ثقافات

الربيع العربي ربيع عندما يتم فصل الدين عن الدولة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

برغم النقلة الكبيرة التي أحدثها ربيع العرب في مجريات أحداث المنطقة، فقد أخفق حتى الآن في تقديم المشروع السياسي والاقتصادي الواضح الذي يمكن أن يعتبر بديلاً مما

الحلقة الأولى

كان. فهل يمكن اعتبار هذا نتاجًا مباشرًا لغياب صوت المثقفين عن أكبر حدث عربي في الوقت الراهن؟.

إعداد صلاح أحمد:الشباب العربي الذي فجّر "ربيع العرب" إنما فعل ذلك لأنه سئم نوع الخطاب الذي ورثه عن أسلافه. فهو خطاب لم ينجز شيئًا للفلسطينيين، وعمّق الشقاق بين بين الدول العربية بدلاً من توحيدها.

إزاء هذا الوضع سعى هؤلاء الشباب إلى التركيز على الإخفاقات، التي صارت سمة لمجتمعاتهم. في هذا الصدد يقول الصحافي اللبناني حازم صاغية: "في ما مضى كان كل شيء لا يتعدى القشرة والمظهر: إما أن تكون مع أميركا أو ضدها.. الدور الإسرائيلي.. وهكذا دواليك. لكن هذه الثورات الجديدة مختلفة تمامًا".

حجر الأساس
الواقع أن التأكيد الجديد على الحقوق المدنية والديمقراطية في الداخل لم يأت من فراغ. فقد بدأ بعض المثقفين العرب يتحدثون بهذه اللغة من زمن بعيد. ومن هؤلاء صادق جلال العظم، الذي نشر - بعد المهانة العربية في حرب 1967 - كتابه المهم "النقد الذاتي بعد الهزيمة" وتناول فيه هذه المسائل.

بالتدريج جاء بعد العظم من تناول أيضًا الشيء نفسه. وفي أعقاب "ربيع دمشق" القصير الأمد في أواخر التسعينات، وقّع مثقفون سوريون على "إعلان دمشق 99" الذي نادى بمزيد من الحريات المدنية والانفتاح، فسُجن العديد منهم عقابًا عليه. ولا بد من القول إن الشجاعة التي تحلّى بها هؤلاء المثقفون في سوريا - وفي مصر أيضًا - ربما كانت هي حجر الأساس، الذي تقوم عليه الانتفاضات العربية في العام الحالي.

لا مكان للعلمانية
لكن أصوات المثقفين من ذلك النوع لم تجد الآذان الصاغية، لأن خطابها العلماني لا يناسب مجتمعات، صار الإسلام السياسي هو القوة المهيمنة عليها. وحتى الإسلاميون أنفسهم من جهتهم لم يكونوا أفضل حالاً حتى عندما حاولوا إلباس نقدهم السياسي زيًّا دينيًا.

على سبيل المثال، فقد بدأ المفكر المصري حسن حنفي في الثمانينات الدعوة إلى "يسار إسلامي"، بمعنى "أيديولوجية اشتراكية تتخذ جذورها في الدين". وكان جزاؤه أن اتهم بالزندقة، وصار محل تهديد بالقتل من جانب الجهاديين. ووفقًا للمؤرخ المستشرق الهولندي كارول كيرستين، فقد وجدت أفكار حنفي قبولاً في إندونيسيا على سبيل المثال، لكنها نُبذت في وطنه مصر.

مكبّر الصوت
على أن من المثقفين العرب من نجا من هذا المصير. فمثلاً صار الروائي المصري علاء الأسواني في السنوات الأخيرة من أشد منتقدي حكومة حسني مبارك، فقط بفضل شهرته ومكانته كأديب مفوّه.

وكان الأسواني ضمن أوائل المثقفين الذين خاطبوا جموع الجماهير في ميدان التحرير في يناير/كانون الثاني، ثم في مارس. ويُشهد له أنه أنزل هزيمة فكرية نكراء برئيس الوزراء، أحمد شفيق، في حوار متلفز.

وعندما أقال المجلس العسكري هذا الأخير في اليوم التالي، أرجع العديد من الناس الفضل في هذا إلى الأسواني. وبرغم كل ذلك، فقد أوضح هذا الكاتب منذ البداية أن هدفه الأول والأخير هو أن يكون فقط بمثابة مكبّر الصوت للمتظاهرين ومطالبهم، ولهذا فلم يطرح على الساحة أي أفكار تكون بمثابة البديل أو المؤشر إليه.

مقارنة بشرق أوروبا
كان محتمًا أن يُقارن ربيع العرب بانتفاضة شرق أوروبا على الهيمنة الشيوعية السوفياتية في 1989، لكن هذا ليس من باب الإنصاف.. ربما لأن المثقفين أدوا دورًا أساسيًا في هذه الأخيرة.

وكما تقول الكاتبة آن أبيلبوم، الخبيرة في بواطن معسكرات الاعتقال السوفياتية: "في بولندا، على سبيل المثال، كان تحالف المثقفين ونقابات العمال ذات أهمية عالية، فساعدوها في تشكيل حركات الاحتجاج وتوحيد فصائلها المختلفة. وكانوا وقتها بمثابة ما يعادل "فايسبوك" في زماننا الراهن".

على سبيل المثال، فقد كتب وقتها المسرحي التشيكي المعارض فاتسلاف هافل مقالة بعنوان "قوة من لا قوة لهم"، صارت بمثابة "برنامج عمل" عن كيفية العيش بكرامة تحت سلطة قمعية. وبالطبع فقد صار هذا الكاتب صوت شعبه ومنظّره من خلال ما يعرف باسم "ثورة المخمل".

فشل المثقفين السوريين
بالنظر إلى طفرة تكنولوجيا الاتصالات الحالية، فربما كان نوع الدور الذي أدّاه هافل وأمثاله ليس بكل تلك الأهمية في عالم اليوم.. أو ربما كانت المنابر الأيديولوجية التي اعتلتها ثورات الأمس نفسها عتيقة بالمعايير السائدة الآن.

في هذا الشأن يقول بيتر هارلينغ، المحلل في "انترناشونال كرايسيس غروب" إن عصرنا هذا "ينطلق بسرعة عالية، ومن الصعب الإتيان بنموذج مثالي لأي شيء. ولهذا صار الناس يبحثون عن إضاءات سريعة تنير الطريق فقط حيث يكونون وبلا داع لنظريات مطولة يسيرون على هديها".

لكن، يضيف هارلينغ، فقد تقاعس المثقفون السوريون كافة عن تقديم أي مشروع سياسي يتطلع إليه الناس، كبديل مستقبلي للنظام الحالي. وتعاظمت بالتالي المخاوف إزاء افتقار الانتفاضة أي توجه واضح المعالم والملامح.

خطأ التطلع للتجربة التركية
الآراء التي انبثقت في خضم ربيع العرب تتعلق بشكل أو بآخر بالتجربة التركية، قائلة في ملخصها إن خليطها المؤلف من الإسلام المعتدل والحكم الديمقراطي يمكن أن يصبح مثالاً يحتذى في المنطقة.

على أن هذا رأي لا يخلو من سطحية، وقد يأتي بخيبة أمل عظيمة في المستقبل، لأن من الصعوبة الجمّة تكرار التجربة التركية. والسبب في هذا، جزئيًا، هو أنه بينما أنجزت تركيا ثورتها المضادة للتقاليد خلال القرن العشرين عبر "الفعل"، كان هذا ما تحدث عنه المثقفون العرب "نظريًا" فقط في الفترة نفسها.

ففي بداية العشرينات، بدأ مصطفى كمال أتاتورك ثورته التعليمية، وجلب المصلح الأميركي جون ديوي للاستعانة بمشورته في هذا الصدد. وألغى مؤسس تركيا الحديثة الخلافة، وقلب النظام القضائي رأسًا على عقب، وفصل الدين عن الدولة بالكامل. ومع أن أول انتخابات تركية أجريت في 1946، فقد تطلب الأمر عقودًا (وعددًا من الانقلابات العسكرية) قبل أن تنضج التجربة الديمقراطية في البلاد، وتحظى باحترام العالم.

خلاصة القول هنا إنه بدون تجربة قاسية تقوم على فصل الدين عن الدولة، فمن شأن الثوريين الجدد في العالم العربي إعادة التاريخ كما هو. خذ في هذا الصدد رسالة كتبها في الأسبوع الماضي عربي على "تويتر" وجاء فيها: "فليكن مقتل القذافي درسًا للثوريين، بقدر ما هو درس للحكام. وليتذكر صنّاع "الثورة" في كل مكان أن ما أتى بالقذافي نفسه قبل أربعة عقود إنما هو "ثورة" أخرى خاصة به".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الفوقية
مواطن -

الثقافة ليست مرادفة للعلمانية فالثقافة هي الاطلاع والمعرفة وسعة الافق فليست الثقافة حكرا على العلمانيين فقط ويجب ان يعي العلمانيون ان احد اسباب تجاهل الناخب لهم هو هذه النظره الفوقيه انا علماني اذا انا مثقف انت مش علماني اذا انت حمار

الفوقية
مواطن -

الثقافة ليست مرادفة للعلمانية فالثقافة هي الاطلاع والمعرفة وسعة الافق فليست الثقافة حكرا على العلمانيين فقط ويجب ان يعي العلمانيون ان احد اسباب تجاهل الناخب لهم هو هذه النظره الفوقيه انا علماني اذا انا مثقف انت مش علماني اذا انت حمار

مقالة اكثر من رائعة
السيد المنغولي -

الكل استبشروا خيرا عند نهاية حكم الرئيس صدام حسين واستطلعوا الى نهار جديد على المنطقة ولو كانت الطريقة مستهجنة الى حد بعيد ولكن بكينا قليلا على العراق وقلنا الات افضل ولكن جاءت الطامة الكبرى وبدء المد الطائفي الديني الذي اطاح بكل الامال للعراق ان ينهض من سباته وانتشروانتشرت العمائم السوداء والبضاء في ارجاء هذا البلد العريق ليسحبوه وبشدة الى الهاوية الدينية السحيقة الى المجهول والى الاف السنين في غياهب التاريخ المظلم وعاد العراق الى تحت الصفر ورجال الدين الشياطين من تسببوا بهذا الدمار الهائل في الانسان والارض وعادة عادات عبادة القبور والنوح على كل شي واللطم وعهد الحريم ويضاف اليه الجديد في الدين وهو السرقة المبطنة بايات الله

بدون زعل
السومري العراقي -

من هو المثقف العربي او المفكر العربي؟ انا لا اعتقد بوجوده لعدة اسباب. اهمها ان المفكر يجب ان يكون حراً في ما يطرح من افكار في المجتمع فهل في دولنا حرية؟؟ الدين والحكومة والمجتمع كلها لاتؤمن بالحرية للافكار ومايسمى مثقف ,هو مجرد خادم للحاكم ليعتاش او مدلس للدين كي لايقتل او مداهن للمجتمع كي لا يعزل. نحن نولد ونعيش ونموت عبيد لما يمليه عليك الحاكم اوالجامع والمجتمع . القلة منهم تعيشفي بلدان العالم الحر ولديهم مصدر عيش اخر هم الوحيدون من يمكن ان نسميهم مفكرين اما المقيمين في بلاد العرب هم مكبرات صوتية لهذا الحاكم او المجتمع والدين. لقد قطع العرب شوطا في محاربة الامية ورجعوا عقوداً في محاربة الجهل , فحتى عندما اسقطنا الانظمة الطاغية لانعلم مالعمل الان؟ الربيع العربي هو انتفاضة وليس ثورة.

Agree!
Hani Fahs -

الربيع العربي ربيع عندما يتم فصل الدين عن الدولةAGREE!!!!!

من يزرع الريح
يحصد العاصفة -

( فهو خطاب لم ينجز شيئا للفلسطينيين ) .. المقال . عجبي من هذه المعادلة التي ابتكرها الفلسطينيون وحاولوا جاهدين أن يفرضوها على العرب ... لماذا يعتقد الفلسطينيون أن العرب مجبرين بهم وبقضيتهم وعليهم ان يفنوا نفسهم ومواردهم في سبيلها وسبيلهم متناسين أنهم هم سبب البلاء الذي نزل عليهم وعليهم أن يقلعوا شوكهم بأيديهم لا أن يرموا نفسهم على العرب لحل مشاكلهم ..!!.

Agree!
Hani Fahs -

الربيع العربي ربيع عندما يتم فصل الدين عن الدولةAGREE!!!!!

مكر التاريخ والطواغيت
غسان ابراهيم -

اعتقد ان تجربة أتاتورك لا تشرف اي انسان لانها غير ديمقراطية وفرضت بالارهاب والقمع ومع ذلك تحدى الاسلام أتاتورك وهزمه وهذا من مكر التاريخ و ايضاً موضوع فصل الدين عن الدولة هذا موضوع صار متحفياً وفي ذمة التاريخ كان ذلك في البداية فقط من فرط حساسية الغرب من الكنيسة وممارسات باباواتها لكن الان هناك تصالح بين الدين والدولة بحيث ان الشاشي لا يجد غضاضة في اعلان توجهاته الدينية يقول مثلاً انه يرتاد الكنيسة وانه ضد الإجهاض ومع القيم المسيحية يبقى شيء أخير ان اسقاط التجربة الغربية على الاسلام امر لا يستقيم لا شكلاً ولا مضموناً فالإسلام لم يعرف الكهنوت ولا الحاكم المعصوم الذي يحكم بالتفتيش الالهي اضافة الى ان الاسلام دين مدني بطبعة ولا يمكن قسم المسلم فيه قسمين وبالنهاية لقد أخذ الشيوعيون فرصتهم فحكموا لاكثر من ستة عقود وفضلوا على كل صعيد فمالمانع من أعطى هذا الوافد الصاعد فرصته ان اغلب الكتابات بخصوص الظاهرة الاسلامية غير موضوعية وتتسم بطابع التحريض والتشويه ومحاكمة النوايا ؟!

نهاية العراق
سركيس يعقوبيان -

لماذا تقوم ايران باستخدام الدين والطائفية في سعيها لاحتلال المنطقة ؟ وما ذا ستقدم ايران للعراقيين وللعراق من خبرات من اجل النهوض بالعراق ? وما هي اهداف ايران في العراق؟

مكر التاريخ والطواغيت
غسان ابراهيم -

اعتقد ان تجربة أتاتورك لا تشرف اي انسان لانها غير ديمقراطية وفرضت بالارهاب والقمع ومع ذلك تحدى الاسلام أتاتورك وهزمه وهذا من مكر التاريخ و ايضاً موضوع فصل الدين عن الدولة هذا موضوع صار متحفياً وفي ذمة التاريخ كان ذلك في البداية فقط من فرط حساسية الغرب من الكنيسة وممارسات باباواتها لكن الان هناك تصالح بين الدين والدولة بحيث ان الشاشي لا يجد غضاضة في اعلان توجهاته الدينية يقول مثلاً انه يرتاد الكنيسة وانه ضد الإجهاض ومع القيم المسيحية يبقى شيء أخير ان اسقاط التجربة الغربية على الاسلام امر لا يستقيم لا شكلاً ولا مضموناً فالإسلام لم يعرف الكهنوت ولا الحاكم المعصوم الذي يحكم بالتفتيش الالهي اضافة الى ان الاسلام دين مدني بطبعة ولا يمكن قسم المسلم فيه قسمين وبالنهاية لقد أخذ الشيوعيون فرصتهم فحكموا لاكثر من ستة عقود وفضلوا على كل صعيد فمالمانع من أعطى هذا الوافد الصاعد فرصته ان اغلب الكتابات بخصوص الظاهرة الاسلامية غير موضوعية وتتسم بطابع التحريض والتشويه ومحاكمة النوايا ؟!