ذكرى ظهور العذراء مريم: التقاء المسلمين والمسيحيين
تحتفل مصر بعنصريها ونسيجها الواحد بالذكرى الأربعين لظهور السيدة العذراء مريم على قبة الكنيسة المسماة باسمها في حي الزيتون وسط العاصمة القاهرة. وذكرى ظهور العذراء نأمل أن تكون عودة التقاء ومحبة ووئام بين المسيحيين والمسلمين الذين يقدسون العذراء مريم. فمن أربعين عاماً مضت حين كان ظهورها الأول في شكل هالة نور على قبة الكنيسة وذهب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقتها وكلف البابا كيرلس بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية لجان كهنوتية على أعلى مستوى للتأكد وسماع شهادة مئات المسيحيين والمسلمين الذين رأوها وصنع الله معجزات شفاء لهم من خلال ظهورها. وحتى وقتنا الحالي ما أكثر المسلمين والمسيحيين بالملايين الذين يذهبون للبيع والشراء ونوال البركة من الأماكن المقدسة سواء الكنائس أو الأديرة التي تسمى على اسم العذراء مريم في كل ربوع مصر.
ذكر المحللين الاجتماعيين والسياسيين والدينيين وقت ظهور العذراء مريم أول مرة أن ظهورها في هذا التوقيت هو رسالة تشجيع ورفع للروح المعنوية بعد الهزيمة الساحقة التي نزلت كالزلزال المدمر على الأمة العربية في يونيه 1967 وانهيار حلم القومية العربية حيث كانت الأبواق الإعلامية والتعبئة الدعاية كانت تؤجج مشاعر العداء ضد العدو الصهيوني. توهمت الشعوب العربية العظمة. تخيلنا امتلاك القوة التي لا يمكن أن تقهر. كانت غيبوبة تاريخية وتغييب إعلامي للملايين في ظل انهيار اقتصادي وهيمنة عسكرية زائفة وفقر فكري وثقافي وحضاري.
وإن كان ظهور ضوء فوق قبة الكنيسة على هيئة العذراء مريم لا يخضع للمعايير العلمية التي تحكم العالم المتقدم، إلا أن هناك حقائق إيمانية وروحية يصعب قبولها، مثلما هناك مفاهيم إيمانية لا تخضع للعقل البشري القائم على القياس والتجريب العلمي.
middot; مباركة في الإنجيل.
ذكر الإنجيل الشريف كلمة الله الهدى والنور على لسان لوقا تلميذ السيد المسيح أن ملاك جاء من السماء وتمثل بشراً وقال للعذراء مريم: سلام لكِ أيتها المُنعم عليها. الرب معكِ. مباركة أنتِ في النساء.
رسالة عجيبة وغير مسبوقة لفتاة يهودية متعبدة طاهرة، يبدو من سياق قصتها في الإنجيل أنها كانت من الطبقة الفقيرة اجتماعياً ومادياً، لأنها تزوجت فيما بعد من صاحب حرفة يدوية وهو نجار بسيط.
لكن الله سبحانه وتعالى جل شأنه حين يَختار عبيده لا يهمه المظهر ولا الجاه ولا الغنى. لا يَختار سبحانه في عُلاه ولا يَصطفي بِناء على أسرة ذات صيت ولا مركز اجتماعي، بل يختار ـ وهو الغني ـ القلب قبل الشكل الخارجي.
middot; مُصطفاة في القرآن ومَعصومة في الأحاديث المُحمدية
حين يتحدث القرآن الكريم عن السيدة العذراء مريم يصفها بأجمل الكلمات حيث يقول: المُصطفاة الطاهرة ويكرر نفس الكلمات كزيادة تأكيد وإعزاز لمكانتها المتميزة في تاريخ الرسالة العظمى حيث أنها أنجبت السيد المسيح الآية والرحمة كما يذكر ذلك القرآن في سورة مريم.
ومن دلالات التفخيم التي أعطاها القرآن الكريم للسيدة العذراء مريم أن هناك سورة كاملة باسمها. كذلك يتناول القرآن في سورة التحريم وصف مريم بأنها من القانتين.
وفي الحديث الصحيح يقول البخاري: quot; كل آدمي يطعن الشيطان بجنبه حين يولد. إلا عيسى وأمه عليهما السلام. جعل بينهما حجاب فلم ينفذ إليهم شيء منه quot;.
middot; طوبى لك يا مريم من جميع الأجيال.
شيء صعب في البداية أن مريم لا تصدق رسالة الملاك لها، هذا منطقي. كيف لفتاة عذراء لم يمسسها بشر تحمل وتلد؟ أمر يفوق العقل ويسمو على الخيال العلمي. وللحياد العلمي فإن بعض الأبحاث التحررية الحديثة تتناول ولادة العذراء ليس كونها كانت عذراء وحملت بدون ذرع بشر، لكن كانت هناك عملية اغتصاب تمت لها. تلك بعض الأبحاث اللاهوتية التحررية في الخارج التي تتناول ذلك. لكن الإنجيل والقرآن متفقان أن العذراء مريم لم يمسسها بشراً وكانت ولادتها للسيد المسيح بدون زرع بشر. إن المؤمنين يقولوا حين يكون الأمر الإلهي: كن فيكون. هكذا خُلق آدم وهكذا وُلد السيد المسيح بن مريم من عذراء طاهرة مصطفاة.
قالت العذراء مريم للملاك:
quot; تُعظم نفسي الرب. وتَبتهج روحي باللهِ مُخلصي. لأنهُ نَظر إلى أتضاعِ أمتهِ. فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني. لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس. ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة. كما كلم آبائنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد quot;.
انظر الإنجيل حسب الرسول لوقا 46:1ـ 55
middot; رسالة محبة للمسلمين والمسيحيين.
ما أكثر احتياج منطقتنا الشرق أوسطية في هذه الأيام لرسالة المحبة هذه حين نتذكر السيدة الطاهرة العذراء مريم التي قالت نَعم لأمر المحبة الإلهي؛ فأنعم الله عليها باليُمن والبركات تساقط عليها التمر رطباً كما يقول القرآن الكريم.
حين نُحب بعضنا بعضاً تأتي الخيرات أنهار أنهار.
حين نمارس المحبة العملية، نلمس السلام والوئام والبركات الوفيرة من عند الله الصالح الرزاق.
أيمن رمزي نخلة
[email protected]
التعليقات