منيب مخول ونكبة 1948: شهادات في الشاعر الراحل
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منيب مخول وميثال وجميلة.. حكاية فلسطينية مختلفة إيناس مريح من البقيعة: "إلى الأقلام النافرة وإن قلت... وإلى السيوف العاصية، ولو عزت...وإلى كل زند وكل عقل وكل قلب نافر...أو يحقق الإنسان العربي على مدى وطنه الكبير، حقوق الإنسان فيه... وحقوق المواطن عليه...فيكون الخلاص". الشاعر الراحل منيب مخول.
سطر التاريخ من مكنون إبداعاته، وله الريادة العجيبة في امتطاء صهوة الكلمة، والتربع على هرم شعر المقاومة، والتلاعب بصياغة أجمل الأشعار، بأسلوب ساحر يفتن المستمع ويسرق الألباب. أنبض الراحل الشاعر منيب مخول أوتار التميّز، وطوّق نُثار الإعجاب، سجل حضوراً ملفتاً قبل رحيله، وأورث هذا الحضور لأشعاره، هو من رصع بأعماله تاج الأشعار الوطنية في إصدارته الثلاثة. الشاعر حسين مهنا تلميذ الراحل منيب مخول في مقدمة عن أستاذه
وفي حديث مع الشاعر حسين مهنا من مواليد قرية البقيعة / الجليل، والذي كان تلميذا لدى الشاعر منيب مخول، قال:" ليست هذه العجالة مادة نقدية عن شاعر هام بحجم أستاذي وزميلي في التدريس في إعدادية البقيعة_ لاحقا_ بل قد تكون فاتحة مسيلة لحبر أقلام النقاد والباحثين، خاصة وأن شاعرنا لم يحظ بما يستحقه من أضواء كاشفة تكشف للقارئ جماليات شعره الذي كرسه لقضيتين: قضية إشهار الانتماء العربي تحديا في أكثر المراحل حرجا من تاريخ شعبنا الحديث، وقضية شعبنا الفلسطيني نفسه الذي تفرق أيدي سايكس/بيكو وزمرة من سماسرة فاسدين".
وتابع:" أكثر ما ميز شاعرنا، على تعدد تحدياته، حفاظه الشديد على زيه العربي التقليدي- الكوفية الوطنية والعقال والقنباز، معلنا أن الهوية ليست بطاقة تخبأ في جيب داخلي بل هي زي يلبس باعتزاز تغلبي وإباء كلثوميّ، كم كان هذا موجعا لحاكم عسكري/مدني يعمل جاهدا على طمس معالم هذا الوطن!! وكان شاعرنا حريصا أيضا، على نظم قصيدة العمود، بالرغم مما لحق الشعر العربي المعاصر من تجديد شكلي، إيمانا منه بأن التجديد يجب أن يكون في المضامين وليس في الشكل، فالقصيدة بنت زمانها ولكل زمان مفاهيمه الخاصة به. وسيرى القارئ أن مفردات الشاعر منيب مخول قد اختيرت بدقة شديدة بعد أن تخلصت من غرائبيتها وأن صوره الشعرية مستقاة من واقعنا دون التنازل عن غنائية محببةٍ على قلوبنا لصيقة بوجداننا نحن العرب الذين ما زلنا نطرب لسماع الشعر الجميل ونحتفي بشاعر مبدع". حرفيش.. "كأنك تتمتع بحق النقض"
أما الشاعر نمر نمر من قرية حرفيش في الجليل، والذي ربطته علاقة صداقة بالراحل الشاعر منيب مخول فقد كتب عنه مستخدما أشعاره قائلا:"
شعب يموج على الجبال جبالاكسر القيود وحطم الأغلالا
لما أتى الطاغوت يبغي قهرهفي أرضه انتفضت به زلزالا
هذه هي بعض كلماتك أيها الشاعر الذي أبى أن يترجل رغم النوائب والمصائب، رغم الكوارث والمحن، رغم خطوب الدهر وبلايا العصر في زمن العهر والقهر، المكر والبطر.كيف نخاطبك أبا نجيب منيب: شاعرنا، أستاذنا، رفيق دربنا، شيخنا، كبرينا، عميدنا، عنواننا، أخانا، ملجأنا، ملاذنا، مقدمنا، طليعتنا، كريمنا، سخينا، حاتمنا، طائنا، فارسنا، باسلنا، قدوتنا، عزوتنا، عروبتنا، سنديانتنا، زيتنوتنا، حورتنا الباسقة الشاهقة العالقة!وتابع قائلا:"كل الصفات والنعوت، كل التعابير والكلمات، المواقف الوطنية القومية، المنصات الأدبية، الروابط الفكرية، والوشائج الحضارية، فنون الشعرية، كنت لها العنوان الدائم، المثال الحازم والمصمم العازم، عطاؤك بلا حدود، تنهج نهج الجدود، أين نلتمسك نجدك المرجع الأساس دون وسواس أو تنا، فتكون في الطليعة، دون أية ذريعة، ليس حبا في الظهور، بل لتكون الدرع الواقي، والبلسم الشافي والسور الواقي لأخوتك، ورفاق دربك في المشوار الطويل".
قال الشاعر نمر نمر عن كرم الراحل الشاعر منيب مخول مخاطبا إياه " حين نلتقي كان لك شرط مسبق، وكأنك تتمتع بحق النقد، دون ربط لما يجري اليوم، مع من قلت فيهم:
عبيد عند أميركا تقاةوعند الله كفار عصاة
تقول لنا بكل صدق وإصرار:" أولو شرط وآخرو سلامة": يطيب لي أن أسافر وإياكم والذي نسافر في سيارته أن أعبئها بالبنزين قبل السفر وبعده، من أول انطلاق إلى آخر نقطة افتراق وإلا فسأستأجر سيارة أجرة على حسابي الخاص. وإن حاولنا أن نتأبى أو نقتنع، فأنت لست على استعداد لتقبل أية حجة أو ذريعة، مهما كانت النتيجة، وإلى هنا ما كنا لنصل لغاية المطاف، فالطريق طويل ونحن بحاجة إلى الزاد والمرطبات، فتمضي مؤكدا: والله العظيم! ما من أحد منكم يمد يده على جيبه، أنتم دائما ضيوفي".وتابع:" أخي المسجى المنتدى بالعطر والريحان والسوسن والأقحوان في هذا البستان الميدان! والله لو عشت في عهد حاتم الطائي، لقلت لنا ما قاله الملك ماوية بنت عفرز حين فضلته على طالبي يدها.
أماوي إن المال غاد ورائحويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوي إن لا أقول لسائلإذا جاء يوما حل ما في مالنا النذر
ولكان قصر عنك حاتمأميالا وفراسخ وعقدا
تعجز عن استيعابها زرقاء اليمامة، ولربما كانوا أطلقوا على تلك الفترة" أكرم من منيب"!!
أخي الشاعر الباقي!! استميحك العذر أن رددت قولك كذلك:
لله درك أيها الشعب الذيامتلأت حميته فدى ونضالا
واليوم في الزابود عرس كرامةفيها المروءة تشرئب جلالا
لقحت ولما حان وقت مخاضهاولدت فأرضع ثديها أبطالا الناقد نور عامر:"منيب مخول في "نافرون" يشتعل غضبا وأصالة"
كتب الناقد نور عامر من قرية كفر سميع المجاورة لقرية الراحل الشاعر منيب مخول "البقيعة" نقدا أدبيا في ديوانه نافرون قال به:" عندما رأيت لأول مرة الشاعر الأستاذ منيب مخول يلقي قصيدة حماسية في مناسبة وطنية في قرية معليا في الجليل، وقد شدني هذا الرجل بلباسه العربي التقليدي، وبأدائه المميز، ولهجته القوية الصادقة، فأيقنت يومها أن شخصية الشاعر تؤثر في كتاباته وفي مستمعيه. وتمضي فصولا السود صبارا وإرادة، فألتقي معه في جديد في ديوانه نافرون، الذي يشتعل غضبا وأصالة، هذا أقل ما يقال إذا أردنا إيجاز الديوان بكلمتين، لكن هذه القصائد الجاذبة الجادة استنفرت قلمي، مثلما استنفرت قلم السيد منصور كردوش، في المقدمة الجيدة التي من المفضل أن تقرأ قبل أن يدخل المتلقي في عالم الشعر من باب القصيدة الأولى:
دجنت يا سيف فانفر أنت يا قلمواخرق حجابا دحته حولنا الظلم
بهذا البيت يفتتح شاعرنا ديوانه جاعلا القلم سيد الموقف، في زمن تداعت في السيوف العربية، أو " دجنت" كما يقول وأني أشاطره الرأي بأن المستقبل للقلم، فالعالم اليوم يتجه إلى الحوار الفكري، والتنافس الفكري، ولا نقول المعارك الفكرية، وحري بنا كعرب أن نفخر حقا بما قام ويقوم به القلم العربي، من إنجازات عظيمة على الصعيدين الفكري والأدبي، وعلى امتداد قرون طويلة ومساحات مشرقة من تاريخ العرب والإسلام". "القلم أقوى من السيف في أشعار منيب مخول"
وأردف قائلا:" من الملفت للنظر أن شاعرنا لا يقف عند طرح أفكاره فحسب، عبر هذه القصيدة المركزية التي محورها السيف والقلم، إنما يجتهد في إقناع القارئ بأن القلم أقوى من السيف وأكثر نفوذا في إجتياز المسافات وتوصيل الأفكار:
فأنت على أقوى على التحليق إن غلبت
سيوف قوم وأقوى حدها الثلم
قد لا يحبذ بعضكم في الشعر مهمة الإقناع ربما من منطلق أن الشعر ليس مادة علمية، وأن طبيعة الشعر تهدف غالبا للتملص من الأجواء شديدة الواقعية، لكن طريقة الإقناع التي يسلكها الشاعر مخول، ممتعة وتستميل القارئ كما رأينا في البيت السابق وكما سنرى الآن:
فومضة الفكر أمضى في النفوس مدى
من ومضة السيف أن تستحكم اللازمإن هذه القصيدة نافرون تضم 27 بيتا، 24بيتا منها كساء للأبيات الثلاثة التي سقناها والقيمة الحقيقة لهذا القصيدة تكمن في هذه الأبيات الثلاثة التي هي أعمدة رئيسية تحمل كل البناء الذي لن يتداعى في " الهزات" النقدية، لأنه باختصار متماسك معنى ومبنى. ديوان نافرون تتجلى فيه الوفرة من الشعر الكلاسيكي الأصيل
يتابع الناقد نور عامر قائلا:" الحقيقة أننا قلما نجد اليوم في خضم هذا التأثر من المدد الأوروبي ديوانا حديثا تتجلى فيه الوفرة من الشعر العربي الكلاسيكي الأصيل، بصوره ومعانيه، والتصاقه بالتراث وبالجذور وتقيده المتين بأوزان الخليل وبالقافية الواحدة، كما تبنى القصيدة في الأصل على قافية واحدة قبل أن يتوسع شعراء العربية بتنويع القافية في القصيدة الواحدة ثم زخرفة القصائد بالمحسنات البيانية كالتشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية، والجناس والطباق، لا بأس أن نورد أمثلة على ذلك فيها فائدة للمبتدئين، لا سيما وأن من مهام النقد التوجيه، وربما التعليم.
bull;التشبيه:كم من فتى نبتته رمحا أسمرا
ونضته سيفا ماضيا مصقولا
bull;الاستعارة:وطلت لعمري مصر في القلب شعلة
تجوس بليل دامس عابس قر
bull;المجاز المرسل:فتحوا سوقا سياسيا عمالته البغاء
واشتروا فيه وباعوا.. وتبارى العملاء
bull;الجناس:شعب يموج على الجبال جبالا
كسر القيود وحط الأغلالا
*الطباق:يا نخل بغداد كيف الحال يا نخل
أجادك الغيث أم أودى بك المحلويقول الناقد نور عامر في البيت الأخير:" هذا البيت الأخير هو بداية لقصيدة جميلة بعنوان" كيف الحال يا نخل" برع الشاعر في صياغتها وتفنن في تهذيبها حتى أنني أكاد أجزم أن ما من أحد يتلقاها إلا وتهز مشاعره، بل يتفاعل معها إلى درجة كبيرة، ولناأن نستشهد على ذلك بأبيات أخرى من هذه القصيدة التي أدهشتني فاجرزت لنفسي كناقد أن اسميها، رائعة هذا النتاج أو جوهرة نافرون. تيجانك الخضر هل تزهو كعادتها/أم شاب روزنقها، ما جرى عطل/وكيف حال حليًّ نضدت رطبا/أما تزال، كما عهدي بها تحلو/وسوقك السمر هل مالت محاذرة/أم لم تزل بأباء شامخ تعلو". الخيال في شعر منيب مخول
وعن الخيال في شعر مخول كتب نور عامر:" وإذا كان الخيال هو العنصر الأساسي في الأدب، وهو أنواع عند الإبداء، فشاعرنا يمتاز بالخيال الحسي الذي ينزع إلى تصوير الواقع المحسوس كقوله في قصيدة " الهزع الأخير".
أيا ليل هل كد الهزيع هزيع
فحان لصبح المتعبين طلوع
هذه القصيدة، الهزع الأخير نشرت في الأسوار "سنة 1988 أبان الانتفاضة الفلسطينية، وقد تنبأ الشاعر بزوال الاحتلال، وصدق حدسه. وقضية التنبؤ، أو الرؤيا، وحتى الرؤية المستقبلية، تبقى جوانب هامة ومطلوبة في سجل الشعراء، فلا يكفي أن يدون الشاعر انطباعاته أو يصور الواقع كما هو، لأنه في هذه الحالة قد يختلف كثيرا عن أي إنسان عادي". تعامل الشاعر منيب مخول مع اللغة
أما بخصوص اللغة قال الناقد نور عامر: "شاعرنا يتعامل معها من خلال معرفة ومرونة، وهو يكتفي بإيجاد اللغة الدالة ويعزف عند الغموض والإبهام، وهذه اللغة تستقطب بعض العناصر الهامة في الشعر، كالعنصر العقلي، والعنصر الفني، أي عنصر التأليف والأسلوب الذي يشد القارئ ويجعله يعجب ويتأثر، وإن كنا نفتقد في بعض قصائده عنصر العمق، فذلك لأنه اكتفى بمعالجة الظواهر المحسوسة كما أسلفنا، فهو لا يدخل كثيرا إلى أجواء النفس ويسبر أغوارها، ربما لأنه توخى الوضوح والصراحة والمجاهرة، وأراد تركيز اهتمامه واهتمام القارئ على الفكرة الرئيسية بحيث تصبح نقطة الدائرة كقوله:
دمنا بلبنان مراق رطبفمتى تجف دماؤنا يا عرب؟!وهو في هذا الوضوح وهذا التركيز يبث في بيت الشعر روحا وحياة، ويصور بأمانة ما يعصف بداخله من ألم وغضب، وما يعتمل في نفسه من آمال كقوله في قصيدة" قبل ألا ينفع الغضب".
أهيب العرب والأيام الحالكةأن يغضبوا قبل ألا ينفع الغضب
تتمحور الفكرة الرئيسية في هذه القصيدة حول مأساة العراق وهي من القصائد الجيدة التي تشد القارئ من المفتاح حتى الخاتمة:
يا نخل بغداد هل لا زالت الرطب تحلو ويطعم من أحلابها العر
بلى.. فدجلة معطاء أخو كرم وقلة العرب الكبرى إذا شربوا
نلاحظ أن الشاعر يستعمل مفردات عربية قديمة كقوله" الرطب" أي ما نضج من البسر قبل أن يصير تمرا، وقوله" وقلة" الجرة العظيمة، وهذا من باب الاعتزاز بلغته وتمسكه بالأصيل منها.كان يمكن لقصيدة كهذه " قبل ألا ينفع الغضب"-وفي ظروف المأساة العراقية والصمت العربي، أن يطغى عليها طابع اليأس أو السوداوية الشديدة وكنا سنتقبل ذلك ربما بشيء من التذمر أو عدم الارتياح، باعتبار أن الإنسان ككائن يملك المناعة والإرادة لا يستسلم بسهولة حتى لو كان فوق النطع ينتظر السياف. "العاطفة عند الشاعر منيب مخول صادقة"
أنه وصف جميل فيه بعض الغرابة والدهشة إذا جعل الجماد "النيل" يتكلم، ويصف نفسه دون مغالاة ودون ابتذال، ولعمري أنه وصف بارع وصادق مشبع بالجمالية والعاطفة، إذا كان مقياس العاطفة الصدق في العملية النقدية فإن العاطفة عند شاعرنا تلعب دورا هاما وبارزا، وهي عاطفة صادقة، تمتد تارة إلى بلاد النخيل: بغداد في القلب..حب جل..بغداد.وطورا تتوثب في كل بقعة دون تحديد الزمان والمكان.تجوب خواطري في كل فج/يهوم فيه مغترب شريد/وأفرش بالمشاعر كل أرض/يضمخها بحناء شهيد/وامسح بالعواطف كل دمع/به عين معذبة تجود.
وإن أردنا الفصاحة والبلاغة باعتبار أنهما مقياس العبارة، فللشاعر في هذه المسألة جولات خصبة تؤكد قدرته كفارس في هذا الميدان: أزاهيره حمر جراح ندية/مدى دهرها عطر الخلود يضوع/تقبل صدر الأرض عند وقوعها/ فيصبغ بالحنا التراب نجيع. أو قوله في أطفال الحجارة: سرب العصافير التي ما ريشتولها مناسر والحواصل زغب.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف