أي حديث للدكتورة وفاء سلطان يحظي بكم هائل من ردود الأفعال ما بين مؤيد ومنكر، وتصبح شغل الناس الشاغل،وخاصة أحاديثها التلفزيونية في "الجزيرة". بما أن وقت عملي لا يسمح لي كثيراً بمشاهدة التليفزيون ناهيك عن "الدش" فأتابع الأخبار دائماً من خلال الإنترنت،وسمعت أن آخر لقاء للدكتورة وفاء سلطان قد أثار زوبعة في الميديا العربية،حتى إن قناة "الجزيرة" قد قدمت إعتذاراً لمشاهديها عما قيل في هذه الحلقة.


إلتقيت د. وفاء مرتين في مؤتمرين،وهي-لمن لا يعرفها عن قرب- إنسانة هادئة جداً، لبقة الحديث ومنفتحة جداً، تحدثت معها على هامش المؤتمرين مطولاً،واختلفت مع فكرها كثيراً، وافترقنا والبسمة على شفاهنا،وفي إحدي المؤتمرات وأثناء تناولنا الغذاء في الفندق،احتدم النقاش بين صديقي نبيل شرف الدين والدكتورة وفاء،وانفعل صديقي نبيل شرف الدين من آراء وفاء سلطان، حتى أنه ترك الغذا وتوجه إلى غرفته في الفندق،ويرجع سبب الخلاف أن نبيل قال لها أنت غير مؤهلة للكلام عن القرآن والدين بدون علم،وأن هناك من يملك حق التفسيرمن علماء وشيوخ الأمة،ولكن د. وفاء أصرت على كلامها. حاولت أن ألطف حرارة النقاش لأنني كنت بجوارهما،وبعد صعود نبيل إلى غرفته،خلوت بالدكتورة لأناقشها في أفكارها،فأوقفتني بعبارة quot;يجب تدمير الدينquot;،فضحكت-وشر البلية ما يضحك- وقلت لها: لا يمكن ذلك، فالدين مكون أساسي في حياة الإنسان، لأنه يرضي نرجسيته بعدم الفناء بعد الموت بالخلود في حياة أخرى،كما أن للدين وظائف إجتماعية أخرى، حيث أنه عزاء للمحزونين، فلا أحد يستطيع القضاء على الدين، وإن من حدثته نفسه بالقضاء عليه لا يفعل غير حمل الماء لطاحونة المتعصبين الدينيين على حساب المتنورين والمصلحين الدينيين. والمطلوب ليس القضاء على الدين،فهذه خطيئة وإستحالة في وقت واحد. بل إصلاح الدين، ليساعد الإنسان المنكوب،مثلنا،بالعزاء والسلوى،في الحالات القصوى كالبؤس والمرض والموت. والله يا سيدتي، لا يفرج كربي عندما تضيق بي الدنيا بما رحبت،وأعجز عن تلبية مطالب أسرتي،إلا الصلاة، والحق مع ديكارت عندما قال (لو لم يكن الله موجوداً لكان لابد من إيجاده). كانت تستمع إليّ فقط ولا تعقب، فتابعت:دورنا كمثقفين ليبراليين هو أن نعيد النظر في الفكر الإسلامي، وهناك فرق كبير بين الإسلام والفكر الإسلامي، الإسلام دين ثابت،والفكر الإسلامي متحرك بحركة الزمان ومتطالباته، دورنا هو تجديد الفكر الإسلامي، وحث علماءنا على نسخ الآيات التي أثبت لنا الواقع عدم صلاحيتها لروح عصرنا،كما نسخ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الميامين، ننسخ مثلاُ آيات الجهاد،وننسخ الأحكام الفقهية التي فات زمانها،وننسخ الأحاديث الموضوعة التي تحقر من شأن المرأة، كما فعلت الحكومة الإسلامية التركية برئاسة المصلح الإسلامي الكبير الأستاذ طيب رجب أردوغان،أكثر الله من أمثاله في هذا العالم الإسلامي،الفقير في المصلحين العظام أمثاله(انظر مقالي quot;الغنوشي يكفر أوردغانquot;إيلاف 14/3/2008)، وعلينا أن نساوي المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات والإرث،وأن نساوي المواطن غير المسلم بالمسلم.، دورنا هو أن نرسى أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال المجتمع المدني، وأن يكون هناك تداول سلمي على السلطة كما يحدث في البلدان الأوربية، لنعاصر عصرنا ونركب بآخر عربة من قطار الحداثة السريع، هذا هو دورنا لا أكثر.

لم تقتنع بما قلت،رغم ما أبدته من حسن استماع لي، أصرت على رأيها من أن الطريق لما قلت لن يتم إلا بتدمير الدين،ابتسمت مرة أخرى، وقلت لها : أنت تطلبين المستحيل.

افترقنا رغم اختلاف وجهات نظرنا. أما تحليلي لإصرار الدكتورة وفاء على موقفها من الدين-وهي الطبيبة النفسانية- أنها تريد الشهرة بأي ثمن، تماماً كما فعل سلمان رشدي، ولولا فتوى الخميني بقتله ما علم به أحد حتى الآن، ولكان كاتباً للرواية من الدرجة الثالث تحت الصفر، فمن يريد أن يهدر دمه-بسبب تعصب شيوخنا وإصدارهم فتاوى القتل- يصبح ناراً على علم بعد أن كان نكرة،تماماً كما حدث مع رسام الكاريكاتير الدنماركي،الذي لم يسمع عنه أحد،وأصبح الآن ملء السمع والبصر.

أهمس في أذن د. وفاء سلطان بكل حب لأقول لها:فرقي بين الدين، والفكر الديني، الدين ثابت والفكر متحرك ومتغير ليناسب روح العصر، لن يكون التحديث بالهجوم على الإسلام،بل بإصلاح الإسلام وتنقيته من جرثومة التأسلم،سيدتي، أصلي من أجلك ليوفقك الله لما يحبه ويرضاه.

أشرف عبد القادر

[email protected]