احذروهاهذا اليوم كذبة نيسان مفارقة سمجة لتقليد سيء

وانا اتصفح احد المواقع الرياضية العراقية يوم امس لفت نظري عنوان جذاب يقول: (عاجل عاجل عاجل.. العراق والمانيا في مباراة ودية بكرة القدم، ولم اتمالك فضولي في الركض خلف الخبرالذي ما قرأت تفاصيله كاملة حتى احسست بصفعة على عيوني، فقد كان الخبر عبارة عن (كذبة نيسان) كما جاء في نهايته!.


لم اجد الا ان اقول: آه، شعرت بأفتراق في داخلي ما بين الحقيقة والخيال، ما بين اللهفة والصدمة، وظلت الكلمات مطبوعة في بالي، وحين وصلت الى مكان عملي فوجئت بالتحضيرات جارية بسرية تامة لـ (كذبات نيسانية)، واستغربت فعلا هذا الهوس (الكذبي)، اقتربت من احد الزملاء اسأله: (ما رأيك بكذبة نيسان؟ قال بعد ابتسم: يوم للمقالب والمزاح، شيء جميل ان تتغير الرتابة في حياتنا في هكذا مناسبة وان كانت مجرد كذب ).
تعددت الاسباب والكذب واحد، وماعليك الا ان تضحك حين تعرف انك واقف وسط الاول من نيسان / ابريل، فالكذب (خيبة) ولكنك مضطر الى ان تقع في فخ هذه الكذبة، شئت ام ابيت، فثمة خبر سيأتي راكضا اليك ويفاجؤك بحاله ولحظتها لم تجد الا الاندهاش او التصديق ومن ثم تصاب بالخيبة حين تعرف ان ماقيل جاء متوافقا مع يوم الكذب العالمي، ويقال انه مزاح، لا عليك.. ربما ستمسح وجهك بكف يدك وتشعر ان الخيبة تضربك حين يراودك احساس ان الربيع هاهو الان يوشك ان يبدأ، انه يشق ثياب الطبيعة ليتطهر من ادران الخريف والشتاء، لكنه يأتي مقرونا بيوم للكذب الذي يعده البعض عيدا، اضحك.. ههههههه!!.


ان العالم يجعل للكذب يوما!!، ما اجمله اذن، يتراقص على انغامها ويهلل لمقدمها، وهل خلا العالم من الكذب كي يجعل له يوما مثل ايام اخرى، كيوم العمال ويوم المعلم او يوم المرأة والطفل او يوم الشجرة وسواها من الايام البهيجة والتي تحمل تذكيرا للانسان بجمال الاشياء ومعانيها العالية؟.
لا اريد الخوض في تاريخ هذه الكذبة ومن اين جاءت، انا اعلم انها غربية المنشأ والابتكار والصناعة، ان كانت تمسنا نحن العرب في صورتها ومعناها لانها كما يقال لها علاقة بفقدان دولة الاندلس،ولكنها تطورت مع الازمنة لتصبح مزاحا في ظل التعقيد الذي اصبح يلازم حياة الانسان ويجعله يبحث عن فسحة للترفيه عن نفسه، والغريب ان ما يحدث فيها يسمى (احتفالا) ويقال في الاخبار ان العالم (يحتفل) بهذه الكذبة التي هي كذبة مهما كانت بريئة، لكن الذي لا افهمه لماذا الكذب؟ والشاعر يقول:

إذاعرف الانسان بالكذب لم يزل
لدى الناس كذاباً ولو كان صادقا
فان قال لم تصغ له جـلساؤه
ولم يسمعوا منه ولو كان ناطقا

واذن لماذا الكذب وليس الصدق، ونحن نعلم وبعلم معنا اقراننا في اقطار الارض ان الكذب من الصفات الذميمة،ان لم يكن من اسوئها، حيث ان من الطريف ان نسمع ان الكذب ليس له يوم واحد فقط في السنة،وهو الذي اصبحت حياتنا تضج به، كذب باحجام واشكال متعددة،طوال ساعات اليوم نسمع الكذب يطير بجناحين ويتساقط على الناس كالمطر في شتاء غائم، من افواه الكثيرين على اخلاف مسمياتهم، وليست هذه (الكذبة) وليدة جديدة في العراق فهي موجودة منذ زمن بعيد وتناقلنا اخبارها، وعلى الرغم انها بلا طعم الا انها تسترعي انتباه الكثيرين ويركضون لاستقبالها بالاحضان ويتداولونها ويمضغونها كقطعة حلوى، وفي كل عام ترى اسراب الكذبات تهب من حيث تدري ولا تدري وتتناقلها وسائل الاعلام.


اتصلت بصديق تعجبه هذه الكذبة وسألته عن ابتكاراته لها هذا العام فقال ضاحكا: كنت احيك واحدة لك ولكن سؤالك عنها افشل خطتي، واضاف:( اعتدت ان افتعل كذبات للتعبير عن بعض المستحيلات التي يمكن ان تحصل مهما فعلنا والتي لايصدق احد حدوثها، ولكنني ابتعد عما يصدم الانسان كالمرض او الموت، فمثلا قلت ان الدولة ستمنح كل موظف حكومي سيارة، او ان الاتحاد العراقي لكرة القدم قدم استقالته، او ان العراق سيقوم بانتاج اضخم فيلم سينمائي، او ان الامريكان قرروا تحديد جدول زمني لانسحابهم من العراق وهكذا).


وجدت ان ما يقوله صديقي ضرب من العمل غير الشعوري او تصرف ساذج، وبعد ان فكرت قليلا في الامر اعتبرته مجرد نكتة، قالت لي احد الزميلات: كذبة نيسان تذكرني بايام الطفولة الجميلة التي احن اليها، في هذا اليوم صادفت موقفا لا انساه الى هذه اللحظة وكل سنة اتذكره في هذا اليوم، وقتها كنت في المرحلة المتوسطه من الدراسة، عندما دخلت الى قاعة الامتحان، وقفت المدرسة ونادتني وانا منهمكة في محاولة الاجابة عن اسئلة الامتحان قالت: قفي واخرجي من القاعة، وكانت علامات الغضب بادية على وجهها،هزني كلامها وقلت لها: لماذا قالت انت مفصولة ومطرودة بأمر المدير، لم اجبها باية كلمة بل كانت دموعي كفيلة بالاجابة وما ان حاولت تحريك اشلائي وجدت نفسي في غرفة المدير مع طبيب، فقد أغمي علي من هول المفاجأة، من يومها وانا اتذكر هذا الموقف وبقيت زميلاتي في تلك المرحلة وحتى اخر يوم فيها ينادوني بـ (نيسان) وهل تذكرين كذبة نيسان.


انه موقف من مواقف عديدة يهبط لها (الضغط) او يصعد، تصل الى حد الصدمة والغريب ان الناس لاتتذكرها وتقع في المحظور، واعتقد ان (اليوم) الذي الاول من نيسان / ابريل، سيكون حفلا بها وسنسمع كذبا ملونا، اطرف ما سمعته من احدهم انه تمنى ان تكون قرارات القمة العربية التي انتهت مؤخرا في مطلع نيسان، لتناسبت فعلا مع اكذوبة العام.


لا اريد ان اطيل بقدر ما احذر منها، وربما ادعي انني استنكرها، لكنني سألت استاذة علم النفس الدكتورة سهام حسن / جامعة بغداد عنها فقالت: انها (كذبة) اعتادها الناس للمزاح او تمرير المقالب كتقليد ثابت من تقاليد المجتمعات، ربما انهم يعتقدون ان كل ما يقال طوال العام هو صدق، وانها ما يحدث في هذا اليوم هو (كذب مسفط) اي كذب مفبرك ومعد اعدادا جيدا، للتعبير عن خلجات معينة في النفس، البعض يعتبرها مزاح خفيف للترفيه والضحك، انا شخصيا لا احبها ولا احب التعامل بها، لانني اكره الكذب واستغرب ان يكون للكذب يوم واحتفال، انه يدلل على بؤس العالم، واضافت: تعرضت الى مفارقات هذه الكذبة في سنوات ماضية، وربما الى صدمات مفاجئة، مثلما اعرف عن كثيرين عانوا منها، ومهما كان فهي كذب ولا اعتقد ان الانسان العاقل يفضلها على الصدق الذي هو اجمل.

عبد الجبار العتابي