جاك كيرواك بانتظار فيلم عنه: في مهب الطريق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إعداد عبد الاله مجيد: قبل اربعين عاما رحل جاك كيرواك عن هذا العالم في نهاية لم تكن ببريق الشهب الخاطف كما كان يتمنى بعد حياة طواها بلا تمهل. لعله توفي شابا بالمعايير النسبية عن 47 عاما ولكن ساعاته الأخيرة ما كانت لتورث جثمانا يليق بصاحبه. إذ اعتكف كيرواك في الوحدة الفلسفية لحياة الكاتب إن لم تكن وحدة موحشة في حياته الفعلية، وتوفي في المستشفى بعدما تقيأ الكثير من حيويته في تواليت البيت الذي عاش فيه مع زوجته وأمه بولاية فلوريدا، عاصمة المتقاعدين ذات الشمس المشرقة في اميركا.
وإذ توفي منتفخا، منكفئا بريئا براءة الأطفال كان موته موجعا بلا وقار، سببه افراط في تعاطي الكحول وحياة عبثية. مات بحضور أمه التي يبدو انه لم يتحرر من التعلق بأذيالها وزوجته التي لم تفهمه. أحبه معجبوه فأحاطوه بهالة واستهان المنتقدون بأدبه فوصف ترومان كابوته نثره الشعري التلقائي بعبارته الشهيرة: "ان هذه ليست كتابة بل رقن على الآلة الكاتبة". انقسمت الآراء في أدب كيرواك منذ رحيله. ويتساءل مراقبو المشهد الأدبي إن كانت له عودة دقت ساعتها الآن.
ولكن النظر الى هذا كله على انه نقد موجه الى كيروك يعني اساءة فهم ما كان يمثله. فهو لم يطرح نفسه ذات يوم بوصفه فارس ثقافة مضادة ثورية تريد تغيير الأمة بل كان شابا من اصول عمالية يعشق الكتابة. ولئن كانت مجايلين مثل الن غنزبرغ ووليام بوروز وغاري
جاك كيرواك: مستلزمات النثر التلقائي الثلاثون
سنايدر، "آخروية" متأصلة ميزتهم عن بقية الرهط في المجتمع الاميركي ما بعد الحرب فان كيرواك رفض ان يقطع حبل السرة الذي كان يربطه بتربيته العمالية، بحسب بارنيت.
غنزبرغ الكابوس الملتحي ذو العيون السود، المستعد لتخريب الحلم الاميركي بقصائده الصادحة وجنسويته الغريبة فيما بدا ان كيرواك ظل ذلك الفتى الجامعي الذي يمكن ان تدعوه الى الغداء وتقدمه الى أمك بلا توجس. ويلاحظ بارنيت ان قلة منا يمكن ان يطمحوا في ان يكونوا غنزبرغ ولكننا جميعا يمكن ان نأمل بأن نكون كيرواك. جاك كرواك المترهل، المكتئب، المعادي للسامية في الظاهر، الذي مات متقيئا أحشاءه في المرحاض ـ ليس هذا جاك كيرواك الذي نريد ان نتذكره، انه ليس جاك المدفون تحت شاهد مسطَّح في مقبرة خارج بلدة
كيرواك يشرح كلمة Beat
لويل التي نشأ فيها كيرواك، على بعد نحو 50 كيلومترا عن بوسطن.
مدينة كيرواك تكرم ابنها بطريقة بعيدة عن البهرجة. فهناك حديقة صغيرة تتناثر فيها ست منحوتات حُفرت عليها مقاطع من اعمال كيرواك. وثمة مكتب استعلامات سياحي يبيع كتب كيرواك ونسخا مصورة من خريطة مرسومة بخط اليد تبين بعض المواقع المهمة مثل بيت كيرواك القديم ومدرسته وقبره في مدفن اديسون البلدي. ويقول بارنيت انه عندما زار المقبرة المهجورة وجد ان آخرين ممن سبقوه تركوا هدايا منها أغطية قناني بيرة وسجائر حشيش وحلقات مفاتيح ورسائل مكتوبة اليه. وعندما أُعيد كيرواك ليدفن في بلدته في 24 تشرين الأول/اكتوبر 1969 قيل ان ان اثنين من اهل بلدة لويل كانا خارج الكنيسة عندما سأل احدهما مَنْ الميت فقال الثاني انه جاك كيرواك. هرش الأول رأسه ثم قال "مَنْ هو جاك كيرواك؟"
مَنْ كان جاك كيرواك؟ ليس أعظم كتّاب العالم ولكنه كاتب رغم كل شيء. لعله ليس البطل الثوري الذي يعتقد البعض انه لم يكنه، ولكنه لم يكن حتى يحاول ان يكونه. انسان اعتيادي كان يُقحم في مواقف استثنائية احيانا، يحاول ان يردم الهوة بين ما يُنتظَر منه وما يريد من نفسه؟ صاحب نزعة انسانية عميقة بعينين مفتوحتين على امكانات الحياة؟ رجل ذو روحانية مشوشة لكنها روحانية عميقة؟ يقول بارنيت ان هذه هي الأسئلة التي انهالت عليه حين جلس بجانب قبر كيرواك ذات يوم قائظ في تموز/يوليو.
من المتوقع ان يُعرض العام المقبل فيلم طال انتظاره يستوحي عمل كيرواك الشهير "في مهب الطريق" كما اقترح عبد القادر الجنابي ان يكون عنوان كتابه On the Road.