حينما نقذف الى الحياة.. لانقذف الى احضان الأم الدافئة، وانما الى غابة كثيفة من الاخطار بحسب رؤية التحليل النفسي وعلى لسان عالم النفس الفرنسي (( بيير داكو )) الذي يصدمنا بحقيقة مرعبة عندما يقول: (( ان كل تكوين لأنا الطفل، مهما كان سوياً، تكوين مشوه دائما )) فنحن امام هذه الحتمية السيكولوجية لانملك الا الشعور بالذعر واليأس من وجود شخص سليم سوي تماما على وجه الارض!


ويعلل ((داكو )) سبب هذه الحتمية السيكولوجية الى ويرجعها الى سببين: ((1 - لأن هذا التكوين يتم دون تؤخذ بالحسبان شخصية الطفل التي لاتزال غير معروفة، 2- يضيق امكانات الدماغ حين يفرض قوانين دقيقة مثله على وجه الدقة من يحدد بصورة مسبقة دارات الكترونية )) فالتربية نحت قسري يتم حفره من قبل المربين في شخصية الطفل دون معرفة المزايا والصفات والفروق الفردية له.

وبسحب رؤية (( داكو )) فأن التربية مهما كانت سليمة فهي تضييق لإماكنات الشخصية حيث يقول: (( التربية ضرب من التضييق على الاغلب لأن السواد الاعظم من االمربين، اباء واساتذة واخلاقيين وفلاسفة، الخ، ضيقون عقلياً. انهم يضيقون فكرياً منذ ان تصبح نهائية اراؤهم التي تستبعد الاراء الممكنة الاخرى استبعاداً آلياً. فمجرد كون الانسان ينتمي الى جنسية معينة، الى عرق معين، الى طبقة اجتماعية معينة، يفرض سلفاً ضروباً من التضييق واحكاماً مسبقة يصعب التخلص منها))

على ضوء هذا ينتج لنا الانسان المنحاز المتعصب الايديولوجي المصاب بمرض العصاب (( ان التربية هي الاغلب آلة ينظمها الترويض. فضلا عن ذلك ان نرى عدد العصابيين الذين يفرضون تربيات خاطئة بسبب عصابهم )) والكلام هنا ايضا لـ (( ادكو )) الذي يشير الى حتمية الاصابة بمرض العصاب نتيجة التربية التي مهما كانت سوية، والعصاب مرض وظيفي يصيب الانسان وينتج عنه أعراض : الشعور بالأثمية والقلق والعدوانية وما يتفرع عنها من طائفة واسعة من الامراض النفسية.

والسؤال المرعب هو : اذا كان التحليل النفسي يتهم حتى التربية السليمة بأحداث الامراض النفسية.. فهل يريد القول ان الحياة في كل الاحوال هي جحيم لابد منه.. أم انه يبالغ بطرح شروط مثالية للانسان السوي؟!

خضير طاهر

[email protected]