسب سوي إيران التي تناصبها أمريكا العداء..
كفانا رقصا علي السلم.. لا طولنا فوق ولا تحت..سياسة الاعتقالات لأعضاء الجماعة من الصف الثاني لا يفيد.. ولكم منعهم من ممارسة النشاط السياسي علي أساس ديني هو الحل الصحيح دون اعتقالات.. أن تقرر الحكومة هل جماعة الإخوان محظورة ولا مش محظورة..
عمرو اسماعيل
التعليقات