ثقافات

تصاميم "زهاء حديد" العربية (3/3): مهرجان الاشكال الغرائبية وكأنها حدث عادي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الجزء الأول

الجزء الثاني

د. خالد السلطاني: يتعين التذكير بان غرائبية الاشكال المعمارية المعاصرة، ليست مقتصرة على نتاج زهاء حديد لوحدها. فالمشهد المعماري متخم بمثل هذه النزعة التصميمة التى سبق وان برر بواعثها "بيتر آيزنمان"، بكونها تمثيلاً لناتج معماري ما بعد حداثي، وهذا الناتج عليه ان يتجاوز بصنيعه اوهام الحداثة المتمظهرة في "وهم التمثيل، ووهم المنطق، ووهم التاريخ". (خالد السلطاني، مئة عام من عمارة الحداثة، دمشق، 2009، ص.308). لكن ما تقدمه زهاء يفوق ذلك التجاوز، ويقترب من مهمة جعل "مهرجان" الاشكال الغرائبية تبدو وكأنها حدثا عاديا، لا يفترض ان يثير الدهشة او الاستغراب.
متحف البحرين للفنون المعاصرة،المنامة (2007-2012)، منظر عام. والسؤال المهم، هو كيف تحقق ذلك؟ كيف باتت "غرائبية" الاشكال المصممة تغدو وكأنها محض اشكال lt;عاديةgt; في مقاربة زهاء المعمارية؟. بل إن التساؤل الاكثر اهمية، هو من اين تستل زهاء هذه الغرابة التشكيلية لتصاميمها، واين تكمن جذورها؟. لا يمكن الاجابة عن هكذا تساؤل مشروع من دون تحليل عميق لطبيعة المقاربة "الزهائية"، ومن دون قراءتها قراءة نقدية متأنية ومتشعبة. وهو ما لا يمكن تحقيقه الآن، ضمن محدودية اهداف هذه الدراسة. ومع هذا فاننا نتطلع الى الاشارة، ولو بعجالة، الى المنابع التى شكلت فيوضها مزيج المرجعيات المتعددة التى منها تنهل زهاء خصائص نهجها التصميمي. بالطبع تقودنا تلك الاشارات، مرة آخرى، الى خصائص العمارة التفكيكية، التى كثيرا ما استقت زهاء منها توجهاتها. بيد إنها "تغرف" ايضا من منابع شتى لجهة تكريس نهجها التصميمي الخاص، الذي تفصح عنه ببلاغة تصاميمها المخصصة للبلدان العربية وبالصيغة التى اصبحت مألوفة في الخطاب ولدى كثر من المتلقيين. إن "فرشة" هذه المنابع لواسعة. كما انها عديدة ومختلفة وحتى...متناقضة. واحد هذه المنابع الهامة في راي زهاء، هو تأثيرات الـ "كونستروكتفيزم" الروسي وهوسه في استيلاد حلول تكوينية غير شائعة في المشهد، بل وبعيدة عن المفهوم "الدارج" لمعنى العمارة وحدود مجالاتها. ثم علينا ان لا ننسى ايضا، طالما نحن لا نزال في روسيا، تأثيرات "كازيمير ماليفتش" ودعواته لارتياد آفاق جديدة في الفن والعمارة، عبر انساق هندسية صوفية وتجريدية، تهجر السائد وتهجس بالآتي. وهو ما لقى هوى خاص لديها، تمثل في استيعاب وتأويل الدرس "السوبرماتي" Suprematism الماليفتشي. ثم هناك منابع جذورها الشرقية، المؤسسة لطبقات حساسة تكتنزها الذاكرة، وتفصح عن نفسها احيانا في "تصحيح" ذائقتها الجمالية. ثمة عامل آخر، قد يبدو للكثيرين عاملا طارئاً وربما غريباً، لكنه وفقاً جسر الشيخ زايد، ابو ظبي/ الامارات، (2007-2009)، منظر عام. لزهاء، كان عاملا مؤثرا لجهة نفوذه وتأثيره علي صياغة نهجها التصميمي وهي اعمال المعمار البرازيلي المعروف "اوسكار نيمايير": "تأثرت تأثرا كبيرا باعمال اوسكار نيمايير - تعترف زهاء حديد - وخاصة احساسه بالمساحة، ابداعه واحساسه هذا بالمساحة فضلا عن موهبته الفذة كلها عناصر تجعله متميزا ولا يعلى عليه. فأعماله هي التى الهمتني وشجعتني على ان ابدع اسلوبي الخاص مقتدية ببحثه على الانسيابية في كل الاشكال". (الشرق الاوسط، 24 ابريل 2008). lt;جدير بالذكر ان المعمار المشهور ظلّ منهمكا في انشغالاته التصميمة الى فترة متأخرة، ولم يعتكف عن الممارسة التصميمية الا قبل قليل: عند بداية هذه الالفية، هو الذي ولد في ريو دي جانيرو عام 1907، ولا يزال يعتبر المعمّر المعماري الاول في العالم لحين الوقت الحاضر!gt;. ولئن اثر كل هذا على صياغة مفاهيم زهاء، فان ما اسهم في تحديد مقاربتها بشكل مهني وملموس، يظل بالطبع نوعية ثقافتها المعمارية، والاجواء المهنية المحيطة بها وطبيعة متطلباتها؛ وخصوصا متطلباتها، والاهم في كل ذلك القدرة على الاصغاء لهاجس تلك المتطلبات وكيفية تمثيلها بجدارة.

واذا تجاوزنا مرجعية الاشكال المتفردة ذات السمة الغرائبية، الحاضرة في مشاريع زهاء العربية، كما هو الحال في اشكال منجزها التصميمي بشكل عام، فان طبيعة الاشكال ذاتها تثير قدرا كبيرا من السجال حولها. فهي، كما اشرنا سابقاً، غاصة بالتنافر التشكيلي وعدم التناغم بين عناصر لغتها المعمارية، وهي مليئة بالالتواءات والهشاشة المتقصدة، مع الايحاء بالحركة والتشظي. والامر الاساسي فيها هو غياب الاشكال المنتظمة وعدم "منطقية" الفورم المصمم. انها بالطبع اشكال متميزة. متميزة عن السياق، ومتفردة عن الانساق ايضاً. ولهذا تحتاج الى تسويغ مفاهيمي، يبرر حضورها في المشهد، ويجعل من لغة عمارتها حدثاً مقبولاً.
مركز الفنون الآدائية، ابو ظبي/ الامارات، (2008)،تفصيل الواجهة البحرية قد لا يكون الفهم "المنطقي" وما يترتب عنه من قيم، قادرة على تسويغ ما تقدمه زهاء من اشكال تصميمية؛ ما يحملنا الى تقصي مفاهيم آخرى، يمكن لها ان تجيب عن مبررات ظهور اشكال المقاربة التصميمية اياها. وحتى لا نذهب بعيدا في تيه التقصيات المتنوعة وربما المجهولة، علينا التذكير، بان مقاربة زهاءـ يمكن لها ان تصنف ضمن "المقاربات التى تعيد البشرية بين الفينة والآخرى، حالاتها المتفردة العصية على الاستنساخ والتقليد. فالمخيلة الانسانية ظلت على امتداد سفر التاريخ تجنح لافراز تمظهرات تكون مترعة بالتعقيد والتناقض ومشوبة بالغموض وفرادة الاشكال، كجزء من منظومة جدلية تتفاعل بين النظام واللانظام، العقلانية واللاعقلانية، القاعدة واستثناءها؛ والتى بها يغتني المنتج الابداعي الانساني ويكتسب فرادته وتعدديته لينجو من تبعات الرتابة وايقاعها المتماثل الممل" (خالد السلطاني، نخلة غاودي، ايلاف، 17اغسطس 2008). بمعنى آخر،لا يجوز ان تقتصّر معرفتنا ويُرّهن ادراكنا للامور في نطاق "المنطق العقلي" وحده. فالعقل، كما يشير احد الدارسيين، ليس الا خيارا من جملة خيارات ابستمولوجية متداولة في نظرية المعرفة. وهذا يقودنا الى التنبيه، بان ثمة قطاعات في الكينونة الانسانية مجاورة للعقل فاعلة ومؤثرة، وذات حقوق وتصورات لا يستطيع العقل ان يتنكر لها او يلغيها، مثل: الذاكرة والارادة والحساسية والرغبة.
من هنا، يمكن ايجاد ذرائع للكثير من الاشكال الغرائبية التى رافقت الجهد التصميمي عبر مراحل مختلفة من التاريخ. ويحفظ السجل المعماري العالمي، امثلة عديدة من التصاميم، التى لا يمكن تفسير "فورماتها" من وجه نظر المنطق فقط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن تعليل ظهور منحوتة "الثور المجنح" كمفردة تكوينية في العمارة الاشورية؟ وكيف بالامكان تسويغ اعمال برنييني، معمار عصر النهضة المعروف؟ او تفسير شغل معمار مأذنة الملوية في سر من رأى؟ او توضيح الجهد التصميمي لمعمار قبة "زمرد خاتون" المخروطية ببغداد، او اعمال انطونيو غاودي في برشلونة، او التصاميم "المستقبلية" للايطالي انتونيو سانت ايليا؟ او ايجاد تفسير لعمارة مصلى "رونشان" الكوربوزيوي، او حتى كيف يمكن تعليل شكل كاثدرائية برازيليا لاوسكار نيمايير؟. في جميع اشكال تلك التصاميم وغيرها كثير، يظل المنطق العقلي قاصراً عن فهم بواعث الهيئات الغريبة غير العادية وطبيعتها الحافلة بالفرادة واللاعقلانية في آن. وتصاميم زهاء حديد يتعين ادراكها بالطبع، وفي الجوهر، طبقاً لما توفره طروحات مابعد الحداثة (وخصوصاً في نسختها التفكيكية) من رؤى معرفية غير مسبوقة في الخطاب. لكن مراعاة تأثيرات "الرؤى الاخرى" المستلة من رحم الظاهرة التى اشرنا اليها تواً، سيضيف بعداً آخرا لطرائق معرفتنا، ويضفي عمقاً على ادراكنا للمنجز "الزهائي". وبالتالي لن يكون ثمة نفياً قسريا يبتني على قرار مسبق، يدين بتقيماته الى "سطوة" المنطق لوحده، نازعا عن المصممة حقها في التطلع نحو خياراتها الغرائبية وحاثاُ في الوقت عينه متلقي عمارتها بعدم قبول تصاميمها أوالرضى والتعاطف مع تلك التصاميم.

خور دبي التجاري- ابراج الاشارة/ دبي، الامارات، (2006)، تفصيل تثار دوما في الاوساط المحلية والاقليمية إشكالية "الهوية" والانتماء الى المكان وانعكاسهما في لغة تصاميم زهاء حديد المخصصة الى الارض العربية. ويُرّفع البعض من شأن هذه الاشكالية وتقدم كأنها المعيار الوحيد لتقييم العمل المعماري. لا ينظر الى نوعية الجهد التصميمي ولا الى اساليب الابداع، التى تكتنزها تلك المشاريع وطريقة التعبير عنها، ولا طبعا في مدى إضافتها الى المشهد، وفرادتها ومعاصرتها وجدتها. ويؤمن البعض بان حضور مفهوم "الهوية" يتعين ان يكون الزامياً في جميع التصاميم المبنية في المنطقة العربية. ويذهب كثر الى اقصاء التصاميم التى تخلو منها. ومع ان مفهوم الهوية هو مفهوم سجالي، قابل لقراءات متعددة، فان كثرا ًيدرك هذا المفهوم بكونه ارثاً ماضوياً، تشكل بتماميمية مطلقة، وهو بالتالي يرفض الاضافة، وطبعاً.. النقصان!. بل وثمة رواج واسع لاعتقاد جازم لدى كثر من المهنيين العرب، من إن الهوية تمنح كمعطى مرة واحدة.. والى الابد!.
لكن الامر يبدو بالنسبة الى زهاء حديد مختلف كثيراً. فهي تنظر الى اسلوب التصميم المنطوي على حضور "الهوية"، كخيار من خيارات متعددة حافل بها الخطاب المعماري. وهي في تصاميمها الي المنطقة العربية، تنطلق من منطلقات تصميمية، لا تسعى وراء حصرها او اقتصارها على توظيف مفردات محددة توحي الى مفهوم الهوية، بالصيغة التى يتم التعاطي معها لدى كثر في المنطقة العربية. انها بالاساس تستمد لغتها التصميمية من نهجها المعماري الخاص بها، النهج الذي تأسس،كما اشرنا، على مزج مرجعيات محتلفة ومنطلقات متنوعة. وهي توضح مقاربتها بالقول بانها "تستوحي عناصر الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري" وان هذا العنصر " ينسحب على اعمالي، فانا احاول دائما التقاط تلك الانسيابية في سياق حضري عصري. وحين درست الرياضيات في بيروت، ادركت ان ثمة علاقة تربط بين المنطق الرياضي والمعمار والفكر التجريدي." (الشرق الاوسط، 25 ابريل 2008). زهاء حديد (1950). صحيح انها تشعر بشعور خاص عندما تصمم تصاميم مخصصة الى الارض العربية، وتتطلع لان يكون حضور المكان فيها مثرياً للعملية التصميمية؛ بيد انها تخضع كل ذلك لرؤاها المهنية الخاصة، ولتأويلها لمعنى "الهوية" وادراكها لها؛ وهو ادراك يتعاطى مع الاخيرة بكونها صيرورة منفتحة، وبكونها ايضا، ابتكارا متواصلاً وليس ارثاً جاهزاً. وهي في هذا الصدد تعرض رؤاها بصراحة عن سؤال حول رأيها لتطور العمارة في العالم العربي ومتابعتها لها "لاشك في وجود تغير ملحوظ في الآونة الآخيرة يمكن وصفه بنوع من الزهو بالهوية العربية. فجأة اصبحت اشياء كثيرة متاحة وممكنة. يمكن القول انه وقت مثير بالنسبة الى المعماريين العرب، والفضل في هذا يعود الى هذه الرغبة في التجديد ومواكبة التحولات العصرية" (الشرق الاوسط، 25 ابريل 2008). وانطلاقاً من التجديد ومواكبة التحولات العصرية التى منهمكة بها زهاء نفسها، فان المتلقي قد يجد في ثنايا تلك التصاميم اجتهاداً في تأويل خصوصية المكان، وتأثيراته على الصيغ المقترحة لتصاميمها العربية. وما تؤكده المعمارة من اتساع الاحياز التى تتوق اليها في حلولها التصميمية، وحضور الانسيابية، وايجاد روابط في المنطق الرياضي والفكر التجريدي والشأن المعماري، هي في الواقع، من صميم انشغالات العمارة الاسلامية، تلك الانشغالات التى وسمت خصوصيتها وطبعتها بطابع مميز. وتظل بالطبع، القدرة في اعادة قراءة تلك القيم: قيم العمارة الاسلامية واستنطاقها، هو ما يميز الاضافة التصميمية التى انبنت على طبيعة تلك القراءة او ذلك الاستنطاق.

قد لا تستأثر تصاميم زهاء حديد باهتمام كثر. فمنجزها المعماري ما انفك يثير قدرا كبيرا من النقاش حوله. فمثلما عمارتها تحظى باعجاب البعض وتعاطفه معها، فهي ايضا تجد عدم اكتراث وحتى الرفض من لدن البعض الآخر من المتلقيين العاديين وحتى المهنيين. لكن الامر الاكيد، بان وجود تصاميمها في الارض العربية يحمل دلالات كثيرة. ذلك لان ظهورها في المشهد المعماري العربي يتيح امكانية التعرّف ميدانياً على ما توصل اليه الفكر المعماري في اوج لحظتة الابداعية المعاصرة، ما يسمح للكثير من المتلقيين ان يكونوا على تماس قريب لما يحصل في الورشة المعمارية ما بعد الحداثية. اما بالنسبة الى المهنيين فسيخلق وجودها فرصة سانحة للتعلم والتأثير والمقارنة. وقد تشكل بعض تصاميمها المميزة، مابعد الحداثية، عالية المهنية "ايقونة" بصرية للمدن المشيدة فيها، كما حصل لمشاريع عمرانية معبرة ومعاصرة عديدة، ادت هذه المهمة السيميائية خير اداء، وباتت بها ُُتعرف مدننا.. العامرة. □□


مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون

مصادر الدراسة

1.خالد السلطاني، مئة عام من عمارة الحداثة، دمشق، 2009.
2.خالد السلطاني، نخلة غاودي، موقع ايلاف الالكتروني، 17 اغسطس 2008.
3.فاروق سلوم، زها حديد الفنتازيا اهم من العمارة، موقع الحوار المتمدن، 18 كانون 2، 2008.
4.صحيفة الشرق الاوسط، لقاء زها حديد، العدد 10740، 24 ابريل 2008.

5. Zaha Hadid; The Complete Works, Rizzoli, New York, 2009.
6Philip Jodidio, Hadid Complete Works 1979-2009, Taschen, Kouml;ln, 2009.
7Zaha Hadid Complete Works Texts and References, Thames amp; Hudson, London, 2004.
8World Architecture Masters, 2/ 2007, Sofia, Bulgaria.
9GA, Document, 99. Tokyo, Sept. 2007.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من ريحة هلي
نور بغداد -

بمثلك سيدتي تفخر العراقية .. حيا الله مدينتك الموصل وحمى اهلها من كل سوء.. كلما اقرأ عنك اتذكر ان كان هناك بلد راقي اسمه العراق

يكفي انها عراقية
مصلاوي -

واللة واحد لازم يفتخر بشي اسمو زهاء يكفي هي من الحدباء ام الربعين الموصل

Zuha Hadeed
Salem -

Its amazing designsHope the Iraqis will be proud of you as much as anyone else, so hope you can inspire them especially Women which these daysIt seems the politicians and Religious Leaders took last hope Women have

احلـــى التصــاميــم
منصــــــور -

يا محلى التصاميم والله بقمــــة الرووووووووعة