تصاميم "زهاء حديد" العربية (3/3): مهرجان الاشكال الغرائبية وكأنها حدث عادي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
د. خالد السلطاني: يتعين التذكير بان غرائبية الاشكال المعمارية المعاصرة، ليست مقتصرة على نتاج زهاء حديد لوحدها. فالمشهد المعماري متخم بمثل هذه النزعة التصميمة التى سبق وان برر بواعثها "بيتر آيزنمان"، بكونها تمثيلاً لناتج معماري ما بعد حداثي، وهذا الناتج عليه ان يتجاوز بصنيعه اوهام الحداثة المتمظهرة في "وهم التمثيل، ووهم المنطق، ووهم التاريخ". (خالد السلطاني، مئة عام من عمارة الحداثة، دمشق، 2009، ص.308). لكن ما تقدمه زهاء يفوق ذلك التجاوز، ويقترب من مهمة جعل "مهرجان" الاشكال الغرائبية تبدو وكأنها حدثا عاديا، لا يفترض ان يثير الدهشة او الاستغراب.
واذا تجاوزنا مرجعية الاشكال المتفردة ذات السمة الغرائبية، الحاضرة في مشاريع زهاء العربية، كما هو الحال في اشكال منجزها التصميمي بشكل عام، فان طبيعة الاشكال ذاتها تثير قدرا كبيرا من السجال حولها. فهي، كما اشرنا سابقاً، غاصة بالتنافر التشكيلي وعدم التناغم بين عناصر لغتها المعمارية، وهي مليئة بالالتواءات والهشاشة المتقصدة، مع الايحاء بالحركة والتشظي. والامر الاساسي فيها هو غياب الاشكال المنتظمة وعدم "منطقية" الفورم المصمم. انها بالطبع اشكال متميزة. متميزة عن السياق، ومتفردة عن الانساق ايضاً. ولهذا تحتاج الى تسويغ مفاهيمي، يبرر حضورها في المشهد، ويجعل من لغة عمارتها حدثاً مقبولاً.
من هنا، يمكن ايجاد ذرائع للكثير من الاشكال الغرائبية التى رافقت الجهد التصميمي عبر مراحل مختلفة من التاريخ. ويحفظ السجل المعماري العالمي، امثلة عديدة من التصاميم، التى لا يمكن تفسير "فورماتها" من وجه نظر المنطق فقط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن تعليل ظهور منحوتة "الثور المجنح" كمفردة تكوينية في العمارة الاشورية؟ وكيف بالامكان تسويغ اعمال برنييني، معمار عصر النهضة المعروف؟ او تفسير شغل معمار مأذنة الملوية في سر من رأى؟ او توضيح الجهد التصميمي لمعمار قبة "زمرد خاتون" المخروطية ببغداد، او اعمال انطونيو غاودي في برشلونة، او التصاميم "المستقبلية" للايطالي انتونيو سانت ايليا؟ او ايجاد تفسير لعمارة مصلى "رونشان" الكوربوزيوي، او حتى كيف يمكن تعليل شكل كاثدرائية برازيليا لاوسكار نيمايير؟. في جميع اشكال تلك التصاميم وغيرها كثير، يظل المنطق العقلي قاصراً عن فهم بواعث الهيئات الغريبة غير العادية وطبيعتها الحافلة بالفرادة واللاعقلانية في آن. وتصاميم زهاء حديد يتعين ادراكها بالطبع، وفي الجوهر، طبقاً لما توفره طروحات مابعد الحداثة (وخصوصاً في نسختها التفكيكية) من رؤى معرفية غير مسبوقة في الخطاب. لكن مراعاة تأثيرات "الرؤى الاخرى" المستلة من رحم الظاهرة التى اشرنا اليها تواً، سيضيف بعداً آخرا لطرائق معرفتنا، ويضفي عمقاً على ادراكنا للمنجز "الزهائي". وبالتالي لن يكون ثمة نفياً قسريا يبتني على قرار مسبق، يدين بتقيماته الى "سطوة" المنطق لوحده، نازعا عن المصممة حقها في التطلع نحو خياراتها الغرائبية وحاثاُ في الوقت عينه متلقي عمارتها بعدم قبول تصاميمها أوالرضى والتعاطف مع تلك التصاميم.
لكن الامر يبدو بالنسبة الى زهاء حديد مختلف كثيراً. فهي تنظر الى اسلوب التصميم المنطوي على حضور "الهوية"، كخيار من خيارات متعددة حافل بها الخطاب المعماري. وهي في تصاميمها الي المنطقة العربية، تنطلق من منطلقات تصميمية، لا تسعى وراء حصرها او اقتصارها على توظيف مفردات محددة توحي الى مفهوم الهوية، بالصيغة التى يتم التعاطي معها لدى كثر في المنطقة العربية. انها بالاساس تستمد لغتها التصميمية من نهجها المعماري الخاص بها، النهج الذي تأسس،كما اشرنا، على مزج مرجعيات محتلفة ومنطلقات متنوعة. وهي توضح مقاربتها بالقول بانها "تستوحي عناصر الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري" وان هذا العنصر " ينسحب على اعمالي، فانا احاول دائما التقاط تلك الانسيابية في سياق حضري عصري. وحين درست الرياضيات في بيروت، ادركت ان ثمة علاقة تربط بين المنطق الرياضي والمعمار والفكر التجريدي." (الشرق الاوسط، 25 ابريل 2008).
قد لا تستأثر تصاميم زهاء حديد باهتمام كثر. فمنجزها المعماري ما انفك يثير قدرا كبيرا من النقاش حوله. فمثلما عمارتها تحظى باعجاب البعض وتعاطفه معها، فهي ايضا تجد عدم اكتراث وحتى الرفض من لدن البعض الآخر من المتلقيين العاديين وحتى المهنيين. لكن الامر الاكيد، بان وجود تصاميمها في الارض العربية يحمل دلالات كثيرة. ذلك لان ظهورها في المشهد المعماري العربي يتيح امكانية التعرّف ميدانياً على ما توصل اليه الفكر المعماري في اوج لحظتة الابداعية المعاصرة، ما يسمح للكثير من المتلقيين ان يكونوا على تماس قريب لما يحصل في الورشة المعمارية ما بعد الحداثية. اما بالنسبة الى المهنيين فسيخلق وجودها فرصة سانحة للتعلم والتأثير والمقارنة. وقد تشكل بعض تصاميمها المميزة، مابعد الحداثية، عالية المهنية "ايقونة" بصرية للمدن المشيدة فيها، كما حصل لمشاريع عمرانية معبرة ومعاصرة عديدة، ادت هذه المهمة السيميائية خير اداء، وباتت بها ُُتعرف مدننا.. العامرة. □□
مدرسة العمارة/ الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
مصادر الدراسة
1.خالد السلطاني، مئة عام من عمارة الحداثة، دمشق، 2009.
2.خالد السلطاني، نخلة غاودي، موقع ايلاف الالكتروني، 17 اغسطس 2008.
3.فاروق سلوم، زها حديد الفنتازيا اهم من العمارة، موقع الحوار المتمدن، 18 كانون 2، 2008.
4.صحيفة الشرق الاوسط، لقاء زها حديد، العدد 10740، 24 ابريل 2008.
5. Zaha Hadid; The Complete Works, Rizzoli, New York, 2009.
6Philip Jodidio, Hadid Complete Works 1979-2009, Taschen, Kouml;ln, 2009.
7Zaha Hadid Complete Works Texts and References, Thames amp; Hudson, London, 2004.
8World Architecture Masters, 2/ 2007, Sofia, Bulgaria.
9GA, Document, 99. Tokyo, Sept. 2007.
التعليقات
من ريحة هلي
نور بغداد -بمثلك سيدتي تفخر العراقية .. حيا الله مدينتك الموصل وحمى اهلها من كل سوء.. كلما اقرأ عنك اتذكر ان كان هناك بلد راقي اسمه العراق
يكفي انها عراقية
مصلاوي -واللة واحد لازم يفتخر بشي اسمو زهاء يكفي هي من الحدباء ام الربعين الموصل
Zuha Hadeed
Salem -Its amazing designsHope the Iraqis will be proud of you as much as anyone else, so hope you can inspire them especially Women which these daysIt seems the politicians and Religious Leaders took last hope Women have
احلـــى التصــاميــم
منصــــــور -يا محلى التصاميم والله بقمــــة الرووووووووعة