ثقافات

نقد ترجمة جبرا لسونيت شكسبير رقم 55

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أول ملاحظة تتبادر إلى الذهن عند قراءة جبرا ابراهيم جبرا في ترجمته لشكسبير أن السياق اللفظي، أي تسلسل المفردات والمعاني المتركبة بشكل يكاد يكون "ذريّاً" عند شكسبير، أي "السنتاكس" Syntax ، لا أقر له في النص المترجم، بل أن جبرا لا يوحي، في كل ترجماته لشكسبير، بأنه واع أصلا بأهمية هذا الأمر. بينما هذا "الأمر" يكاد يكون جوهر العبقرية الشكسبيرية وبدونه لن نحصل، من كل تلك الكثافة المسلسِلة للمعنى كما في إنبيق سيميائي، لفرط منطقها القياسي، سوى على معان مهلهلة بائسة كما في الترجمة التالية لإحدى سونيتات شكسبير. الحق أن من يتكلم هنا هو جبرا، بلغته الإنشائية اللادقيقة العالية النبرة - كما في قصائد نثره جميعا: والنتيجة التي نستخلصها من كل هذا، لا تعدو أن تكون مفهوم المترجم - الشاعر بذاته عن قصيدة النثر العربية، وكيف يمكن للنثر، وإن كان مترجما، أن يستقطب حركيته وموازياته الإيقاعية ليكون بديلا، تقريبا في أحسن الأحوال عندما يتعلق الأمر بعملاق كشكسبير، يسترفد أقصى ما يمكن ان تحققه "لغة الشعر" - وهنا، بالضرورة، لغة قصيدة النثر الحديثة وليس هذه القعقعات الكلامية التي تشي، بشكل يدعو الى الرثاء، بمحاولة "تعريب" وكأن بلاغة اللغة العربية إنما تكمن في كلمات أودعت توابيتها الملائمة منذ أحقاب، مثل "حرب ضروس" (وهي "حرب" في الأصل، وتسبقها "مارس" إله الحرب عند الرومان وقد نسيه جبرا) و"نيران الوغى" و"عدو الملأ".. وللمقارنة نقدم السونيت التالية "سونيت 55" مترجمة بأقصى الدقة، سواء في المعنى، والمعاني الأخرى المضمرة، أو "المعمار الصوتي" وهيكليته:

اقرأ أيضا:

نقد ترجمة شاكر لعيبي لقصيدة شار: السورغ

حول ترجمة فاضل العزاوي لنص دادائي

ترجمة جبرا ابراهيم جبرا:

لا الرخام، ولا أنصاب الأمراء مطليةً بالعَسْجَدِ
ستُعمّر أكثر من هذا الشعر المتين.
بل سيبقى ذكرُك ساطعا في هذي الكلمات
أكثر من حجر يتسخ، ومَرُّ الزمان الأغبرِ يُلوّثُه.
وحين تُحطّمُ التماثيلَ حروبٌ ضروس
وتجتثُّ يدُ النزاع مبانيَ الحجارة من أصولها،
فلن يمزّقَ السيفُ، لا ولن تُحرقُ نيرانُ الوغى
سِجِلَّ ذكراك الذي سيحيا أبدا.
رغم أنف الموت والنسيان عدوّ الملا
ستخطو إلى الأمام، ولمدحك دوما مكان
في أعين الأجيال المقبلة التي
ستسكن الأرضَ حتى تلاقي حتفَها المحتوم.
فإلى يومِ القيامة حين تُبعثُ من ترابك،
في هذا القصيد، ستحيا، وفي أعين العشاق تُقيم.

ترجمة سركون بولص:

لا الرخام، ولا أنصاب الأمراء الموشّاة بالذهب
سيكتب لها أن تدوم أطول من هذا الشِعر المجيد
بل أنّك سوف تشعّ في هذه الأبيات بألق أكثر
ممّا لشاهدة غبراء، لوَّثها الزمان الهلوك،
عندما تُطيح الحربُ المبيدةُ بالتماثيل،
وتقتلع النزاعاتُ من أساسه ما شيّدتُه يدُ الباني،
فلا مارس بسيفه، ولا نيران الحرب الراعفة
ستحرق في لهيبها السجلّ الحيّ لذكراك.
إنّك ستخطو قدماً في وجه الموت
والطغيانِ الذي يمحو كلّ ذكرى؛ فما زال ثمّة مكان
بانتظار مديحك حتّى في عيون الآتين، الذين
يرثّ هذا العالم تحت خطاهم قبل أن يلاقوا حتفهم الأخير
لذا، ستحيا، حتّى انبعاثك يومَ القيامة
في شِعريَ هذا، وتبيتُ في عيون العشاق.

النص الأصلي


LV

Not marble, nor the gilded monuments
Of princes, shall outlive this powerful rhyme;
But you shall shine more bright in these contents
Than unswept stone, besmear'd with sluttish time.
When wasteful war shall statues overturn,
And broils root out the work of masonry,
Nor Mars his sword, nor war's quick fire shall burn
The living record of your memory.
'Gainst death, and all oblivious enmity
Shall you pace forth; your praise shall still find room
Even in the eyes of all posterity
That wear this world out to the ending doom.
So, till the judgment that yourself arise,
You live in this, and dwell in lovers' eyes.

عن مجلة "فراديس" العدد السادس/ السابع 1993

تنبيه: نشكر الصديق كريم حسونة لارساله هذه المادة للنشر في قسم اخترنا لكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا لهذا النص
مجهول -

اعتقد القراء في العراق وعزز هذا الاعتقاد جميع المثقفين بان المرحوم جبرا ابراهيم جبرا قدم افضل التراجم من الانكليزية الى العربية، وهنا لااريد ان ابخس جبرا جهده ولكن هناك عدم استيعاب كامل لاعمال شكسبير وما قدمه جبرا اختلطت فيه الصور وتشوهت في احيان كثيرة جدا ولكن من يجرؤ الحديث ضد ترجمات جبرا؟ فلقد خلقت حول الرجل هالة لا يمكن اختراقها ولو بالمنطق، الا ان المتمكن من العربية والانكليزية والمتمعن باعمال شكسبير والمطلع على التفسيرات التي تصحب تلك الاعمال يجد الاخطاء الكثيرة جدا والمؤسفة في ترجمة جبرا واقولها بثقة هذا ينطبق على اغلب ما قدمه جبرا، واتمنى لو انه ترك الترجمة وتفرغ للادب والرواية كان افضل من تقديم صور مهزوة غير دقيقة رحم الله جبرا فلقد حاول وفشل وله اجر على ذلك ولكنني اتالم على من قرأ واعتقد بانه يقراء نصا موثوق به

دعوة الى صلاح نيازي
سمير -

جهد طيب من الشاعر الراحل سركون بولص. يجدر بالذكر ان الشاعر صلاح نيازي، وهو ضليع باللغة الانجليزية، كتب عددا من النقود لترجمات جبرا الشكسبيرية وأرفقها بترجمات بديلة أقرب الى النص الأصلي. ولا أدري لماذا اقتصرت جهود الشاعرين على مقالات متفرقة. تمنيت دائما وما زلت أتمنى أن يكرس الأستاذ نيازي جزءا من وقته لمشروع ترجمة أعمال شكسبير، كاملة أو مختارات، فهو الشخص الأكثر مناسبة لهكذا مشروع، ليس فقط بسبب انجليزيته المتفوقة وإنما لأنه شاعر أولاً ومتعمق في أسرار الانجلزيزية بما فيها الكلاسيكية، ولغة شكسبير تحتاج لترجمتهاالى شاعر متمكن من الانجليزية الشكسبيرية (وهي طبعا غير انجليزية اليوم)وليس الى مترجم بالمعنى المهني. جبرا أعطى ما عنده مشكورا. وفي ظنى، ولأني أعرف مدى اتقانه للغة الانكليزية، ان الرجل فكر بتقديم أعمال شكسبير الى أعرض قاعدة ممكنة من القراء وليس الى النخبة، ولهذا قام بتبسيط اللغة عامداً وليس جهلاً.

تعليق
ن ف -

أتفق مع ما ذكره المعلّق الأول واضيف أني كنت صغيراً حين ترجم جبرا شكسبير.. وما إن بدأت اتعرّف على شكسبير حتى رحل جبرا عن عالمنا. وما إن بدأت أتذوق شعر سركون بولس حتى رحل هو الآخر. الاثنان في ذمة الله الآن، أما نصوص شكسبير فهي في ذمتنا.. في ذمة المترجم وذائقته.. وقد قلت هذا، فاني لم استسغ ترجمة جبرا ولا حتى ترجمة سركون لـ powerful rhyme . فالأول ترجمها إلى شعر متين، أما الثاني فقد ترجمها إلى شعر مجيد.. أما أنا فأقول هو شعر بليغ.

أقنرح
Antoine Arab -

أقنرح هذه الترجمة للنص: السوناتة 55 لا الرخام ولا أنصاب الأمراء المُذهَّبةستصمد أكثر من هذا الشعر البليغبل إنك ستشعّ في هذه الأبيات ألقًاأكثر من شاهدة غير ممحية، لوثّها الزمان القذِر.عندما تُسقِط التماثيلََ حربٌ مُدمِّرة،وتقتلع أعمالَ البناء من أساساتها،لا مارس بسيفه ولا نيران حرب ضروسستحرق سجل ذكراك الحي.ستتجاوز بسرعة الموتوجميع الأعداء المغفَّلينوسيبقى لتمجيدك مكانحتى في نظر الأجيال القادمةالذين سيستهلكون هذا العالم حتّى القدر المحتوم.لذا، ستحيا في هذا الشعروتقيم في أعين العشاقحتّى انبعاثك يومَ القيامة.