من جديد، شاة تُساق للذبح وليس لها إلا أن تطلق اهات مخنوقة، مرة اخرى يدفع البرئ ثمن المهزلة وهو ليس له فيها لا في العير ولافي النفير، ماأقسى ان يرى الانسان جهد عقود من السنين وقد بات هباءً منثورا، ما أفضع ان يرى نبتة الحب والسلام التي زرعها بيديه الطاهرتين، واستمر يرويها، يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة، املا في ان يتفيأ بضلالها كل الموحدون وعشاق السماء والارض، وقد تحولت في لحظة مشؤومة الى غابة موحشة، يحصد منها دما وموت ! الحبر الجليل المطران بولس فرج رحو، رسول السلام في القرن العشرين ومابعده، اختار ان يسير في الازقة والطرقات، يجول يصنع خيرا، مع الجميع بالوانهم ومذاهبهم واديانهم وقومياتهم، توًلع عشقا في مهنة صيد الناس ليجعلهم طعاما لله ولتكون كلمة الحياة خبزا لهم، يدعو نفسه قبل الاخرين الى التوبة وعمل الصلاح، يشعر بالفرح حد الثمالة عندما يستطيع ملامسة دموع الخطاة، ينادي الجميع بل يتوسل اليهم، أن كُفوا عن إجبار المسيح ( له المجد ) على الصعود، مع كل خطيئة ومعصية، الى خشبة الصليب من جديد، انه صوت صارخ في برية الموصل وفي كل مكان، ان قومِوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة.

اي كابوس احمق هذا، اية محنة هذه ان تُقتل الخراف والراعي المسكين يشهد الحدث، لايملك ان ينطق ببنت شفة، بل انى للكلمات ان تخرج وهي ترى بين الايادي هذا الحصاد المرير، حصاد لم يخطر في البال والحسبان، لايتفق مع كل الحسابات، بل انه الاستثناء الذي اصبح قانونا في زمن اللاقانون. يقينا ان هذه المحنة هي لحظة فاصلة في الزمن والحياة على المستوى الشخصي ومن المؤكد ان المطران الجليل، وبعد ان ينشر الله نوره في نفوس خاطفيه ويُفك اسره، سيعود ليختصر حياته ومسيرته بمرحلتين تاريخيتين، قبل الاختطاف وبعده، كما ان شعبنا يجب ان يراجع الذات ويعيد الحساب على اساس ان هذه العملية ومثيلاتها هي محطات فاصلة ليس لرد الفعل الاني على الحدث فحسب، بل لاعادة تعيير البرامج والخطط وقبل ذلك الذات لكي نكون جميعا بمستوى التحديات.

سمير ورامي وفارس، ثلاثة براعم لم تعمل في السياسة ولم تحضر اجتماعات مجلس النواب ولم تتمتع بامتيازات اعضائه، بل اختارت حضور صلاة درب الصليب وطريق الالام. لكل من هؤلاء الشهداء الثلاثة، ثلاثة اطفال بعمر الزهور حكم القدر الاحمق عليهم ظلما بالشيخوخة المبكرة، لان الانسان يبقى طقلا حتى يفقد احد والديه فيدخل مرحلة الشيخوخة دون استئذان ولاسمة دخول، إذن تسعة زهور تم تحطيمها، مضافا الى ذلك الثكالى امهاتهم، قرينات الشهداء الثلاثة، الناتج خمسة عشر ضحية، بعضها اصبح اشلاء والاخر محطم حتى الموت، هذا اذا بقينا في الدائرة الضيقة جدا ولم نتجاوزها الى الدائرة الاكبر، حيث الام التي ينزف قلبها دما، والاب الذي تقوس ظهره والاخ والاخت والصديق والمحب وكل الحزانى لاخوة في الانسانية والدين والوطن قضوا دون ذنب او جرم.

يامطراننا الجليل، يا ابينا يعقوب، قلوبنا عليك تقطر حزنا وانت ترى، ابنائك الروحيون، ( يوسف ) بالعشرات يُرمى في البئر، لكنك كما عرفناك ستبقى تؤمن انهم ليسوا اخوة يوسف الحقيقيين، فاؤلئك يعرفوك جيدا وتعرفهم جيدا، معهم اكلت وشربت، خرافك وخرافهم كانت دوما وستبقى في مرعى واحد، لايفرق الذئب وبنات اوئ بينها فلطالما امتزجت الدماء في ليالي الغدر،فرحت لفرحهم وحزنت لحزنهم، يتذكرك الجميع كيف تعشق ان يمتزج ايقاع الناقوس مع صوت الاذان تكبيرا وتمجيدا للخالق العظيم.

وانتم ايها الكلدان، ايها الاحبة الاقرب الى النفس من حبل الوريد، يا اهلنا واخوتنا في الحسب والنسب، كُتب عليكم ان يكون نصيبكم القدح المعلى في سقاية شجرة الاصرار على الوجود، وكُتب علينا ان نفخر بكم قياما وقعودا، مع الصباح وعند الاصيل.
وانتم ايها الخاطفون، لقد انجزتم المهمة وقتلتم شيخنا الجليل عشرات المرات وجعلتم ظلما الموت ظله، حتى يشاء الله امرا كان مكتوبا، وهو ابن ورسول للحياة، فما نفعكم بالمزيد.


الملايين في مشارق الارض ومغاربها، شعوبا وقبائل واجناس مختلفة، مسلمين ومسيحيين وديانات اخرى، تطمع في ان تكحل اعينها برؤية الشيخ والحبر الجليل، فتمسح بعض دموعه تعبيرا عن الوفاء فهل ياترى يصل هذا النداء.

د. وديع بتي حنا
[email protected]