زيارة جديدة لمَرارة نكبة العراق3
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأخيرة
العراق ودوام الحالة الأستثنائية
تحت عنوان " الفوز بالسلام..." يشير اللواء Military Reviewفي مقال نشرتْهُ المجلة العسكرية الأميركية
بيتر تشياريلي أحد قواد الحملة العسكرية على بغداد الى ماأعتقدَهُ شخصياً، أهم فقرات مقاله وهي مايلي:
" الذين كانت وجهة نظرهم توفير الأمن أساساً كوظيفة للقيام بفعاليات عسكرية ضد المتمردين، وقعوا في الخطأ، فالسلاح في كل ركن من أركان الشارع، ومع أنه كان مغرياً لتجريد حامليه...ألا أن ذلك يقدم فقط الحل القصير ألأجل ولايتماشى مع توفير الأمن الطويل الأجل ورسوخ العملية الديقراطية، لأن السبب الجوهري للأمن هو ليس حماية قواتنا فقط ولكن العراق والمنطقة.....". كما يشير في حقل أخر الى حالة تحتاج الكثير من التمعن والتحليل: " في أواخر عام 2003 أقرتْ الأدارة الأميركية والكونجرس قانوناً يجيزُ تخصيص مبلغ 18.4 مليار دولار لمشروعات العراق الكبرى، كما ساهمت الدول المانحة الأخرى لتمويل مشاريع أخرى " " وفي 3 آب أغسطس 2004، بعد أتفاقية هشة لوقف أطلاق النار بين القوة المنتدبة في بغداد وقوات الصدر في مدينة الصدر المكتظة السكان وذات الغالبية الشيعية، توجه أكثر من 18 ألف مواطن للعمل لأول مرة، ولتظهر لأول مرة علامات جلية للمستقبل وحركة واضحة تجاه أصلاح نظام الصرف الصحي وتخطيط نظام فعال لأيصال المياه العذبة الصالحة للشرب وخطوط الكهرباء وجمع النفايات من الشوارع. وكان المشتركون في تنفيذ هذه المشاريع من سكان المدينة المقيمين فيها وقادة وجنود القوة المنتدبة للتمويل والتنفيذ لأول خطوة مربحة للسكان " " في 5 آب أغسطس 2004 وبعد 72 ساعة من تعبئة المدينة للعمل على تحسين البنية التحتية، هاجمت مليشيا الصدر القوة المنتدبة للعمل وتوقف العمل والأعمال في ثُلثي القسم الشمالي من مدينة الصدر وبقي السؤال: لماذا؟ ".
ويضيف " أن الغالبية الكبرى من العراقيين لاتحب وجود قوات التحالف، حسب الاستطلاع الذي أجريناه في محافظة بغداد في شهر شباط فبراير عام 2005، وكان السؤال هو: متى تعتقد أنه يجب على قوات التحالف أن تغادر العراق؟ ذكرتْ نسبة 72% من الذين أدلوا بأجاباتهم بأن جلاء القوات يجب أن يتم فقط بعد الوفاء بشروط وألتزامات أمنية وأقتصادية معينة قبل أن يكون مناسباً للأنسحاب ".
وعندما أستحصيتُ أراءاً عراقية لطوائف دينية سنية وشيعية ومسيحية وقوميات لعينات عربية وكردية وتركمانية للوصول الى نسبة المؤيدين لبقاء قوات التحالف قياساً الى نسبة المؤيدين لأنسحابها، وكان السؤال ألأفتراضي مرةً في صيغة الماضي والمرة الثانية في صيغة المستقبل كالتالي:
لو كانت قوت التحالف قد أنسحبتْ بناءاً على قرار يعّبر عن رغبة العراق وشعبه في نهاية عام 2006، ماذا تظن سيحصل للعراق؟ وهل سيبقى موحداً؟
لو أنسحبت قوت التحالف بناءاً على قرار يعبر عن رغبة العراق وشعبه بعد مرور 6 أشهر من الآن، ماذا تظن سيحصل للعراق؟ وهل سيبقى موحداً؟
كانت الأجابة في الحاتين وبنسبة تفوق ال %90 هي أن البلاد ستمر بحالة أستثنائية خطيرة وصراع يؤدي الى تقسيم العراق بين قيادات متطرفة شيعية وسنية وكردية حسب ماتستطيع كل قوة أن تقضمه من أرضه.
وهنا أريد أن أتوقف لأذكر أن مسؤولية وواجبات ممثلي الشعب في مجلس النواب العراقي (المنتخب ) ووفقاً الى الفصل الرابع من الدستور العراقي والجزء الثاني منه الذي يتحدث عن الحقوق الأساسية للمواطن بالنسبة للحريات الدينية، المِلكية وحرية المهنة والحقوق الأساسية الأخرى يجب أن يمتثل لأرادة العِباد وليس العَبيد، ولأرادة وحدة العراق وترابه كما نص الدستور وليس لشراذم كانت قد وضعت البلاد تحت الأبتزاز السياسي وخلقتْ حالات الفوضى أو ماتعارف عليه ساسة العراق بالظروف الأستثنائية.
وسواء أتفقنا مع ماورد أعلاه أم أختلفنا، ولأغناء موضوع البحث، فأن حالات عديدة ذات نفس الخواص والطبيعة سادتْ العراق وأفشلتْ مجهود بناء العراق بمساعدات ورؤوس أموال أجنبية في محافظات مُختلفة من العراق حيث تردتْ الأحوال العامة والخدمات الضرورية. ويرى البعض بشكل صائب، بأن الفوضى السياسية والتخلف الحضاري، بالأضافة الى أعوجاج الخطاب الديني الذي ساد العراق فجأة من الأسباب التي أفشلت أحراز أي تقدم بالأضافة الى الدور الفكري الأصولي المتزمت الذي تسرب الى العراق مع منظمات التخريب الخارجية.
الوقوع في الخطأ والمحاورة الجادة
أن أي محاورة جادة مع الذين يقودون ويوجهون المليشيات المسلحة الدينية، الشيعية والسنية منها، بما فيها المنخرطة في العمل البرلماني الآن وممثليها التقليديين قد تأخذ وقتاً طويلاً قبل أن تفهم هذه العناصر مسؤوليتها وتستطيع أن تُدرك بأنها ولحد اليوم لم تسلك الطريق القويم. وأظن ان جموع المسلمين تتوقع بأمل كبير من هذه العناصر كسب أجر الله بتأسيس هيئات ولجان" تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر". وتتبنى خُلقياً نظافة العقل والبيئة المُحيطة بها، لأن " النظافة من الأيمان " لأي مسلم تعني نظافة الجسم والروح والعمل الصالح، كما أن عليها أن تنفظ عن يديها بالقول والعمل ماأرتكبته من معاصِِ وأجرام بغياب الأرشاد والتوجيه. أن حمل السلاح هو حق مُلزم للحكومة وحدها وجيشها النظامي الذي أدى( القَسم) وأِلا أصبح العراق كعصابات الصومال تقف في طريق المارة لدفع الأتاوات والقتل والسرقة.
وأكاد أكون على يقين تام، بأن رجال الدين المسلمين يتفقون بأن الظروف الأستثنائية التي تلت عام 2003 يجب أن تزول ليبدأ عصر السلام عليهم وعلى عامة الناس. أن معظم الأراء والدلائل والبيانات التي سُجّلت منذ عام 2005، أوضحت أن غالبية العراقيين يؤكدون على أهمية أزالة المظاهر المسلحة وتجريد المليشيات الدينية من حمل السلاح وأنهاء تحدي سلطة الدولة. ومع أن هذه الدعوة لقيت ترحيباً من قوات التحالف وممثلي الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى المُمثَلة في العراق، أِلا أن معظم ممثلي هذه المليشيات لم تمتثل للأرادة الوطنية، وفي حالات عديدة لم تُبدِ المساندة التامة للحكومة وللرغبة المُخلصة لأستباب الأمن ونشر حالة الأستقرار وخضوع العامة الى جوهر القانون والعدول عن الأفكار المتطرفة والغيبية وغوغائية الشارع والتهديد بهدنة طائفية الهدف والمغزى.
وأن المخاطر التي تحيق بالعراق تتطلب من القوى الدينية وقوفها الى جانب الحكومة وعدم تخوينها والتشكيك بفعاليتها بتصريحات وبيانات تحريضية تدّلل عند تحليل مغزاها ودوافعها على جهل واضعيها وخيبة العراقيين بفحاويها وصدقها.
من ناحية أخرى فأن للحكومة مسؤولية، وقد لايستطيع أي محلل للأمور الأدارية والعسكرية والسياسية ولما يجري في العراق من أمور شاذة هذه الأيام أن يُحددَ بالضبط هذه المسؤولية، جميع فيكاد أن يتفق جميع المُحللين، بأنها مسؤولية في غاية الصعوبة والتعقيد رغم عروض الجهات الأنسانية الدولية الخيّرة بالمساعدة. وعموماً فأن الأتجاه لتصحيح ( بعض ) هذه الأستثناءات تتلخص بما يلي:
* أزالة المظاهر المسلحة وتخفيف التوتر بين الأحزاب الأسلامية وقادة العشائر وتوجيهها للخدمة الشعبية وتنمية العقلية التي تؤمن بالعمل للصالح العام.
* ربط عمل الحركات الأسلامية بنشاط الدولة وتوظيف الصالح من أبناء العراق للخدمة العامة بعد أعادة توجيههم وتعليمهم. أن تقديرات الأمم المتحدة الرسمية تتضارب بخصوص نسبة أعمار العراقيين الذين هم دون سن ال 18 سنة. فبعض التقديرات السابقة للحرب كانت تبين أن نسبة 44% من الشباب هم دون سن18 وهي نسبة عالية من الشباب الغير مؤهلين لخدمة المجتمع وتحتاج أهتمام الدولة.
* التدريب المهني الأداري و الفني في حقول مختلفة والتعهد بالتقليل من نسبة البطالة.
* أشراك المنظمات والهيئات الدينية في مشاريع ألأعمال الخيرية وتشجيعها على بناء مؤسسات أنسانية مشابهة للمؤسسات الأنسانية المسيحية المنتشرة في العالم.
أن العدو الذي يواجهُهُ العراق وحلفائه اليوم، متعدد الأوجه ولا يتبع أعراف وتقاليد البلاد التي ترعرع ونشأ فيها أو الدولة التي رعته ووجهته، وقد يكون شخصية مسؤولة رسمية أو غير رسـمية متسترة بقناع وطني. هذا العدو يتكّيف بشكل مستمر لإستغلال ضعفنا ويَعرف كيف يستفيد من تنوع الوسائل التقنية والأعلامية للتأثير على سكان المنطقة المُستهدَفة.
وفي مقال لأحد العسكريين الذين شاركوا في الحرب ضد دولة طالبان وتنظيمات القاعدة في أفغانستان والعراق يقول: "حرب اليوم تتضمن أختلافاً كلياً عن حروب الأمس، في الماضي كنا نعرفُ عموماً، ضد من كنا نحارب، فالقوة المعادية لنا كانت ترتدي الأزياء الرسمية العسكرية وتقاتل وفق عقيدة معينة وترغب في أغلب الأحيان الأشتباك معنا في ميادين القتـال. كلُّ هذا تغير في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الحرب ضد طالبان وقواعد القاعدة في العراق ولكننا نحاول أخذ ماهو أفضل تكتيك عسكري لهزيمة عـدو بارع عديم الرحمة. " هذا هو ماتقرأه في أكادميات الحرب وكتابات الضباط وملاحظاتهم وفي توجيهاتهم لمنتسبي قواتهم المسلحة.
ومن المحزن أن تظل أحتياجات المواطن معلقة لعدم وصول البلاد الى النسبة المناسبة لتوفير الأمن وأستتباب النظام وتوقف الأعمال الأرهابية. وفي الوقت الذي مازالت فيه الحكومة العراقية تترنح أدارياً تحت وطأة الثقل العسكري الذي أفرزتهُ القوى الخارجية الشريرة وسبل معالجتها في ظروف تٌعتبر في غاية التعقيد، تواجه أيضاً أعباءاً أخرى تقع على كاهلها الرسمي والوطني كمحاربة البطالة وتحسين مستوى المعيشة ورفع قيمة العملة العراقية ورفع الضغوط المالية التي كانت ومازالت تواجه الأسرة العراقية منذ عهود الكبت والأضطهاد السياسي الذي عانت منه الطبقات العراقية الشعبية وتسببت في الصدمة الأجتماعية التي أهتزت تحت أقدام المواطنين وأفقدتهم حلاوة العيش الكريم بدرجات مختلفة ومازال الوطن والمواطن يدفع عنها الثمن بدماء تسيل كل يوم.
أن الموانع التي تجبر الحكومة على مداراة ومجاملة كل من رفع السلاح بوجهها وشكّل نفوذاً يتعارض مع قيّمها ونظمها يجب أن تُزال وتختفي حتى لو أضطرت الدولة الى أستعمال مبدأ فرض القوة ضد عناصر غير منضبطة. لقد حان الوقت لأخراس هذه العصابات المتسترة وراء علماء الدين أِن أستمرت في حمل السلاح. فالحوار والتفاوض مع جماعات مازالت تحمل السلاح بوجه السلطة يتناقض مع مبدأ بسط الأستقرار والأمن، كما أنه ليس متعارفاً عليه في الأنظمة الأنتخابية الحرة. كما أن التهيئة لمثل هذا الحوار، أن وجدتْ الأرضية المناسبة له، ينبغي أن يكون عراقياً عراقياً وبدون أدخال بيروقراطية الجامعة العربية أو وساطتها وأن لايكون أرضاءاً لرغبة طرف هزيل يزرع الشكوك بنسبة نجاحه. أن المطلعين على أراء معظم القوى السياسية من كردية أوعربية رأت ان هذه القوى لاتفضل أن يكون للجامعة أي دور أستشاري في المصالحة الوطنية على الأطلاق، لأنها كما يقال (لاتحل ولاتربط).
أن أزالة هذه الموانع هي واجب وطني لحماية الرعية من الرعاع، والعباد من العبيد وتفتيت المظاهر المسلحة. ولابد وأن تكون الخطوة التالية قانونية وعادلة بتقديم من أرتكب جرائم حنائية لمحاكم قضائية عراقية كما أن السكوت والتستر على وجود مليشيات خارجة على القانون هو سلب للديقراطية والتعددية، حيث لم يَعد تبرير وجودها مقبولاً.
لقد أقترفت هذه المليشيات المسلحة، وهي الحقيقة المُرّة كما هي، الكثير من الجرائم والسرقات منذ الأيام الأولى لسقوط النظام عام 2003. ورغم كل هذه الجرائم والسرقات التي شملت كنوز الوطن وتراثه التاريخي مازالت تطالب وتدعي وتبتز الدولة في حملة تقودها عناصر تحت رايات قومية وأسلامية متعددة.
أن الدولة بسلطتها التي أودعها الشعب لها مطالبة بنزع فتيل الطائفية وأزالة الظروف الأستثنائية وأزالةالأفكار المقيته التي لفضها الأسلام منذ أنتشار الرسالة الأنسانية.
ضياء الحكيم
Dhiahakim7@cox.net
ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.
التعليقات
اصحى
مواطن -لو كانت الدولة تؤمن حقا بالشعب لسمحت له بانتخاب ممثليه الحقيقيين لا المزيفين من اصحاب القصور والفلل